رافد عزيز القريشي - تشرينُ الذي يشبهني،...

كان فيَّ ما يشبهُ الفجرَ حينَ يكتشفُ أنَّ النورَ لا يعني النجاة،
وما يشبهُ الحلمَ حينَ يُصفَعُ بجدارٍ من يقظةٍ لا ترحم.
لم أخرجْ لأقول،
بل لأرى الصوتَ وهو يخلعُ جلدَهُ الصوتيَّ بحثًا عن المعنى.
في الهواءِ كانت فكرةُ الوطنِ تتدلّى كجُذعٍ من نورٍ مبتور،
تتدرّبُ على التوازنِ فوقَ هاويةٍ من لاشيء.
مروانُ
كان يُغنّي بالنيابةِ عنّي،
كذلك:
الرمادُ، الجداريةُ، الدخانُ والسماءُ التي ارتدَّ عنها الصدى كخوفٍ من الاعتراف.
وحينَ تمنّيتُ الحياةَ،
جاءتني بزيِّ القاتل.
قالت لي: كُنْ نَفَسًا بلا رئةٍ، كُنْ أثرًا بلا سبب.
تعلّمتُ أنَّ الموتَ لا يسكنُ المقابرَ،
بل يسكنُ الفكرةَ حينَ تُخنق،
والأملَ حينَ يُحاصرُ بنظراتٍ لا تؤمنُ به.
أنا وتشرينُ الذي لم يُطفئه المطر.
لكنَّ الرمادَ الذي يبتلعُ اللهبَ كما يبتلعُ الصمتُ الصراخَ
حاولَ أنْ يمحو وجهينا.
في كلِّ شارعٍ يسكنُ ظلٌّ،
ينزفُ ببطءٍ ليكتبَ على الحائط:
أنَّ الحياةَ — حينَ تُقمع —
تولدُ من جديدٍ على هيئةِ استفهامٍ يرفضُ أن يُفهم.
وحينَ ظنّوا أنَّ تشرينَ قد انتهى،
كان يكتبُ على جثّته:
أنا لم أُقتل،
بل تسرّبتُ في الأرواحِ كفكرةٍ لا تُعتقل،
وصرتُ في كلِّ صمتٍ يُخاف،
وفي كلِّ سؤالٍ يخشى،
وفي كلِّ جسدٍ يتعلّمُ كيف يكونُ وطنًا
حينَ يُمنعُ من الحلم.

رافد عزيز القريشي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى