مصطفى الحاج حسين - (أشرعةُ الظَّلامِ).. مجموعة شعرية

* صواري الخراب..
شعر : مصطفى الحاج حسين.
تعبَ الأفُقُ
فجلسَ على دمعتي
كانتْ تمرُّ بالقربِ منْ دمي
وردةٌ مجدولةُ الضفائرِ
تُشبهُ حقيبتي المدرسيَّةِ
التي سُرِقتْ منْ قلبي
الهواءُ مصابٌ بعسرِ التّنفسِ
الأرضُ تشكو من تُخمةِ الجثثِ
والصّباحُ غابَ عنّا
بمحضِ الظّلامِ
يتوزَّعُ جسمي على طرقاتِ
القهرِ
هنا في الرّكنِ بعضُ خيبتي
تحت السّقفِ تشتعلُ آهتي
وهناك خلف البابِ
مربوطةٌ بالحبلِ أيامي
لا ماءَ يغسلُ صرختي
لا ضوءَ يفكُّ وثاقَ روحي
تعلِّوني الهزائمَ
يتربَّعُ الفزعُ فوقَ لساني
الجدرانُ تتخاطفُ قلقي
النّافذةُ تغتصبُ أسئلتي
والبابُ مقفلٌ على خطايَ
أزحفُ نحو نبضي
أستجمعُ ما تبقَّى منْ حطامي
إنّي أنادي على صوتي
سأراهنُ على ما ادخرتُهُ
من أملٍ فسيحٍ .
إسطنبول
* أُنثى الحطام..
زرعتْ فوقَ أنوثتِها غُبارا
وتجمَّلتْ بأكاليلٍ مِنَ الشَّوكِ
دثَّرتْ بالقصديرِ قلبَها
وضمَّتْ لشريانِها التّجهم
تَسُوْطُ قصائدي كُلَّما زحفَتْ نحوها
تزجُرُ دمي إنِ اشرأبَّ إليها
تدهسُ حنيني باقتضابٍ
تثقُبُ بَسمتي بخِنجرِ التَّجاهلِ
هي أنثى الحطامِ
وردةُ الرّمضاءِ
ندى العدمِ
تُضمِّخُ روحي بالسّرابِ
تمنعُ الدفءَ عن ليلي
تُعرِّي دمعتي من الأملِ
يدُها طالتْ سحابي
دكَّتْ هطولَ النُّورِ
على أنفاسي
جرحتْني حينَ تفتَّقَتْ أزهارُ
الموسيقا علىٰ أغصاني.*
إسطنبول
* المَنسيَّةُ..
صارت عجوزاً
ًيتعكّزُ
عطرُها على ترهّلاتِ
أنفاسِها
أصابعُها ترتعشُ كأوراقِ الخريفِ
ونظراتُها لا تقوى على المسيرِ
ذَبُلَتِ الينابيعُ
في ساقيها
تشرَّدَتْ أسنانُها عنها
كسا الغيمُ شعرَها
وبسمتَها تغضَّنَ بريقُها
وقامتُها مالتْ نحو الأرضٍ
كلماتها منتوفةُ الأجنحةِ
تتفرَّسُ بندوبِ وحدتٍها
تتلفَّتُ نحو الجهاتِ
تأمَلُ أنْ أُمسِكَ بيدِها
ستعتذرُ عن عُمُرٍ أُرهِقَتْ
دروبُهُ
هي كالشّجرِ اليابسِ
كالماءِ المسفوحِ على الرَّملِ
كالنّارِ المُطفأةِ
كانتْ تنضحُ بأحلامي
تَتَزيَّنُ بعطشي
تجرُّ خلفَها أسراباً مٍنَ السَّرابِ
لم تأبَهْ لصليلِ قصائدي
لثُغاءِ حنيني
لبيادِرِ دمعي
أقفلتْ سماءَ قلبِها
عن أجنحةِ نبضي
شيَّدتْ سَدَّاً من الصّمتِ
رجمتْ قمري بالتّجاهلِ
أغلقتْ على شمسي بالسّوادِ
حطَّمَتْ عليائي
بترتْ أمواجيَ
كسَّرَتْ أفقي
ظنَّت أنَّ حُبِّيَ إساءةٌ لكبريائٍها
وقصائدي مجردُ كلامٍ لأحمقٍ
اختارتْ أنْ تبقى منسيَّةً
جلستْ في ركنِ الغباءِ
تراقبُ عقاربَ الموتِ.*
إسطنبول
* مخالبُ الظّلامِ..
أنحني لألتقطَ الضّوءَ
يزدحمُ التّألُّقُ عند أصابعي
أمسِّدُ نبضَ السّماءِ
وأداعبُ لُهاثَ الغيمِ
أشدٌّ البحرَ من أُذُنيهِ
كي لا يضايقَ الأسماكَ
ويسطو على أرزاقِها
وأشدُّ وثاقَ الصّحارى
حتّى لا تبخلَ بالينابيعِ
فإنْ أعتمَ القمرَ
أجلدُهُ
وأُلهبُ ظهرَ الشْمسِ
إنْ أمكرتْ
لا أسمح للشجرِ أنْ يعضَّ
يدَ النّدى
ولا أسامحُ من لا ينحني للسنبلةِ
الكونُ كلُّهُ يقفُ على ساقِ
الرّغيفِ
فمن أجاعَ نملةً
ستجوعُ عظامُهُ للنارِ
من شرَّدَ سوريَّاً
صببتُ عليهِ جامَ غضبي
وأرسلتُ عليهِ مخالبَ
الظّلامِ.*
إسطنبول
* تقهقرُ النّدى..
تجهَّمَ عطرُ النَّدى
حينَ ابتلَّ بالظَّلامِ
راحتْ صواريهِ تبكي
صارَ صوتُهُ خراباً
وأصابعُهُ سَراباً
عيناه تسكنُهما الشَّهقةُ
وقلبُهُ تعدو فيه الصَّحارى
يرتجفُ دمُهُ
تصرُخُ فيه المرارةُ
يحدِّقُ في شقوقِ روحِهِ
ذبُلَتْ ضحكةُ نضارتِه
تيبَّستْ نوافِذُ رؤياهُ
أزهرَ الموتُ في حضنِهِ
وتقصَّفَ الغرورُ في عليائِهِ
سيحاسبُ الزّمنُ تجاهلَهُ
مضتْ عنه ساعاتُ التَّكبُرِ
صارَ يزحفُ على أرصفةِ النِّسيانِ
يأكُلُ النَّدمَ
يستجدي قارعاتِ قصائدي
وأنا لن أشفقَ على جبروتِهِ
المتقهقرِ.*
إسطنبول
* القُوْتُ..
يسخَرُ
الرّغيفُ من جوعي
ويتسلَّقُ أدراجَ المتخمينَ
أُلاحقُهُ
ّأذكِّرُهُ بعرقِ جبيني
فأنا من زرعَ القمحَ
وحرثَ الصِّعابَ
وحصدَ الحسرةَ وفقرَ الدَمِ
أطعمتُهُ راحةَ كفِّي
ونُعاسَ عيوني
سقيتُهُ كلَّ ما جادتْ به جروحي
مسَّدْتُ له عُنُقَهُ
قبلَ أنْ يغفو بالربطةِ
وحملتُهُ للبائعِ الجشعِ
وحينَ عزمتُ على شرائِهِ
أخذَ يفضِّلُ أصحابَ الكروشِ عنِّي
يقرفُ الرَّغيفُ منْ فمي
يشمئزُّ منْ بيتي
يحتقرُ أسمالي
يتكبَّرُ على جيوبي
يهزأُُ من اسمي
يعيُّرُني بوطني
يبولُ على صبري
يقهقِهُ وأنا أتضوَّرُ لإحتضانِهِ
على بعدِ أيَّامٍ أشتَمُّ رائحتَهُ
لا قيمةَ للعطرِ بحضورِهِ
يتلذَّذُ الهواءُ بأنفاسِهِ
يؤدِّي الماءُ له التَّحيَّةَ
والسَّماءُ ترسلُ له القبلاتِ
يتمنَّى القمرُ تذوُّقَ طعمِهِ
والمطرُ يهطُلُ منْ أجلِهِ
كيفَ السبيلُ لأحظى بمحبتِهِ
وأمرِّغَ شفتيَّ على صَدرِهِ؟!
وأغمِّسَ به
وجعَ عمري؟!*
إسطنبول
* ثالثةُ الحروب..
تتجمَّدُ الشّمسُ
والأفقُ ُيتناثرُ
يتصحَّرُ الغمامُ
ويترمَّدُ النَّدى
تتعرَّى الأرضُ من ترابِها
يبقر ُالبحرُ ماءَهُ
والشَّجرُ يغتالُ ثمارَه
تتخلَّى الدُّروبُ عن جهاتِها
لا شيءَ إلَّا الرَّمادَ
يرفعُ رايةَ النَّصرِ
الرّكامُ يختالُ بعنجهيَّةٍ
جثَّةُ الهواءِ معلَّقةٌ على جدارِ
العدمِ
الينابيعُ غائرةٌ الأعينُ
لسانُ النَّهارِ مدلَّى
والقمرُ يرتدي العباءةَ السَّوداءَ
لا أثرَ للإنسانِ
على رحابِ السَّديمِ
لا قصيدةَ شعرٍ تمكُثُ
في جيوبِ الكوكبِ
لا سنبلةَ موسيقى
لا بسمةَ لموجةِ حنانٍ
الحروبُ انتصرتْ
ووضعَ الموتُ أوزارَهُ
لا شيءَ يعلو على صوتِ
السّكونِ
مقابرٌ على مدِّ بصرِ
الملائكةِ
وأبليسُ يرفضُ أنْ يدفنَ
الفقراءَ.*
إسطنبول
* الثَّمنُ..
تركتْني الأيامُ وحدي
أمشي على أوجاعي
حدودُ إقامتي جرحي
أفقُ أنفاسي احتراقي
لا صدى أستندُ عليهِ
لا ظلَّ يحمل عنِّي انهزامي
يفتحُ البردُ فكَّيهِ لخطواتي
القيظُ يتغلغلُ في دروبي
السَّماءُ أسقطتْني على أرضٍ
معكوفةِ الأنيابِ
شرسةِ الشَّوارعِ
متوحّشةِ الحدائقِ
الفراشةُ فيها تقتلُ الإبتسامةَ
والوردُ يتصيّدُ التَّلاميذَ
تنبذُنا المقاعدُ
تطردُنا ورشُ العملِ
تأكلُنا جمعياتُ الخيرِ
وحاوياتُ الزّبالةِ تزمجرُ
على بطونِ كرامتنا
ممنوعٌ أن يبقى سوريٌّ واحد
على ظهرِ التُّرابِ
فالهواءُ لا يكفي للتنفِّسِ
والماءُ ينفرُ من التفافِنا حولَه
جماجمُنا انتشرَتْ في الأوديةِ
رؤوسُنا تعلَّقَتْ على قِمَمِ الرَّزيلةِ
والقبورُ لا ندخلُها إلّا بعدَ
أن نحصلَ على حقِّ (الفيتو).*
إسطنبول
* الأشاوسَ..
تمشي الدُّروبُ فوقَ انتظاري
وأنا أجلسُ على قلقي
الجهاتُ تُغمِضُ عينيها
الأفقُ يُسدُلُ جناحيهِ
والهواءُ يُغلِقُ نوافذَهِ
تمتدُّ الصّحارى على سعةِ قوايَ
تنهارُ الخيبةُ على خطوتي القاحلةِ
جفافُ الماءِ شرسٌ
أنيابُ النَّسمةِ جارحةٌ
ومخالبُ الصبرِ حارقةٌ
أقِفُ على قمَّةِ الانهيارِ
أحدِّقُ بشهقتي
أتأمَّلُُ هزيمتي
أراقِبُ انغماسَ النَّارِ بأنفاسي
وأصرُخُ ملأَ صمتي الحارٍّ
أنا ابنُ الثَّورةِ الخائنةِ
الثَّورةٍ الَّتي تبيعُ دمَ شهدائِها
وتقايضُ أبطالَها بكأسٍ من لذَّةٍ
فسادُ أمراءِ الحربِ فوقَ الجميعِ
لننتصر على الطّاغيةِ
علينا أن نمجِّدَ ألفَ باغٍ وشاذٍّ
ونتباركَ بمنْ يغتصبُ شرفَنا
هي ثورةٌ أنجبتْ لنا التَّشردَ
صار فيها الحمارُ حكيماً
والرّعديدُ قائداً
والعاهرُ مرشداً
اتهموا الضَّوءَ بالزَّندقةِ
فقتلوه
شهدوا على الماءِ بالكفرِ
فجلدوه
تآمروا على الأكسجينِ
فخنقوه
احتالوا على الخبزِ
فخطفوه
وبحجّةِ مخافتِهم على الفقراءِ
منعوهُ
وباعوهُ للفاسدينَ الأشاوسَ
بأثمنِ الأسعارِ.*
إسطنبول
* حِدَادُ النّدى..
يتراكمُ الوجعُ
الجرحُ مدينةٌ
والعماراتُ دَمُ
الليلُ يتهدَّمُ نومُهُ
والنَّهارُ تطاردُهُ الفجائعُ
يهرُبُ منِّي الطَّريقُ
ويتساقطُ من يدي مصيري
يلاحقُني ركامُ الأملِ
وتدكُّ أنفاسي المرارةُ
والخيبةُ تقطعُ عليَّ الرَّجاءَ
في كلِّ مكانٍ ينهضُ الموتُ
فعلى أيِّ رصيفٍ يزحفُ الخواءُ
الأبوابُ محلِّقةُ الإرتماءِ
النَّوافذُ ترفرفُ بالغبارِ
والياسمينُ مثقلٌ بالحِدادِ
الزَّمنُ منخورُ الأنيابِ
يبحثُ عن فُتاتِ أمانٍ
والهواءُ يقنصُ الأنينَ
مَنْ يقرأُ قصيدتي تحتَ الرَّمادِ؟!
مَنْ يزرعُ القمحَ في أوديةِ النٌّارِ؟!
مَنْ يفتحُ لدمعتي دربَ النَّجاةِ؟!
أبحثُ عن ركنٍ
يأوي فيهِ خرابي
وترقدُ عليهِ عذاباتي
في أفقي المغلقِ تتآكلُ أجنحتي
تصطادُني خفافيشُ السَّرابِ
تجرجرُني منِ استغاثاتي
وتُسْلمُني لأيادِ العدمِ
وأنا أقاومُ السَّيَّافَ باندحاري
وتصفِّقُ أطماعُ الأممِ.*
إسطنبول
* بيان رقم واحد..
أنا إنِ اقتربتُ منكِ
أتعهَّدُ بوقفِ الحربِ
وعودةِ السَّلامِ الكاملِ
وزرعِ الأرضِ بشتائلِ المحبةِ
لن يُهرقَ دمُ البسمةِ
لن تُهدمَ جسورُ الأُلفةِ
ولن يُفجَعَ قلبُ النَّسمةِ
سأعلِّمُ الحجرَ معنى الحبِّ
وسأكسو جُذوعَ الشَّجرِ
بمِخمَلِ النَّدى
سأُذيقُ العطرَ طعمَ الخبزِ
وأُطعِمُ الماءَ شهوةَ النُّورِ
سأُوسِّعُ فضاءَ الأفقِ
وأعمِّرُ شهوقَ الأحلامِ
وأمنحُ الجبالَ
أجنحةً
وأفجِّرُ باطنَ السَّرابِ بالعطاءِ
وأزوِّدُ الوقتَ بالجنائنِ
أنا لو أقترِبُ منكِ
سيجُفُّ موجُ الموتِ
وأبترُ أصابعَ الضَّغينةِ
وأبتزُّ رِحابَ الضَّوءِ
وأتركُ للعشَّاقِ حرِّيَّةَ المصيرِ.*
إسطنبول
* سرابُ الظَّلامِ..
الظَّلامُ لا يقرأُ أنواري
ولايبصِرُ رحيقي
لايشتمُّ صرختي
ولا يسمع حنيني
يمشي متنكِّراً بأحزاني
يصطحبُ هواجسي
يمضغ قلقي
بهدوءٍ شرسٍ
ويضحكُ برعونةٍ فاجرةٍ
يطوِّقُ دربي بلججِ السَّرابِ
يحفُرُ أمامي خنادقَ الفاجعةِ
يَرميني بالتَّعثُّرِ
يَشدُّني من خطايِ
يُشعلَ فوانيسَ الحيرةِ
ويوقِعُني في شرَكِ الضَّياعِ
أفتِّشُ عن جسدي
في بركةِ الأنين
أرى دمعتي معلَّقةً من طُهرِها
أجدُ ظِلِّي ينزفُ من ظهرِهِ
وفمي مشنوقَ الأبجديَّةِ
يحاصِرُني سُمُّ الأفاعي
وتنهضُني أيادِ العقاربِ
يبتسمُ لي وميضُ الخناجرِ
ويفتحُ الشَّيطانُ ذراعيهٍ
والقبرُ يهمِسُ لي
بكلِّ عباراتِ الشَّوقِ
أنا مأوى اللاجئينَ
أنا نصيرُ المشرَّدينَ
أنا ملاذُ القتلى.*
إسطنبول
* فُحُولَة!!
يَتَفَحَّمُ الهواءُ
تَتَهاوى النّجومُ
تَسْوَدُّ الشَّمسُ
تَتَفتَّتُ الأرضُ
يَضحَكُ الدُّبُّ الرُّوسيُّ
وأمريكا تُحصِي قيمةَ الدُّولارِ
والعُربانُ يَستَقرُّونَ
في بالوعةِ التَّاريخِ
يَهتُفونَ لقادةِ الإدمانِ
والتَّصدِّي الفاتنِ
في مروجِ التَّقززِ
والغثيان.*
إسطنبول
* سأموتُ إلى الأبدِ..
تتقدَّمُ نحو سريري جُدرانُ غرفتي
والسَّقفُ يُدَلِّي فوقي رجليهِ
البابُ يُغلَقُ عليَّ بإحكامٍ
والنَّافذةُ مسدودةٌ بسوادِ الليلِ
أحدِّقُ بارتجافِ دمي
تشيرُ عليَّ عظامي بالهربِ
لكنَّ قدميَّ غارقتانِ بالخوفِ
أفتحُ أزرارَ روحي
أمُدُّ يدي إلى عجزي
فلا يستجيبُ لي ندائي
أنا في غربةٍ ساحقةٍ
في حصارٍ مع المجهولِ
هل سأموتُ هنا؟!
لكنّي لم أزُرْ قبرَ أمي بعدُ
لم أجدْ مرقدَ أبي المهدّم
الموتُ في الغربةِ
هو موتٌ أبديُّ
لا يتيحُ لي اللقاءَ مع أخوتي
لا يعطي فرصةً لأخواتي
ليزرعْنَ الوردَ على تُربتي
سيحرمُني زيارةَ أصدقائي
ولن أسمعَ للندى صوتاً
هنا..
سأموتُ بكلِّ ما تعنيهِ الكلمةُ
بين قبورٍ لا تتقبَّلُ لغتي
لن أقدرَ أن أحدِّثَ من دفنوا حولي
عن جمالِ بلادي
وعن حبِّيَ الباقي.*
إسطنبول
* الدواعش مسحوا المقبرة التي تضم قبر أبي.
* رؤيةُ المشرَّدِ..
يتراءى ليَ يباسُ الأفقِ
وقَفارُ البحرِ
ورمادُ السّلامِ
والأجنحةُ العائمةُ في الرُّكامِ
والضوءُ المذبوحُ
والهواءُ المشنوقُ
والنَّدى المصلوبُ
أرى الأشياءَ تهشِّمُ نفسَها
والأرضَ تلجأُ لكوكبٍ آخَرَ
والقمرَ مبتورَ العُنُقِ
والجبالَ مغلولةً من قِمَمِها
والوديانَ داميةَ الفخذينِ
وأرى الصّحارى تستحمُّ بالدَّمِ
والأشجارَ تغتصِبُ ثمارَها
والينابيعَ تصطادُ العطشى
والسَّماءُ تفرِّغُ فوق رؤوسِنا الفاجعةَ
أرى السيافَ يبدأُ بأخيهِ
وينتهي بابنهِ
ولنْ تَفلُتَ منه زوجُِه
ولا جارهُ أو صديقُهُ الحميمُ
أرى الكلماتِ تقطعُ لسانَ قائلِها
الموسيقا تشلُّ مَنْ يرقُصَ على أنغامِها
والوردُ يخنُقُ العشاقَ
أرى الليلَ بلا لونٍ
والنَّهارَ يعملُ كمِخبَرٍ سِرِّيٍّ
أرى البابَ يدُلُّ على صاحبِهِ
النَّافذةَ تفضح من يختفي خلفَها
والماءَ مزوَّداً بالأصفادِ
أرى مدينتي تتنكَّرُ لي
وهَوِّيَّتي تزوِّرُ إسمي
وعلمَ بلادي قماشاً من كفني
أراني معطوبَ اليدينِ
مشلولَ القدمينِ
مقطوبَ الشَّفتينِ
مسبولَ العينينِ
مسروقَ القبرِ.*
إسطنبول
* أنينُ لاجئ..
أَنعي لكم نفسي
بنفسي..
فأنا هنا ميتٌ
وسطَ قومٍ يعتدونَ
على جنسيتي كلَّ يومٍ
يستعبدون مستقبلي
ويمنعون عنِّي لساني
يقيدونني بسلاسلِ القلقِ
فأخافُ من أيِّ دبيبٍ يُثارُ حولي
ومنْ أيِّ صوتٍ يصدُرُ عن الجيرانِ
أو من أيِّ شَرَطيٍّ
يمرُّ من الحارةِ العاشرةِ
لا أتنقلُ إلَّا بإذنٍ
ولا آكل ما لا يشتهونَه
أعمل عندهم بأجرٍ بخسٍ
وبأقلِّ من آجارِ غرفتي
التي تأكلها الرُّطوبةُ.*
إسطنبول
* قواربُ الموتِ..
... وكانَ للبحارِ حصَصٌ مجزيةٌ منَّا
لم تشبَعِ الأسماكُ قطُّ
كما شبِعتْ بتاريخِ غربتِنا الميّتةِ
ذاقتْ دمَنا فاستعذبَتْ طعمَ صرختِنا
نهشَتْ أمانينا السَّابحَةَ
وكان لحمُنا يضيءُ لها الموجَ
عضَّتِ استغاثاتِ أطفالِنا
ابتلعتْ غريزةَ الأمومةِ
عند نسائِنا
وقضمتْ ندَمَ شبابِنا
كانتِ الأمواجُ تدُكُّ اللُّهاثَ
تُزمجِرُ على الأنينِ
تصطادُ الخلجاتِ
وتمزِّقُ نبضَ القلوبِ الهاربَ
القارَبُ يمضي وحيداً
إلَّا منْ قبطانِهِ
رمى ثقلَهُ بالبحرِ
وصارَ يُمازحُ النقودَ التي نالَها
من عرقِ الغرقى
وكان الليلُ يتستَّرُ على الجريمةِ
حين استقبلتِ الشواطئُ
الجثثَ الحالمةَ
بحياةٍ أجملَ
وبلادٍ يعمِّرُ فيها الأمانُ.*
إسطنبول
* أبوابُ الجنَّةِ..
أتسآلُ ماذا كانَ قبلَ الأنوثةِ؟!
كيفَ كانَ الكونُ مِنْ دُونكِ؟!
مُؤَكَّد أنَّ الألوانَ انبعثَتْ منكِ
حتماً لَمْ تكنْ السَّماء قَدْ وِلَدَت
وأراهنُ أنَّ الهواءَ كانَ مجرَّدَ وَهمٍ
والطَّبيعة لَمْ تَكُنْ تَخَيَّلَتِ النَّدى
الشَّمسُ كانتْ ضامرةَ الضَّوءِ
وباردةَ الأطرافِ
الينابيعُ لم تكن تعرف التُّرابَ
والشَّجرُ كان مخصيَّ البذورِ
والوردُ لَمْ يُخلَقِ اسمُهُ بعد
كانتِ النُّجومُ تجهلُ مكانَها
والفضاءُ لا يتَّسعُ لإصبعِ فراشةٍ
ولَمْ تتفتَّحْ نعومة أظفار الزَّمنِ
فالليلُ بلا ملامحٍ
والنَّهارُ بغيرِ قامةٍ
والبحرُ يتكتَّمُ على موجِهِ
الشٍّعرُ نطفةٌ لَمْ تكتمل
والأرضُ ملعبُ السُّكونِ
يتقاذفها السًَّرمُدُ
البرقُ رَطبٌ لا يتقِدُ
الرَّعدُ فاقدٌ للصوتِ
والمطرُ جافٌ مقشَّرُ الشَّفتينِ
قبلَ الأنوثةِ
كانتْ الجنةُ مجهولةَ الأبوابِ
وكانَ الجحيمُ مفتوحاً
لم تنتصبْ أسوارُهِ
وكانتْ تراودُ آدمَ
فكرةَ الانتحارِ.*
إسطنبول
* أواصِرُ الغرباءِ..
يفيضُ السَّرابُ
وتعلو صرَخاتُ الضّوءِ
يتقيَّءُ الظِّلُّ
وتتَّقدُ كثبانُ الرَّملِ
تصابُ الرِّيحُ
بالإغماءِ الشَّديدِ
الشمس تعضُّ على خطواتي
والعطشُ يستجيرُ بدَمِي
بعيدةٌ هي المسافاتُ
وممتدَّةٌ أوجاعُ الحنينِ
قفارٌ مسلَّحةٌ بالملحِ
جبالٌ شاهقةُ الصَّدى
هضابٌ من الجروحِ
وسماءٌ مسيَّجةٌ بالاختناقِ
تجرشُ النَّدى حنظلا
وتدقُّ في عنقِ الغيبِ
أشرعةَ المسيرِ
أمشي في زحمةِ دمعي
في عراءِ أشواقي
في غاباتِ الاحتضارِ
وأرى على سفوحِ الهلاكِ
وطني يُشيَّعُ مجدُهُ
ويُدفَنُ تاريخُهُ
ويُحفَرُ جوعُهُ
ويُزرَعُ رمادُهُ
يناديني ليواريني داخلَ نبضي
فأهربُ
إلى مخالبِ الضَْواري
وأواصِرِ الغرباءِ!*
إسطنبول
* أقبية..
تقبعُ النَّسمةُ خلفَ الجدارٍ
معصوبةَ النَّدى
مجروحةَ الجناحِ
مقصوفةَ القامةِ
معلَّقةً من أهدابها
مربوطةً باللهبِ
يستجوِبُها الاختناقُ
عن تاريخِ نشأتِها
وعن نشاطِ ضفائرِها
وطموحِ أصابعِها المعطَّرةِ بالضوءِ
والنَّسمةُ تمنعُ شفتيها منَ الأنينِ
ولا تعترفُ
بخصائصِ فطرتِها
المنسوجةِ بخيوطِ الحنينِ
يتوجَّعُ حديدُ النافذةِ المغلقةِ
وتصمُدُ النسمةُ
على صعقٍها بخطوطِ التَّوتُّرِ
يتعرَّقُ الجلادُ
ينزفُ غيظاً
يتفصَّدُ شتائماً
َوينهالُ على خَلجَاتِ الجسدِ
إلى أنْ تقرَّ النَّسمةُ
بنزوعِها لصدورِ الأحرارِ
ليقيمَ الحاكمُ
على نهديها الحَدَّ
بمقتضى شريعةِ الطغيانٍ.*
إسطنبول
* مذلَّة..
عرجتِ السَّماءُ إلى أحلامي
كانت محمَّلةً بالنُّجومِ
سألتني عن سببِ أحزاني
أجبتُ:
- وطني ضاعَ منّي
طردَني منهُ المتحاربونَ
وتقاسموا دمي بالعدلِ!.
لاحَ الدَّمعُ بعينيها
و قالتْ:
- أتقبلُ منِّيَ نجماً بدلاً عنهُ؟!
صرخَتْ دمعتي:
- لا أحسُّ بالسَّعادةِ دونهُ!!
عرضَتِ الغيومُ نفسَها عليَّ
فأبيتُ..
وكشفتْ ليَ الشَّمسُ عن مفاتنِها
فلمْ يراودْني ضوءُها
دارتْ منْ حولي كلُّ الكواكبِ
غمزتْني الأقمارُ
جذبتني أيادي النَّدى
همسَتْ بأُذُني الآفاقُ
وكانت جوارحي ترفضُ
وتهتفُ:
- لا بديلَ لي عن سوريا
مهما ترجَوني
فلا تتذلَّلُوا.*
إسطنبول
* ترقُّب..
كمْ كانَ الحبُّ يجذبُني
إلى أماكنِكِ
أمشي مسافاتٍ في طرقاتٍ
صارت تعرفُ حُلُمي
وعماراتٌ راحتْ تحفظُ دقاتِ قلبي
والأرصفة تدلُّني على أَثَرِ خطاكِ
واللافتاتُ تنبهني
على وميضِ رائحتِكِ
كنتُ أسألُ الأشجارَ
متى مرَّت من هنا؟!
تجيبُني العصافيرُ:
- لقد تأخرتَ اليومَ عنِ المجيءِ
عبرَت منذُ أن رحلَ الفجر
كلَّ مَرَّةٍ التقي بخيبتي
فإنْ جئتُ باكراً تتأخرينَ
وإن وصلتُ متأخِّراً تُبكِرينَ
وإذا نِمتُ واقفاً لا تأتينَ
عبثاً ألاحقُ مصادفتَكِ!!
كأنَّكِ تتعمّدينَ قتلَ ابتسامتي
التي أنوي أن أقابلَكِ بها
ثمَّ سأحملُ إرتباكي وأبعُدُ
بعد أن أرمي أمامَكِ بقصيدتي
التي سطَّرتُها على ورقِ حنيني
يكادُ الطريقُ يبكي تعاطفاً
والصباحُ يعتِّمُ بهجتَهُ
وأوراقُ الأشجارِ تتهاوى بحرقةٍ
وزماميرُ السَّياراتِ العابرةِ تمتعضُ
وأنا أتصادمُ مع ظلِّي
وأعتذرُ
لأمضي بشحوبي.*
إسطنبول
* زنبقةُ التٌْرقيمِ..
العشبُ ينبتُ تحتَ قدميكِ
والماءُ يزداد نقاء
كلَّما لامست شفتاه نضارتكِ
والهواءُ يتضاعف صفائه
عند محيط أنفاسكِ
يتوضٌْحُ الضٌّوء أكثر
حينٌ يقتربُ منكِ
وتعلو السَّماءُ لمَّا تنهضينَ
َوالأفقُ يهرعُ بالإتِّساع
في كلًّ خطوة تمشينها
الدُّروب تعرضُ عليكِ رحابتها
وتنحني الغيوم لتقبل رحيقكِ
وتأتي الأمواجُ لعندكِ صاغرةٍ
لتبلِّل قدميكِ
تهلِّلُ الأشجارُ إذا تظلَّلت بفتنتكِ
والعصافيرُ تزقزقُ مخمورةَ الصَّوتِ
كلُْ الطبيعة مبهورة بجمتاكِ
وقلبي هائمٌ لحدِ الجنونِ
عيناكِ تذلِّلُ الجبال
تحلِّقُ فيها الهضابَ
تنامُ فيهما الموسيقا
وأنا أغطُّ في بحرِ صوتكِ
ألملمُ غبار الطَّلع من همساتكِ
وأشعلُ الوديانَ في نبضي
وأنا أراقبكِ
أنتِ فيضُ التَّعجبِ
بيادرُ الإستفهام
زنبقةُ الترقيمِ
إعصار المدِّ والجزرِ
فكيفٌ لي أن أعرضَ
حبِْي عليكِ؟!*
إسطنبول
* لا تنتظرها..
بعد قصائدَ كثيرةٍ
كتبتُها عنكِ
وبعد تردُّدٍ وخوفٍ وقلقٍ
حسمتُ أمري
وتشجَّعتُ
وبجراةٍ قاتلةٍ طلبتُ منكِ
أن تمنحيني من وقتِكِ
بضعَ دقائقَ
وكان العرَقُ مني
قد طافَ بالمِقصفِ الجامعيِّ
وهو يتوسَّل إليكِ بضراوةٍ
ألَّا تعتذري
قلتِ لي:
- بعدَ ساعةٍ، عندي إمتحانٌ
وجلستُ أنتظرٌ
كانتِ الساعةُ دهراً بأكمَلِهِ
وسجائري تحرقُ نبضي
أنتظركِ بتوحُّشٍ وجنونٍ
وفكرةُ الهروبِ كانت تراودُني
أنتِ تعرفينَ ما أريدُ قولَهُ لكِ
سأعترفُ بما لم يَعدْ يخفى
عليكِ
حتماً كانوا قد أخبرَكِ
أصدقائي (النَّمامونَ)
َومؤكَّدٌ قالَ لكِ الضّوءُ
وكذلك الورود لاتحفظُ سراً
والفراشاتُ تريد الإنتقامَ منّي
لأنِّي أقطُفُ من أمامِها الأزهارَ
رصيفَ عمارتِكِ ملَّ من وقوفي
نافذتُكِ أحسَّتْ بنطراتي
موقفُ الباصِ حفظ شكلي
وقلقي..
الهواءُ سألَني مِراراً
عن سببِ آهاتي
والمفرداتُ استهلكتُها بشعري
وَشَعَرَتْ بأنّي أستبدلتُ معانيها
ما منْ أحدٍ إلَّا ويعرفُ
أني أحبُّكِ.. منذ رأيتُكِ
والنَّظرةُ الأولى تكون الأعمقُ
والأصدق..
لكنَّ الوقتَ أكلَ انتظاري
طالَ مكوثي فوق الجمرِ
وصار بابُ المقصفِ
يهزأُ من مراقبتي
وما كنتِ تدخلينَ
أو تأتينَ
ووصلَ صديقي ليقولَ ساخراً:
- تقولُ لكَ.. لا وقتَ عندها لكَ
فلا تنتظرها.*
إسطنبول
* أشرعةُ الظَّلامِ..
تمشي الجنازاتُ
تحملُ أفقَ الوطنِ
إلى مقبرةِ الدَّمعِ
جثَّةُ النَّسمةِ متعفِّنةٌ
متورمةُ البسمةِ
مزرقَّةُ الأحلامِ
في قلبِها أنهارُ حزنٍ
وفوقَ شفتيها أشرعةٌ من ظلامٍ
النَّسمةُ متفحِّمةُ النَّوافذِ
متحجِّرةُ الأصابعِ
مبتورةُ الأنداءِ
عمياءُ الصّحارى
تُشبهُ فضاءَ الرُّكامِ
النَّسمةُ تبحثُ عنِّي لتخنقَني
وتُشبِعُ قلبي بالسُّكوتِ
وترسمُ على رمادِ دمي
خارطةَ الوطنِ المرصّعِ
بالتَْجَزُّؤِ
وأنيابِ الحلفاءِ
المخلصينَ لأطماعِهم
المعتَّقَةِ بالحِقدِ والغدرِ.*
إسطنبول
* المزاج..
الحزن مأكلي ومشربي وملابسي
وقادمة روحي
ودفتر قلبي
ومسكن قصيدتي
وشواطئ دمعي
وأنتِ نبع حزني الأبديَّ
وشلالات الموت المتدفقة
على مرِّ أيامي
لماذا أنا لم أستطع
أن أكره الورد؟!
لماذا تجذبني النّجوم
وأنا قميء القامة؟!
نصحتني الدُّروب المعبدة بالحكمة
أن لا أمنح قلبي للسراب
وأن لا أتسلق على خيوط العناكبِ
لكنَّ نبضي الطَّائش أغوا جنوني!
صدقتُ أوهام قصيدتي
ووثقتُ بصفاء روحي
سلمتُ نفسي لآفاقٍ ألقت بي
إلى هاويات الجحيم
أنا لا اريد بلل من النّارلزآدى
لا أطمع ببسمةٍ من الحجر
فقط..
أحلم بالعودة للسكينة
لأنام في سريري ليلةٍ واحدة
وأغلق على نفسي الباب
بمزلاجٍ يستعصي على طيفكِ.*
إسطنبول
* قتل مع سبقِ الإصرار..
كنتُ أستنيرُ بجرحكِ لي
كلَّما نبتَ الكلام على صفحات روحي
أتذكرُ خذلان نبضي
حينَ حبى على عشبِ نضارتكِ
بكت النسمة لمَّا تعثَّرت باختناقي
وتأثَّر المساء إذ أسعف دمعتي بالتَّستُّرِ
وقتها أجلسني الرَّصيف على ركبتيه
ومدَّت لي الشَّجرة بأورقاها لأجفف خيبتي
أنتِ لم تأبهي لنزيفِ كبريائي
تغاضيتِ عن انهيار بسمتي
انشغلتِ عن سقوط عليائي
مضيتِ وَكأنَّكِ لم تذبحي وجودي
كانَ الرَّماد يفيضُ من قلبي
وجرحي يتَّسعُ للكونِ بأكملهِ
غامت الدنيا على دروبي
تحطَّمَت صواري قلاعي
البكاء يبكيني
والنوافذ تتأسفُ على حالتي
والعابرونَ يدهسونَ على ركامي
وأنا فقدتُ جسدي
أمشي فوقَ خرابي
أبحث عن جهةٍ لا تفضي إليكِ
وعن أرضٍ لا تعتمرُ بسحركِ
وعن شجرٍ لا يثمر عطركِ.*
إسطنبول
*الأحمق..
حين تأتيكِ قصيدتي
ترفقي بها
هدِّأي من روعها
ودعيها تلتقط أنفاسها
هي مضطربة الأحرف
غير واثقة من نفسها
تشعر بأنها ذليلة القامة
ركيكة الوجدان
فأنا من أرغمها على المجيء
إليكِ
وقد حاولت التَّهرب
لكنها في النهاية
لا تجرؤ أن تعصي لي أمراً
ترفقي بدقات قلبها
علَّها تكتسب بعض الجسارة
وهي في كلِّ الأحوال
بريئة مما تحمله لكِ من حُبِّي
أنا الذي حمَّلتها كلَّ هذا الشَّوق
وضمَّخت حروفها بقبلاتي
وأسكنت بعينها شغفي
أمرتها
أن تقبل يديك
وخديكِ.. وشفتيكِ
ومسامات عطركِ
وستائر ضوئكِ
وتنهدات سريرك
ومقبض صمتك
وبلاط غرفتكِ
هي مجبرة على قول
ما زودتها به
إن خانتني قتلتها
ووجهت إليها تهمة الخيانة
قصيدتي بريئة من جنوني
ومن ضجيج شغفي
وشبق أنفاسي
هي خجلى منكِ
لكنَّها لا تعصاني
فاقتليني
ولا تمزِّقنها
واشنقيني
ولا تتسبَّبي لها بالحرج
أنا العاشق
التَّائه.. الضَّائع
النتهوِّر.. المندفع
المهوس.. الصَّفيق
ابن الحرام
الذي لن يتراجع عن حبِْكِ
مهما كان المصير.*
إسطنبول
* قَسَم..
قسماً بالله
لو أتبحت لي الفرصة
في الزمان والمكان
لأخطف منك قبلة
ومن بعدها
أنا جاهز للإعدام
سيحسدني السَّياف
ويغبطني الموت
والقاضي سيعجب بجرأتي
ويتباهى بي الجنون
فالقبلة منكِ تساوي ألف روح
ومليون عنق
ومليار قلب
وقصائد بعدد النّجوم
إن حانت لي الفرصة
سأفعلها
سأفعلها
سأفعلها.*
إسطنبول
* سحابة عشق..
الأقاصي تنظر إليكِ بقوّةٍ
مشدودة الإنتباه
تحدق بسحركِ بحرقة
تحلم بالإقتراب من فتنتكِ
أنفاسها مضطربة
دروبها صاغرة
أياديها تلوِّح لكِ بلهفةٍ
تعشقكِ الأبعاد
تتمناكِ المسافات
ويتهافت نحوكِ الولع
السّماء توشك أن ترتمي
بأحضانكِ
الجبال مشرئبة الأعناق
مهووسة ببهائِكِ
تحسد العصافير المتقافزة
حول عطركِ
ستأتي إلينا المجرات
لو قرأت قصائدي عنكِ
أنا ألاحظ إقتراب القمر
وزحف الشّمس
وتسلل النّدى
ودنو الآفاق
الكون يغبط الأرض
لأنكِ اتخذتها مقراً لنوركِ
العشب ينمو بفرح طاغ
والورود تتفتح أينما شمَّت
عبق ظلالكِ
أنتِ مهجة النّار
ضحكة الجنة
سحابة بهاء
اقتحمت قلبي.*
مصطفى الحاج حسين.
إسطنبول
الفهرس:
=======================
01 - صواري الخرابِ
02 - أنثى الحطام
03 - المنسية
04 - مخالب الظلام
05 - تقهقر الندى
06 - القوت
07 - ثالثة الحروب
08 - الثّمن
09 - الأشاوس
10 - حداد النّدى
11 - بيان رقم واحد
12 - سراب الظلام
13 - فحولة
14 - رؤية المشرد
15 - سأموت للأبد
16 - أنين لاجئ
17 - قوارب الموت
18 - أبواب الجنة
19 - أواصر الغرباء
20 - أقبية
21 - مذلة
22 - ترقب
23 - زنبقة التّرقيم
24 - لا تنتظرها
25 - أشرعة الظلام
26 - المزلاج
27 - قتل مع سابق الإصرار
28 - الأحمق
29 - قسم
30 - سحابة عشق
--------------------------------------------
مصطفى الحاج حسين.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى