إبراهيم محمود - وطن سكوب بالألوان...

أنا من وطن
ما أن أذكّره باسمه يتجاهلني
ما أن أذكّره باسمي ينهرني
ما أن أذكّره بحدوده يغمض عينيه
ما أن أذكّره بنشيده يسدّ أذنيه
ما أن أذكّره بسمائه يطرق ملياً
ما أذكّره ببحره يتصبب عرقاً
ما أن أذكّره بتاريخه يقطّب جبينه
ما أن أذكّره بشجره يلطم وجهه
ما أن أذكّره بهويته يطلق ساقيه للريح

***

وأنا من وطن
ثمة قرمة تبكي غابتها التي اُجتثت جذورها
ثمة صخرة مصدَّعة ترثي جبلها الذي صار أثراً بعد عين
ثمة هاوية تنوح على بحرها الذي أهدِر ماؤه
ثمة أفق الذي جرّد جغرافية كانت تعتمر به
ثمة كتاب هُجّر من عيون كان يكتحل بها سابقاً
ثمة طريق ملفوظ من جهات لم تعد تحتضنه
ثمة قصيدة ألقيَ بها في عراء الصمت المالح

***

وأنا من وطن
يعصر العشاق قلوبهم صبابةً
على عتبات بيوت حبيباتهم
وتعبس الحيطان في وجوههم نفوراً
فيحاكَمون على دم تحتفي به السماء عينها
وتُعلَن الإقامة الجبْرية على فتيات لازلن سويّات الصدور
ويُحوّل شعرهن
إلى مسد حول رقابهن إلى أجل غير مسمى
ليجمد الدم في عروق القمر
وتشهق الأشجار واقفة

***

وأنا من وطن
مطلوبٌ من الأشجار أن تنضج قبل الأوان
أن تجري الأنهار في طريقها دون التفاتة
أن تلتزم لياليه الصمت المحْكم
أن تطير العصافير دون أن تفرد أجنحتها
أن تمشي الأغنام وراء راعيها دون اعتراض
أن يكبر الأطفال دون أن يقفزوا في الهواء
ألا يطير الحمام فوق البنايات المسنودة بكاميرات المراقبة

***

أنا من وطن
لا يُسمَح للينابيع فيه أن تحلم بالسماء
لا يُسمَح للطرق فيه أن تعترض على أي حاجز منصوب فيها
لا يُسمح للضفاف فيه أن تستقبل العالقين في مياهها العكرة
لا يُسمَح للأغاني المبهجة فيه أن ترافق إشراقة الصباح
لا يُسمَح للرجال فيه أن يتأبطوا نساءهم حرصاً على فضيلة الحياء
لا يُسمَح للورود أن تبث عبيرها لأي كان

***

وأنا من وطن مددتُ إليه يدي فكان قبض الريح
وأنا من وطن نظرت إليه وداً فكان السراب الثقيل الوطء
وأنا من وطن أصغيتُ إليه انتماء فكان الصمت المريب
وأنا من وطن فتحت له صدري فكانت رياح السموم
وأنا من وطن أحنيت له قامتي فكان الليل حولي يحوم
وأنا من وطن ناديته مراراً فكانت الصحراء موغلة في اللاتناهي
وأنا من وطن قلت ألبسته سلامي فأطبق عليّ قبْرٌ غير مسبوق

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى