الهادي نصيرة - خلف أسوار الندم..

إلتقت نظراتهما فجأة أمام مدخل الجامعة. لم يكن بٱستطاعة "بسمة"،يومئذ، مقاومة ٱبتسامة "ماهر" الجميلة، ووسامته الفائقة، وتعامله الراقي.. نظرة، فٱبتسامة، فٱنبهار، فعلاقة حب توطدت، وتعمقت، ثم مالبثت أن ٱنتهت بهما إلى تحقيق حلمهما السعيد..
_ " سعيدة جدا بزواجنا يا "ماهر" ، وسعادتي، في هذا اليوم، بحجم الكون !..
_ وأخيرا، يا عزيزتي ..ها قد تأكد ما ٱنتظرناه طويلا وصارت أمانينا حقيقة! .."
تتقبل "بسمة" أولى التهاني من صديقتها المقربة" سوسن" التي عانقتها طويلا ، وفي داخلها أمنية بأن ترى نفسها، أيضا، عروسا يغمرها الفرح، ويغبطها الحبور والٱنشراح. ولم لا ؟ ف"سوسن" فتاة ، جميلة، ذات قوام رشيق، وشعر طويل فاحم، وعينين جذابتين ، ووجه مشرق إشراقة شمس الربيع الدافئة.
تستمر علاقة "بسمة" و"سوسن"، صافية ، نقية، لا تشوبها شائبة. وتزداد أركان تلك العلاقة رسوخا، عندما تنتدب "سوسن" للعمل بالمؤسسة الصحية، حيث تعمل "بسمة" وزوجها "ماهر"..
تتتالى الأيام، وتتغير بمرورها أوضاع وتتبدل أحوال . تجلس "بسمة"، ذات مساء، وحيدة في غرفتها، وقد بدت قلقة جدا، ويتزامن ذلك مع قدوم "سوسن" التي جاءت لزيارتها كالعادة. كان القلق قد أضفى على ملامح "بسمة" مسحة من الضيق والتوتر، وٱنتزع منها ٱبتسامتها، وأطفأ ذلك البريق الملتمع من نظراتها، الذي لم يكن ليفارقها أبدا..
تتساءل "سوسن"، فيقابل تساؤلها بصمت لم يدم طويلا، ثم تنبري"بسمة"، إثره، في التحدث لتكشف حقيقة ما شاب علاقتها بزوجها "ماهر" من فتور، في المدة الأخيرة.. كانت "سوسن" تنصت لصديقتها بٱهتمام، غير أنها لم تتفاجأ كثيرا بما روته "بسمة"؛ إذ ما زال صدى كلمات "ماهر"، طوال الفترة الماضية، يشنف سمعها؛ إفصاحه عن حبه الآسر لها ، عبارات الثناء المتدفقة، عبر الهاتف، صباح مساء، حتى بدا من الصعب عليها التصدي لإيقاف ذلك السيل الجارف من بوح متواصل بالعشق والهيام..تضاءلت قدرة"سوسن" على الصمود، وتشتتت أفكارها، وتضاربت في قلبها المشاعر، وتعمقت الحيرة، وٱضطرم في داخلها صراع عنيف، رمى بها بين كماشتي خيارين لا ثالث لهما : إما أن تحافظ على علاقتها المثالية بصديقتها "بسمة"، وإما أن تنساق وراء لحن الكلام المعسول، الذي بات لسان ماهر لا يتوقف عن عزفه لها كل يوم..
مضى وقت سارت فيه الحياة كما شاءت لها الظروف أن تسير، إلى أن جاء اليوم الذي لم تصدق فيه "بسمة" عينيها، وهي تشاهد على شاشة هاتف زوجها تفاصيل محادثة غرامية مصورة جمعته بصديقتها المقربة "سوسن".
لم تكن مهيأة أبدا لٱستيعاب ما حدث.. صعقتها المفاجاة القاسية، لكن ذلك قادها، في النهاية، إلى إزاحة الستار عن الغموض الذي بات مخيما على حياتها الزوجية، وقد ٱنطفأت فيها كل شموع السعادة والبهجة، وتغير مسارها إلى منزلق النصب والخديعة ..
لامت نفسها كثيرًا، وأيقنت أنها خسرت كل تلك السنوات من عمرها من أجل اللاشيء، وأن لا أحد يستحق كل تلك التضحيات التي بذلتها، فما كان منها إلا أن وقفت تتجرع مرارة الغدر، تائهة، تنظر من خلف أسوار الندم .

الهادي نصيرة | تونس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى