أحمد رجب شلتوت - عن روحها التى تسربت

مرايا الابداع
السبت 09/ديسمبر/2017 - 09:16 م
ترنو بقلق للمسجاة على فراشها بلا نفس.. تفزع لشحوبها المتزايد.
تغالب أمك أساها، تقول إن بياضًا ملائكيًا يكسو وجه الجدة.
تهرع لعينى الطبيب، لا تطمئن، يمارس عمله باعتياد بارد لكن ملامحه تنبئ عن إدراكه لقرب الرحيل.
ترنو للأنبوب الموصول بذراعها، تطمئن نفسك باستمرار سريان السائل.
جسدها النحيل يتلقى المحاليل بنهم دالٍ على رغبته فى الحياة.
إذن ستشفى.
سوف تنهض.
ستعود صبية، وأعود أنا طفلًا ينام فى حجرها بعد أن يشبع من الحواديت.
أمك لا تحافظ على تماسكها.
تبكى منهارة.
تطالبك بأن تلقن الجدة الشهادة، ذلك كل ما نستطيع فعله لها.
تفعل وأنت موقن من أنها ستغالب وهنها وتغلب مرضها، وكعادتها ستقوم معافاة، تملأ الدار حياة.
ترقبها جالسة فوق الحصير فى باحة الدار، تهش الطيور إن لامست حصيرتها، ترقبها وهى تلتقط الحب مقرقرة.
تبدو القرقرة وكأنها ترديد للحن يشجى الجدة فتغنى.
تلومها أمك، تؤنبها: هل تختمين الصلاة بعدودة؟
يبدو وكأن الجدة لم تسمع، تشرد محدقة فى وجوه الراحلين التى لا تبدو لسواها.
تواصل ما تعتقده أنت غناء، يعجبك صوتها وأداءها المنغم وهى تؤدى ملحمتها الراثية لكل الذين ذهبوا.

شفتاها تتمتمان بوهن.
لعلها تغنى منادية من ترثيهم.
تحاول تذكر كلماتها، تبعد عنها ولما تعود ترى الطبيب وهو ينزع الكانيولا، الممرضة تبتعد بالحامل وقارورة المحاليل.
تدرك أن روحها تسربت خلسة، ترى أمك تسبل عينى أمها، تخرج من جيبها منديلًا أعدته لهذه اللحظة.
تفرده أسفل الذقن، تعقده عند مفرق الشعر.
تقول إن لم تفعل ذلك فقد ينفتح الفم ويظل فاغرًا إلى يوم القيامة.
تطمئن أمك إلى إحكام الرباط قبل أن تصرخ معلنة موت الجدة.
تشارك أمك احتضان الجدة وتبكى.


احمد رجب شلتوت

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى