إبراهيم محمود - غرفتي التي تنادمها النجوم...

غرفتي ضيقة جداً
ولكم تضيق من نفسها من ضيقها علي
أعلِمها كثيراً أنني على ما يرام
طالما أن النجوم تنادم سطحها
طالما أن هواء معقولاً يزنّرها من جهاتها المفتوحة
غرفة، هي غرفتي نفسها ، على السطح
سطح يقاس بخطى معدودات
لكنه يوفّر لي مكعبات كافية من السكينة
وأنا في غرفتي التي ألفَتْ وفْرة َ صمتي
تعودتُ أن أكون جسداً اسفنجياً
السقف واطئ جداً
لكنه يثير شهيتي الموزونة لأن أتثاءب براحتي
نَفَسي منتظم
الحيطان كتيمة وسميكة
يستغرقها الصمت في الداخل
إنما داخلي عالم يتأهل للتحليق دون توقف
أشعر أنني طليق جسدي
ثمة وقت يمنحني زمناً كافياً لأطلق العنان لروحي كي تتثاءب هي الأخرى براحتها
ثمة زمن يشعل سيراج دمي كي أستضيء به متى شئت
ثمة النظرات التي تسبح في تيارات الغرفة اللامرئية إلى البعيد البعيد
لأتابع أفكاري وهي تبني أعشاشها في سماوات حميمة
لا يبلغها طيش يتربص حتى بحركة الحصا
كي أنيم معي غرفتي نفسها عندما تنعس كلية جسمي
وينخفض نبضي بحيث تهمد حركة يدي كغفوة طفل جانبيّ
وقلبي يبتسم في مهد جسدي الحالم
بينما مساماتي تبقى حارستي منفتحة على خارج مديد
في سقف الغرفة التي تطاله يدي مصباح بالغ الصغر
يفي عيني حق رؤية نفسي
والكتاب الذي يخرجني من زمني الخارجي
ليس من توقيت ساعاتي جار ٍ تداوله في محيط غرفتي المعلوم
مجرد دخولها يكون الليل بطريقته الخاصة هنا قد حل
أعلَم بتناوب الليل والنهار بصوتين
ليلاً حين تقر أذني بسماع عواء كلب بإيقاعات تستغرق كامل الليل
صباحاً باكراً حين تستيقظ أذني بسماع نهيق حمار يلازم الجوار
إلهي، إلهي، ماالذي جعل أنكر الأصوات صوتً الحمير في حسابك الكوني؟
يبدو لي أن الكلب والحمار داخلان في عقد مفتوح بهذا الشأن
في الخارج: ما أفظع ضيق الخارج مكاناً
هوذا شعوري الذي علّمني الكثير مما لا أعلم
السماء تكتم أنفاس الأرض
الطيور عاجزة عن الطيران الحر
الأشجار متبرمة من صفاقة الهواء
ثمة الغبار يعربد حتى داخل مقاهي المدينة ومطاعمها
هكذا يتناهي إلي
أي خيال مضياف يهبني عالماً غير مسبوق
ليس لي من صلة تُذكَر بما ألفه متكلمو لساني من ترّهات حساباتهم المزمنة
ثمة وجه من برق وعشب ونفخة ناي وحلْم نبع يزورني ليلاً بشكل منتظم
هوذا المعرّي الذي تهبني حكمة عينيه المشعتين ما يغنيني عن كل شيء
يقرأ لي بروحه " رسالة الغفران "
وأُسمِعه من جهتي " رسالة الهجران "
بيديه الشجريتين تتشرب حواسي إكسير عمري القادم
مخدتي محشوة بمشاعر وأحاسيس تمنح رأسي يقين النوم في وقته
شهواتي تحيط بي
عند رأسي، بجواري، أسفل رجليّ
أحياناً تعلق في السقف
أحياناً أسمع لها همهمات
تستوعب مطالبي الروحية كثيراً
تمنحني ما يبقيني جسداً تهدهده نار هادئة
لا أشتهي من شهواتي إلا ما ما يقيني من غواية كل شهوة
لكَم استوى لدي " نوح باك ٍ وترنم شاد ٍ "*
أحسنت يا المعري في " غير مجديك " في " ملتك " و" اعتقادك "
كم حلَّق بك محبساك في سموات عُلى
وامتلأت روحك بكائنات كواكب، مجرات أخرى
يا لفضيلة غرفتي هذه وهي تنعّم علي بمكرمات تغنيني عن وجود كامل
كيف يكون لي كل هذا الانتثار في معايشة عبير دون ورود، تغاريد دون بلابل، حفيف دون نسيم؟
أهكذا تتنقل بي خيالات في اعتزالي لجسدي الخارجي
وأمضي في نهري المقاس على رغبة أن أكون كائن غد مبرّأ من كل حاضر لا عشب ينبت في هامته
لا نبع يُلبس قدمه جورباً من ندى
لا شيء من شيء يستحق أن يكون في خانة شيء
لكل ما تقدم
ألازم غرفتي التي تنادمها النجوم
وسجلّي الحياتي في السماء

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى