شهادات خاصة عبدالرحيم التدلاوي - شهادة في حق الأستاذ والموجه والصديق والأخ سيدي محمد فري: مطرٌ يُحيي، وخيمةٌ تُؤوي، ومنارةٌ تُهدي

الحديث عن سيدي محمد فري هو حديث عن مطرٍ الذي يُحيي لا يكتفي بالإنزال، بل ينفذ إلى الأعماق فيروي العطشى، يُنبت الزروع، ويُعيد للحرف بهاءه ونضارته. والحديث عنه هو حديث عن خيمة المبدع العربي واقصد منتدى مطر التي آوت بصدورٍ رحبةٍ لا تعرف الضيق، فكانت ظلًّا وارفًا حمى الأقلام البارزة والمواهب الجادة الواعدة، التي ستثبت - بلا ريب - جدارتها في مستقبل الأدب. لقد كانت "مطر" في رعايتها أكثر من مجرد منصة؛ كانت رحمًا للكتابة الجادة؛ وفعلًا إبداعيًا خفاقًا لا يهادن ولا يتساهل مع شروط الأصالة والعمق؛ ففي حضرتها، لا مكان للسطوح ولا للزيف.

وفي صميم نسيج هذه الخيمة الرحبة، يطلُّ علينا المبدع الخلوق، والإنسان النبيل، والموجه التربوي ثاقب النظر، سيدي محمد فري نفسه. لم يكن الرجل مجرد مشاركٍ عابر، بل كان منارةً سامقةً تُهدي الأقلام الحائرة إلى شطِّ الكتابة الجادة، المخلصة لقيم الفن السامية ولحقائق الحياة العميقة. كان بوصلةً تُشير دائمًا نحو الشمال الحقيقي للأدب، يضيء الدرب بنبل الروح وصدق القول.

فقد وهب الرجل وقته الثمين وراحته، وقفًا على تحقيق أسمى غايات "خيمة الإبداع"، ساعيًا بلا كللٍ ولا ملل. كانت توجيهاته نبيهةً دقيقةً، كالنقش على الصخر في وضوحها، تصل إلى لبّ الإشكال دون التواء، لكنها كانت دائمًا بعيدةً عن التجريح، نابذةً لكل نقدٍ هدامٍ يُثبط العزائم. استفاد من حكمته السديدة وحنكته عددٌ كبيرٌ من المبدعين في القصة والشعر والنقد، وكانت عدته التربوية الفذة وخبرته الواسعة حجر الزاوية في صقل مواهبهم.

محمد فري رجلٌ سامقٌ في أدبه وسلوكه إن حضر لقاءً ظلَّ متابعًا له بكل جوارحه وعقله حتى النهاية، ينصت بإمعان، ويشارك بوعي. لا ينصرف بمجرد إلقاء مساهمته، وحتى غير مشاركٍ بالكلمة، لا يغادر إلا لضرورةٍ قاهرة. يظلُّ حاضر القلب، متنبهًا لمجريات اللقاءات، ثم يقدم في أوانه وجهات نظره الثاقبة وتقييماته البناءة، كَلآلئ تُنتقى من بحر خبرته، تتسم بسداد الرأي ورصانة الحكم وعلوِّ الذوق.

عرفته - كما عرفه الحاضرون - كبيرًا في أخلاقه، راسخًا في علمه، واسعَ الأفق في أدبه. وازدادت معرفتي به عمقًا وإكبارًا من خلال لقاءاتٍ كثيرةٍ جمعتني به، فما انفكَّ يوجهني بنصحه الرشيد، ويرشدني بتجربته الثرة، ولم يبخل عليَّ قطُّ بعلمٍ أو تشجيعٍ. وكلما طرقتُ بابه - حقيقيًا أو معنويًا - انفتح لي على مصراعيه، مرحبًا بشوشًا، تُضيء عيناه بالحفاوة. صاحب نكتةٍ لطيفةٍ وظرفٍ عذبٍ لا يخدش الحياء، يرحب بالكل: الصغير والكبير، المبتدئ والمتمرس، لأن قلبه - حقًا - فسيحٌ كخيمته، يسع الجميع بلا استثناء.

فهنيئًا للأدب العربي بهذا الركن الركين، وهنيئًا لأبناء "مطر" بهذا الأب الروحي الذي جعل من الإبداع رسالةً، ومن التوجيه عطاءً، ومن الخيمة وطنًا.
بقلم مَنْ عرفه وعاش في رحاب إنسانيته.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى