مبارك وساط (شاعر غبار الأرض ووهجِ الأفق)

في شارع السِّنْجاب، رجلٌ سُرِقتْ درّاجتُه، يَركضُ وراء اللصّة التي تُدوّس وتُدوّس فتمرّ بمحاذاة عمّال البلديّة الذين يكنسون الرّصيف ويَكشطون عنه صفيرا وشَيْبًا كثيرا. لسوء الحظ، فذلك الرّجل هو أنا. أقول لنفسي إنّ الفتاة لا شكّ لطيفة وفقيرة. لو أنّها طلبتْ منّي الدّرّاجة لرُبّما كُنْتُ أعطيتُها...
«ليت لي قلباً بِقلبي...» حقّاً يا أبا نواس ! قلباً أوّل يُمْكنه أنْ يُحلّق أخاً للطّيور، و أن يتألّم، يُهصر ويتبدّد وآخر يسهرُ عليّ يُفرّق عني جيوش الأرق ولا يتْرُكُني أَمنح ابتساماتي المسكوكة من بُقَع الضّوء ولا خُطُواتي لهذي الهاوية التي تتبرّج أمام قدميّ لا يتْرُكني أنْثُرُ لحظاتِ تمرّدي على...
كان يَمْضي عَبْر شارع العظام تحت مطرٍٍ من ابْتسامات الأشباح يُخفي جيّدًاً صرختَه السّرّية لا يحبّ الحياة كثيراً لكنّه لا يكرهها لقد وُلِد ذات يوم اشتدّ فيه الحرُّ على المجانين وهو يعيش الآن مثل الكثيرين قرب بركة عجوز يُنْصِتُ إليها في الليل وهي تحكي القصص لجراداتٍ من حَوْلِها له ذاكرة حيّة: رأى...
كانت أمطارٌ، بداخل رأسه، تتهاطل. ثم أطلّت الشمس من هودجها العليّ، فهرول نحو بيته، محاذرا أن تنزلق قدمه إلى واحدة من تلك الحفر، حيث يوجد دائما من يُقْعي عارياً ويرفو كوابيس المياه. في طريقه، كانت بضعة عصافير تصلب اللصّ الذي سرق قلائد شجرة الحور، وكان جمعٌ من المقعدين، ممسكين بالفراشي وأوعية...
طويلا عشت كما لو كنت نهرا يفكر في الانتحار غرقاً كنت أقرع أجراس الفوضى في الطرقات وأجلس إلى موائد الدّوار في مقاه تؤمها البروق... ثم وجدتني, ذات فجر بدا مبرشقا بأنينه أرعى سرب كوابيس ورساء في سهوب السهاد وكنت من بين الفرسان الذين نادموا ظلالهم على قليل من الوسواس... وإذ كانت سحب مشاكسة تكسو رأسي...
كان صباحٌ يجوب الشوارع متمليًّا غرفا ترقص في الضباب وكنت عائما أيضًا على همهمة الحصى حوالي نيازك فقدتْ رشدها على إثر صدمة ما والعشب الميّتُ يوجه سأمه عاليا إلى فمي والحكاية التي تدبُّ على جبيني لم تكن لترتاح في ظلّ رياح هبّت لتخلع عن الأشجار شفاهها لكنّ الصباح الصغير كان يمشي رازحا تحت صراخ...
في أحد أيّام أكتوبر 1992، غيّرتُ سُكناي بأكادير، فانتقلتُ من بيت فسيح قليلاً، إلى آخرَ ضيّق، فيه غرفة واحدة، ومطبخ شديد الصِّغر، وحمّام أصغر من المطبخ... نقلتُ إلى مسكني ذاك سريراً ومتاعاً قليلاً، ومكتبة تضمّ عدداً لا بأس به من الكتب... تمّ الانتقال في غبش المساء، الذي كان مقروناً بضباب على جانب...
ـ 1- للشِّتاء أسماؤُه.. للشّتاء أسماؤُه السّرّية في رُدْنَيْ معطفِه تتخفّى العنادل الهاربةُ من دُموع العدالة وله أيضا بيارقُه المرصَّعة بهَيْنَمات قوسِ قُزَحٍ يتيم حين تُطِلُّ شَمْسُه العابثة وسط سماءٍ تُقامر مع أسلافنا بعظام النّوارِس وفِضَّة الغُيوم ويُلقي ضوؤُها خطبتَه التي يَسيلُ منها...
كثيرا ما نقضي اللَّيل موزَّعين على السواحل نداهم الأعياد المسترخية في قواقعها وبأجسادنا نمسح عن الصخور سقمها نروي حكايا بمكبّرات الصوت كي تلتقطها آذان الغرقى ونقتاد الفجر الضرير عبر أروقة بيوتنا اللامرئية... ..وبلا قسوة تجتلب أصابعنا الذابلة من سهوب الأنين نغرز مسامير الوقت في جلد الذكرى فتشعّ...
أستيقظ باكرا جدا، هذا الصباح. وأنا بعد في السرير، أسترجع وقائع حلم. خلال فترة المراهقة وبدايات الشباب، كنت أكتب يوميات، أبدأها في أحيان عديدة بتدوين حلم. لم يكن ذلك بسبب اكتشافي للفرويدية، ولا بتأثير من السوريالية أوما شابه. وقد يعود إلى "عادة" قديمة. ففي زمن الصبا، كثيرا ما كنتُ أجدني مرغما،...
1- رَجُلٌ مََقْرُور ـ تُزْعِجُني قَصَّةُ شَعْرك يا نجمةُ إنّ لها رائحةَ نعجة مُبلَّلة لا أحبُّكَ يا قمرَ هذه الليلة فأنت لا تتفوّه إلا بكلماتٍ نابية ومن حسن الحظِّ أن الذين يحشِمُون بِشِدّة هُمْ إِمَّا صُمّ أو يَغُطّون في نَوْمِهِمْ أمّا أنتِ يا مُقَشَّرة الدِّهان يا ذاتَ الجدران المُصابة...
هنا تحتَ أهدابِكِ أيّتها الرّيح، وأنتِ تُفكّكين دواليب الظّهيرة، وتَنثُرينَ المفاتيح على صدْر الميِّت، حيث ينضُجُ الصَّمْت، ثم يَنْسَلُّ ثَخينا إلى خياشيمنا. تحت أهدابكِ، تَخلَّصنا من خُطانا الفائضةِ عمَّا تُحبِّذُه الطُّرُقات، ومن الصَّدَأ العالق بسِجلاَّتِ أنفاسنا. وَأَدْنا النّغمات التي...
كان ثمّة خفْقُ أجنحة يتناهى إليّ من حديقة تتمدّد فيها فتاة على مصطبة الفتاة كانت رفيقةً لي في قسم ما بالابتدائيّ وفي تلك الأيّام البعيدة كانت قد أُصِيبت بالنّحول بسبب أوراق ميّتة سقطت ذات خريف على ركبتيها ثُمّ التقيتُها بعد ذلك بزمن في محطّة قِطار وقد كانتْ تدخّن كثيرًا وقالت إنّها في طور...
اجتهد أدونيس،فكتب يوما يقول إن مهمة الشاعر الحديث أن يجعل القارئ يعلو لكي يصل إليه، لا أن ينزل هو إلى القارئ، منذ ذلك الوقت والاثنان معا يطيران في الهواء، لا القارئ يعلو ولا الشاعر ينزل»! قرأتُ، من قبل، مقالاتٍ للسّيّد ادريس الكنبوري، نُشرتْ في الصّفحة الثّقافيّة لصحيفة «المساء»، ولم يَدُر قطّ...
يَغمسون رأس المهرّج نعم، تمّ الأمر كما فكَّرْتِ فيه فقد ذهبتُ إلى المصبنة وجلبتُ ثيابنا وفي طريق العودة، رأيتهم يغمِسون رأس المهرّج في رغوة الضّحك التي كانوا قد ملؤوا منها جردلا كبيرا وها أنا هنا، أُهْدِيكِ – فيما أنتِ تهيّئين الغداء– البَارثينون وقوسَ آخيل ومُبرهَنةَ أقليدس وجبلَ البارناس...

هذا الملف

نصوص
125
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى