محمد الرياني

تَبكي وتُخفي دموعَها على المخدَّة ، تَكتمُ صوتَها بين الغَرقِ والقُماشِ كي لاتبوحَ بسرِّها، يلفُّ الصمتُ المساحةَ حولَها، تنشج، تَئنُّ وتُناجي في السواد ، الأشياءُ التي حولها لاتصدرُ صدى؛ فكلُّها خِرقٌ باليةٌ أو ذاتُ لونٍ أسودَ وكأنَّها تتوشحُ الحزنِ مثلَها، تُغرِقُ عينُها جنبَها الأيمنَ فيبتلُّ...
باتتْ ترسمُ لوحتَها المزخرفة، تحبُّ الرسمَ والفرشاةَ والألوانَ أكثر ، رسمتْ فتاةً جميلةً جدًّا وجهُها كوجوهُ الغانيات، جعلتْ شعرَها ممدودًا حتى نهايةِ لوحتِها، فتحتْ عينيها بحرًا من الأحلامِ والدموعِ وكأنها تنظرُ إلى قواربِ النجاة، أرسلتْ من عينها التي تنظرُ بحزنٍ دموعًا تكادُ تحرقُ اللوحةَ...
الجبروتُ جعلَ الجارَ يغلقُ الشارعَ ليتوسعَ نحوَ جاره، لم تفلحْ محاولاتُ الصغيرِ في الإمساكِ بثوبِ الجارِ المستبد ، انسكبتْ دموعُه وهو يرى الطريقَ ينسدُّ أمامَ قدميْه الصغيرتين فلا يستطيعُ الذهابَ إلى أصدقاءِ الحي، ابنةُ الجارِ هي الوحيدةُ التي تعاطفتْ معه وظلَّتْ تصرخُ في وجهِ أبيها كي لايقتلعَ...
في الصباحِ أغلبُ أعينِ الصغارِ مشكوكةٌ من النومِ أو من الرَّمَد، يذهبون إلى الدكانِ الصغيرِ من أجلِ أربعِ حباتٍ من البسكويتِ المغلفة، بعضُ الصغارِ لايزالُ الرِّيقِ على خدِّه أو خديه، وصغيرٌ يسحبُ سروالَه إلى أعلى ليسترَ بعض عورتَه كلما سقطَ إلى أسفل، أحدُهم تُتعبُه مخاطتُه فيضطرَّ لشفطِها إلى...
تهربُ منه، تتعمَّدُ أن تختفيَ ثم تعود ، يشعرُ أنها تستفزُّه ليرتكبَ ضدَّها حماقةً ويشتمَها، تسلكُ شكلًا جديدًا من التحفيزِ على مطاردتِها حتى تظهرَ من جديد، تعلَّمَ أنَّ خيرَ وسيلةٍ لمواجهةِ الرفضِ أن يرفضَ ويحتجَّ ويعتزَّ بنفسه ، تعاتبُه بعد الظهورِ وتتهمُه بالقصورِ في السؤال، يواجهها!! وهل...
تحتَ قمرِ الصيفِ يتكونُ رملٌ أمامَ دارنا، قبلَ أن يتجلى البدرُ ويرتفعَ كعملاقٍ يملأُ الفضاءَ أجلسُ على الرملِ القادمِ من جهةِ الغربِ من أماكنَ غيرَ معلومة، ألمسُ ذراتِ الغبارِ التي حطَّتْ رحالَها عندنا، تسكنُ في رأسي أسئلة، أفكرُ في الأجسادِ التي اصطدمتْ بها قبلَ أن تختلطَ بترابِ أرضنا، أصعدُ...
أتأملُ زرقةَ السماءِ والطيورُ تحلقُ تحتها، تخيلتُ أجنحةَ الطيورِ البيضِ نجومًا كتلك النجومِ التي أسرتْني بالليل ، أرى الزرقةَ لاحدودَ لها، الطيورٌ سابحاتٌ في كل اتجاه ، زرقةٌ كالبحرِ المعلقِ لاينكفئ على الأرض، وأنا على الأرضِ أشمُّ رائحةَ الترابِ وأستروحه، ويزدادُ حبي للثرى ونحن نغرسُ شجرةَ...
خيَّمَ الليل، تباشيرُ فرحٍ تبدو قادمة، استبشرَ وهو يسمع صوتَ الماءِ يخرُّ على رأسها ليزيل تفاصيلَ النهار من على جسدها، ظلَّ ينتظرها حتى تخرج ليراها في صورتها بعد ماءٍ فاترٍ انسكبَ عليها، وقفتْ بعجبٍ أمام المرآة، بدَّلت ملابسها بعدما أزالت بعض قطرات الماء العالقة على جبينها ووجهها، فتحتْ أدراجَ...
ذهبوا في نزهة وتركوا الديك مع الدجاج ، بات يتسلق الأسوار الفارهة يقتات على أوراق الحدائق ورؤوس السنابل في المنازل ، نامت الدجاجات وفي بطونها بضع حبات من القمح القديم تناثر في التراب ، لم ينم الديك تلك الليلة ، بينما الليل يبدأ بطي صفحته السوداء كانت كل الدور التي زارها قد أطعمته ، امتلأ بطنه...
نَسْمُرُ على فانوس ملتهب، ننسى لهبَه الذي يطولُ ويطولُ فيتصاعد دخانُه من رأسه، شممتُ رائحةَ شعرِ رأسيْنا المحترق ، أسألُها وتسألُني عن الرائحةِ ، أضعُ يدي على رأسي، وتضعُ يدَها على رأسها فنصابَ بالذهولِ ونضحكَ ، نرشُّ الماءَ على الفانوسِ لنُطفئ شعلتَه ثم نُمسي على ضوءِ نجمةٍ بعيدة، تبردُ...
صَبيٌّ صغيرٌ وجذَّابٌ على الرغمِ من بشرتِه السمراء وشعرِه المجعَّدِ الكثيف، يعجبُه أن يتسلّى كثيرًا في دكانهِ الصغيرِ الذي حوَّله إلى ملتقىً لأقرانِه الصغارِ ، يعجبه أن يقرأَ مكوناتِ عُلبِ البازيلاء والفولِ والفاصوليا والتونةِ ومعها علبُ البسكويتِ والحلويات، يقفُ عنده الزبائنُ وهو سارحٌ بفكرِه...
يمسكُ الظلَّ قبل أن يهرب، يحضر مع الشمسِ حتى يضمن الظلَّ الكامل ، يقبضُ بيديه على طرفِ الظلِّ ويغمضُ عينيه وهو يستروحُ نسائمَ الصباح، يشعرُ بالحرارةِ قد امتدت إلى يديْه فينهضُ جريًا ليلحقَ بما بقي من الفيء، يقبضُ عليه بقوةٍ وتستمرُّ الشجرةُ ساكنةً دون أن تتساقط أوراقُها ، يواصلُ الإغفاءةَ في...
سامحيني، يقولُ لها سامحيني وهو يمسحُ دمعةً صغيرةً من عينِه اليمنى ، عندما قبَّلتُكِ لم أكنْ أُحبُّك، تماديتُ لدرجةِ الإغراقِ في التقبيلِ كي أُرضي نفسي لا لأرضيك، كلُّ همِّي هو أن أُشبعَ غرائزي المدفونةَ داخلي دون أيِّ اعتبارٍ آخر، حتى الغطاء الأخضر الذي غطيتُ رأسَكِ به لم أضعْه ليقيكِ لفحةَ...
مروحةُ السقفِ تدورُ بسرعةٍ متوسطة ، يتطايرُ الغبارُ الملتصقُ بها ومعه بعضُ البعوض ، اتكأَ على الوسادةِ بزاويةٍ تناسبُ انحناءَةَ ظهرهِ المعتادة، ظلَّ يفكرُ في حشراتٍ أخرى أدقَّ في الحجمِ يشعرُ بلدغِها لساقيْه المكشوفتين ، اللّحَافُ قصيرٌ يتخذه ليحميَ نصفَه الأعلى ويسحبه نحوَ وجهِه عندَ الحاجة،...
قالت عنه وقد تكرَّر رَسمُها له: إنَّه يُشكِّلُ لها إلهامًا وتخيُّلًا في رَسمِ لوحاتِها ، عندما خرجَ سِرُّها من خَلفِ اللوحاتِ التي رسمتْها تعمَّدَ حضورَ معارضِها حتى تلك البعيدة عنه ، أسرَّت لصديقاتِها إنَّ ملامحَه السَّمراءَ تجعلُها تختارُ الألوانَ الداكنةَ التي تفضلها والتي لاقت إعجابًا...

هذا الملف

نصوص
81
آخر تحديث
أعلى