مبارك وساط (شاعر غبار الأرض ووهجِ الأفق)

الفتاة التي أحببتُ وأنا في السّادسة عشرة في البداية، لم تُبادلني عواطفي حزنتُ ثمّ نسيتُها لم أعدْ أترصَّـدُها كلّ أحد أمام بيت أبيها حيثُ تصنع الكعك تَدْرُس حياة الجراد وتُنْصت إلى أغاني الحاجَّة الحَمْداويَّة يحلُّ الأحد، فأمضي إلى البار ثمّ إلى ملعب كرة القدم لتشجيع الفريق الذي أناصره إنّه...
أعرف اليأس في خطوطه العريضة. لا أجنحةَ لليأس، وهو لا يجلس ضرورةً في المساءات إلى مائدة رُفِعتْ عنها الأطباق، بِرصيفِ مقهىً مُطِلّ على البحر. إنّه اليأس وليس عودةَ كمٍّ من الأحداث الصّغيرة مثلما بُزور تُغادر مع حلول الليل ثلماً صوبَ آخر. إنّه ليس طُحلباً على حجر ولا كأساً ينبغي شُربها. إنّه سفينة...
تكاثفتِ الظّلمة تركنا أسماكا يقِظَة تحرس بُيُوتَنا وخَرجْنا في المساء حين كنَّـا في القوارب تَنـزّهت الجميلات العازفات بين هاتيك البيوت ولمَّا عُدنا وجاء الليل لبسنا بيجامات الموج استعدادا للاسترخاء بسلام في الأعماق المائية لأسرّتنا لكنّ رائحة الكمنجات انتشرتْ وتصلّبت ورَسَتْ فوق رؤوسنا والنّومُ...
1- الموتُ الوَرديّ ستُرْشِد الأخطبوطات المجنّحة لِمرّة أخيرة القاربَ الذي صُنِعتْ أشرعتُه من هذا النّهار الأوحد ساعةً ساعةَ إنّها السّهرة الوحيدة التي ستشعر إثْرها بأنّ الشّمس تصعد في شَعرك بيضاءَ وسوداء من الزّنازين سيَرشَح...
ذهبتُ إلى المستشفى لرؤية عامر، صديقي الطّبيب. وهُنالك عرضوا عليّ ميّتا وجهُه كوكبٌ صغير. قالوا إنّها جُثّة خالي. كيف لي أنْ أعرف أنّهُم لا يكذبون؟ سأعودُ إلى زوجته! إنّها عالمة معروفة. لقد اكتشفتْ طريقة لجعل الأشجار تشهق تحت المطر! سألتُها إن سبق لوجه زوجها أن كان في هيئة كوكب صغير. لكنّها لم...
ماذا قالتْ؟ ما قالت شَيْ ماذا فعلتْ؟ ما فعلتْ شَيْ فيمَ فكَّرتْ؟ ما فكّرتْ في شَيْ لِمَ ما قالت شَيْ؟ لِمَ ما فعلتْ شَيْ؟ لِمَ ما فكَّرَتْ في شيْ؟ - ما تُوجَد -------------- - ما قالتْ شيْ"، عوض: "ما قالتْ شيئاً"، للحفاظ على شيء من الطّابع الشّفويّ الغرائبيّ للأصل الفرنسي، والوقف على حرف...
حين تندلع حمى الأخيلة في ثقوب الليل، أنصِتْ للهسيس المنبعث من أعشاب عقلك الذي ينتظر إشارة المرور إلى ضفة مأهولة بالدوار. تسمع هينمةً في هذا الرّواق؟ إنّه المجنون يقلد عظاءة روحه. لسانُهُ فلاة يرقص فيها الحجر. شرايينه تجْأَرُ بالشتائم والهديل. يفكّر أنه نبتة قرّاص، أنّه غيمة... حين تعبر فراشات...
طريقكِ إليّ مُمَوَّهةٌ بآثار مَرَح الفهود، ولكنّك تتقدّمين. والمسافة التي بيننا، بلمسةٍ من أكفّ النسيم، تصير نهرا ميّتا. أما الغرقى فيـه فـأحْيـَــاء. وإنْ أحَدُهُمْ أنْشِـبَـتْ في عنقه الأظافر التي من فيروز، فسرعان ما يُلفَظُ إلى أقرب ضفّة. والكراكيّ هي التي ستمضي به ليُدْفَنَ في أجمل نجمة...
في شارع السِّنْجاب، رجلٌ سُرِقتْ درّاجتُه، يَركضُ وراء اللصّة التي تُدوّس وتُدوّس فتمرّ بمحاذاة عمّال البلديّة الذين يكنسون الرّصيف ويَكشطون عنه صفيرا وشَيْبًا كثيرا. لسوء الحظ، فذلك الرّجل هو أنا. أقول لنفسي إنّ الفتاة لا شكّ لطيفة وفقيرة. لو أنّها طلبتْ منّي الدّرّاجة لرُبّما كُنْتُ أعطيتُها...
«ليت لي قلباً بِقلبي...» حقّاً يا أبا نواس ! قلباً أوّل يُمْكنه أنْ يُحلّق أخاً للطّيور، و أن يتألّم، يُهصر ويتبدّد وآخر يسهرُ عليّ يُفرّق عني جيوش الأرق ولا يتْرُكُني أَمنح ابتساماتي المسكوكة من بُقَع الضّوء ولا خُطُواتي لهذي الهاوية التي تتبرّج أمام قدميّ لا يتْرُكني أنْثُرُ لحظاتِ تمرّدي على...
كان يَمْضي عَبْر شارع العظام تحت مطرٍٍ من ابْتسامات الأشباح يُخفي جيّدًاً صرختَه السّرّية لا يحبّ الحياة كثيراً لكنّه لا يكرهها لقد وُلِد ذات يوم اشتدّ فيه الحرُّ على المجانين وهو يعيش الآن مثل الكثيرين قرب بركة عجوز يُنْصِتُ إليها في الليل وهي تحكي القصص لجراداتٍ من حَوْلِها له ذاكرة حيّة: رأى...
كانت أمطارٌ، بداخل رأسه، تتهاطل. ثم أطلّت الشمس من هودجها العليّ، فهرول نحو بيته، محاذرا أن تنزلق قدمه إلى واحدة من تلك الحفر، حيث يوجد دائما من يُقْعي عارياً ويرفو كوابيس المياه. في طريقه، كانت بضعة عصافير تصلب اللصّ الذي سرق قلائد شجرة الحور، وكان جمعٌ من المقعدين، ممسكين بالفراشي وأوعية...
طويلا عشت كما لو كنت نهرا يفكر في الانتحار غرقاً كنت أقرع أجراس الفوضى في الطرقات وأجلس إلى موائد الدّوار في مقاه تؤمها البروق... ثم وجدتني, ذات فجر بدا مبرشقا بأنينه أرعى سرب كوابيس ورساء في سهوب السهاد وكنت من بين الفرسان الذين نادموا ظلالهم على قليل من الوسواس... وإذ كانت سحب مشاكسة تكسو رأسي...
كان صباحٌ يجوب الشوارع متمليًّا غرفا ترقص في الضباب وكنت عائما أيضًا على همهمة الحصى حوالي نيازك فقدتْ رشدها على إثر صدمة ما والعشب الميّتُ يوجه سأمه عاليا إلى فمي والحكاية التي تدبُّ على جبيني لم تكن لترتاح في ظلّ رياح هبّت لتخلع عن الأشجار شفاهها لكنّ الصباح الصغير كان يمشي رازحا تحت صراخ...
في أحد أيّام أكتوبر 1992، غيّرتُ سُكناي بأكادير، فانتقلتُ من بيت فسيح قليلاً، إلى آخرَ ضيّق، فيه غرفة واحدة، ومطبخ شديد الصِّغر، وحمّام أصغر من المطبخ... نقلتُ إلى مسكني ذاك سريراً ومتاعاً قليلاً، ومكتبة تضمّ عدداً لا بأس به من الكتب... تمّ الانتقال في غبش المساء، الذي كان مقروناً بضباب على جانب...

هذا الملف

نصوص
133
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى