محمد الرياني

أحضروا أوراقَ بيضاءَ عليها طلاسمُ وربطوها في الأرجلِ الحمراء للطيورِ الرقيقة ، طار الحمامُ إلى جهاتٍ غيرِ مقصودة، دخلَ مغاراتٍ مهجورةً بحثًا عن مُستقبِلٍ للرسائل، الأماكنُ موحشةٌ تسكنُها الأشباحُ ويسيطرُ عليها الخوف، على مقربةٍ من المغاراتِ كهوفٌ متعرجةٌ بلا قيعانَ واضحة ، فحيحُ الأفاعي يجعلُ...
أنا الذي رميتُ الحجر في المياه الراكدة، كنتِ مغمضة العينين عندما وقع الحجر وتفرقت بعض المياه، لم تمر على أنفك رائحة المياه الكريهة التي هربتْ من القاع، تنفس الماء الصعداء فظننتكِ لم تفتحي عينيك، أدركتُ حين أدركتُ أنكِ مهملة ولا يعنيك الحب، وأن الماء الصافي بعد الكدر سيبتلع زفراتي، هناك حول الماء...
الحمارُ الذي وصفتُه بالغباءِ ظَهرَ أذكى مما أتوقع ، كنتُ فتىً شقيًّا تجاوزَ مزاحي الثقيلُ أبناءَ الحيِّ لأمزحَ مع حمارِنا الوحيد ، والوحيدُ الذي كان يُوثقُ فيه هو أنا من أجلِ امتطاءِ هذا الغبيِّ لأجلبَ عليه احتياجاتنا ، ذاتَ يومٍ وأنا صاحبُ مزاجٍ عندما أمتطي صهوتَه قلتُ لنفسي : اركبْ بطريقةٍ...
يفوحُ الصباحُ بريحِ قهوتها، تنسابُ روعتُها فتصحو نساءُ الحيِّ على شذى الرائحة، تمتدُّ الظلالُ وكأنها تفرحُ بهذا الجمال، تبادرُ الجاراتُ فيسألنْها عن سرِّ قهوتها، عن الخلطةِ العجيبة، وعن قشرِ البنِّ والزنجبيل، لاتكترث للسؤال، ترتفعُ على كرسيٍّ خشبيٍّ كي تنالَ الفناجينَ المعلقةَ في السلةَّ...
ماذا لو فرشتِ لنا الأرض من جنائنك؟ هل كنتِ ستخسرين شيئًا من عبيرك؟ هل سينفدُ أريجُ الأوراق؟ سنكون أروع اثنين افترشا الرمل وتوسدا الذرات الدقيقة. لن نبالي لو تذوقتْ خصلات شعرنا من المكان الذي تدوسه الأقدام قصدًا أو دون قصد. سنفرح كثيرًا كثيرًا، وسنجعل من صباحنا الأغر عنوانًا لحديثنا العفوي، لن...
نسوق الأحلام إلى خط النهاية، لم نكن نعلم حقيقة الأحلام، ضحكاتنا، مساءاتنا، ليالينا المقمرة، ركضنا في الصباح، مزاحنا لدرجة العراك والعتاب والهجران، أقول لها بعد الخصام :هذه آخر محطات المزاح، تهزأُ بي ثم تركلني فتسقط على الأرض، يُغشى عليَّ من كثرة الضحك على ريشة وقعت على الأرض ليحركها الهواء،...
وهما يتشبثان بالقِدرِ الأبيضِ كي لايقع وبيدها ضرعٌ وبيده ضرعٌ آخر، سألها! متى بدأنا نحلب سويًّا؟ ، كان يضع يده خلفَ ظهره من طول البقاء جالسًا، زمَّتْ شفتيْها، لا أتذكر؛ ربما منذ وُلدَ العجلُ الأبيض، انتصفَ الإناءُ وهما يضغطان على الضرعين والبقرةُ في سكون، ألهتْها فروعُ القصبِ الأخضرِ الذي تأكله...
... ومن دونهما عصفوران يشقشقان من روعةِ المكان وشدةِ الفرح، لونهما مثل لون جسديهما الغضين، قال لها :لاتعجبي من فرحة طائرين بجناحين؛ ربما من فرحهما سيطيران بالحُبِّ ويتركان لنا النظرات، قالت ياليت لنا جناحين فنهرب مثلهما من الأرض حتى نستلذ بالحب في الجو، قال لها دعينا على الأرض فأنا أخشى أن أهوي...
متزوجانِ ، أُقيمَ فرَحُهما في فناءٍ مفتوح ، القمرُ هو الذي تكفَّلَ بالإضاءةِ في جانبيْ الرجالِ والنساء في ليلةِ العُمر ، الفتياتُ يرقصنَ طربًا في وجهِ العروسِ التي أجلسوها على سريرٍ مرتفع ، بينما هو في منتصفِ الحضورِ بثوبِه الأبيضِ وبشتِه الذهبي وقد أحاطوا رقبتَه بعقدِ فلٍّ جَمعوه من بيتِ...
هكذا وجدَ نفسَه حبيسَ الكرسيِّ المتحركِ في الدولةِ الاسكندافيةِ شديدةِ البرودةِ ، أمُّه عندما كان صغيرًا تنظرُ في عينيْه وكفُّها على شعرِه الأصفرِ الكثيفِ تقول له كأنَّ فيكَ عرقًا خارجيًّا، لم يلتفتْ كثيرًا لكلامها ولم يحسبْ له حسابًا ، ملامحُه وشعرُه الأشقرُ المذهبُ وعيناه الزرقاوين الحادتين...
يصيحُ بألمٍ ، صداع...صداع، يضعُ كفَّ يدِه اليمنى بشدةٍ على مقدمةِ رأسِه ثم ينقلُها على مؤخرةِ رأسِه ، يستمرُّ الألمُ وهو يتوجعُ ويتمتمُ بصوتٍ منخفضٍ صداع... صداع، تقفُ أختُه الكبرى الحكيمةُ بأوجاعِ الرأسِ وهي تنظرُ إلى ضوءِ الشمسِ يلمعُ في جانبِ العتبةِ على سطحٍ زجاجي، تسألُه كأنكَ تعرضتَ...
لا يعرفُ إن كان مخطئًا في عدمِ الردِّ عليها، أم أنَّه ألقى غرامَها كمن ألقى قارورةً أنيقةً لتكونَ شظايا على سطحٍ خشن ، بالنسبةِ له فقد جرَّب الحُبَّ؛ كان عندهم قطةٌ بيضاءُ صغيرةٌ في غايةِ الجَمالِ والدلال ، تتركُ الجميعَ وتقتربُ منه لتتمسحَ بذيلِها في ظهره ، يقدِّمُ لها الحليبَ ويتفرغُ لمشاهدةِ...
الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، الوقت الذي استغرقه في النوم استهلكته بسبب النوم المبكر، كل شيء حولي نائم باستثناء مروحة السقف التي تعمل ببطء وكأن عليها بعض الجزاء أوالعقوبة، أجمل شيء تعمله هذه المروحة التعيسة أنها تحرك بعض أغطية الأسرة فتحركها وسط الصمت، تحول العمر إلى عمر طفولي يراقب...
كانت نافذةَ الغرفةِ مفتوحة، لا زلتُ أتذكرُ لونَها الأخضر، تركناها تحاكي الطبيعةَ الخضراءَ في ذلك الوقتِ الذي أنشأناها فيه، لم تكن العصافيرُ البريئةُ تفرِّقُ بينَ الأغصانِ الخضراءِ وسياجِ الحمايةِ للنافذة، تثيرني بفضولِها وتغريدها الحزين، النافذةُ وقتذاك جديدةٌ ويثيرُ طلاؤها الشجن، لم يعد لونُها...
ماذا سيحدثُ لو أغلقْنا الطريقَ وافترشْنا الأرضَ نسكبُ عليها آهاتنا؟ ردتْ بذهول: أنتَ مجنون؛ أتريد أن ينبتَ الحُبُّ على رفاتِ المتعبين، ألا ترى هذه التي تتأوه من فرطِ الألمِ وأنتَ تتحدثُ عن العشق، وهذا الذي يتوكأ ويده تنتفضُ من براثنِ الوجعِ وأنتَ تحبُّ فتداركتُ؛ قلتُ لها: أمزح.. أمزح كررتُها...

هذا الملف

نصوص
81
آخر تحديث
أعلى