أتساءَلُ :
كيف تراني الظلال التي
أسفل النهرِ
حين أمرُّ بها هابطا
للنخيل المريعِ
وحيثُ قدِ انتظم الغيمُ تحت
ثيابي القديمةِ
إني ليُسعدني أن أرى الريحَ
فارهةً في السماءِ
وتحمل في حاجبيها المواجدَ
أو ترتقي مرةً مرةً
قلق الخيلِ ساعةَ تضبَحُ
بين الفجاجِ...
أيا حجر العزِّ
هاكَ أغاني المدى
كي على شرف...
ها أنا واقفٌ نِصْبَ
بوّابةِ الشرقِ
أقرأ ثَمّةَ فِهْرِسِتَ الريحِ
برزخها نادِرٌ
بينما الماء يهمسُ
والبرجُ يوغلُ في الزَّعمِ
والمصطلى يتثاءبُ
من سيراني
يظنُّ المياه تجيء فرادى
لكي تتحدَّث لي عن عصافيرَ
كانت إلى الأمس تخضرُّ
ساعتَها ينبري النهرُ مؤتلقاً
ويمدُّ إليها ذراعيْهِ
إني إلى نجمتي لحبيبٌ...
من إصبعه اليسرى
خرجت سوسنةٌ
حدَّثَ موج البحر عن السفن النفطيةِ
وعن النورس
كيف أتى الشاطئ في جنح الليل
وأصبح متزناً
مثل هزارٍ
تحت رعاية دغلٍ إفريقيٍّ
أبصرني الحجر الطلْقُ
فحاول أن يفهم شجرات باسقةٍ
تمشط بأناملها ظل النهرِ
وتثني بالماء على الماءِ
أرى ما يحدثُ
فأؤَوِّلُ شمس الصيفِ بخيط دخانٍ...
إن لي حجرا لو أكلّمه
لبدا مثلَ قرطٍ ينوسُ
بأذْنِ مهاة لعوبٍ
وكان عليَّ لكي أستحيل إلى
شجَرٍ راتبٍ
أن أكون قريبا من النهرِ
أغسلُ فيه ثياب القبيلةِ
أقرأ ناموسه بقليلٍ
من الارتيابِ
غدا سأجرُّ إلى السهْبِ
أحلى المحاريث
ثم أقول لها:
"هيا اصْهلي
ها هنا البرق يكنز أسرارهُ
ها هنا الوعدُ
والأكمات...
لي قصبُ مرتبطٌ
برمادي
وجنوني كان ملاكا عرقيّاً
ينكره الوقتُ
أكون له حجرا أبيض من
معابرَ سائبَةٍ
لكأني حين أفيء إلى دالية
أتنبأُ
إني أغوي الغابَ بأيائلَ عابرةٍ
ويدايَ تضيئانِ
فلو وجهي أتلَعَ
لمضيت أسمي ورْد الشرفاتِ
نبيذَ الحوْل إلى الحوْلِ
وشاهدت الأرض كثيراً
الآن تذكّرْتُ بأن عراجين النخل
لها...
سوسنتان تنوسان على المدخلِ
والمنزل ذو تاجٍ
يأْبَهُ حين يحط المطر الصيفيُّ
على جانبه
أغريت به الشرفاتِ إلى أن
أصبح منبهراً
يتساقط فوق محيّاه الغيمُ
ولا يحدث شوشرةً
أقسمتُ بأن الليل يعيش وحيداً
ودليلي
تلك القبّرة العابرة لحقل البرسيمِ
وذاك اليم المجبول على
على حجر اليقَظةْ...
أقضي العمرَ ربيعاً...
غيمة نسجت أفْقها
بأناملَ من ذهبٍ
ودم يستريح على
مدخل الغابِ
أما القطا
فاستعاد البهاء
وعاد إلى النبع يلقط أسماءهُ
بين حين وحينٍ يحيي الرياح
بطلعته...
وغفوتُ
مزجتُ ضياء الصباح
بوجه الطريقِ
نويت النوى
فقرنْت خطايَ بحبل المحطاتِ
لم أشتعلْ
بل جرى الطين تحتي
ومال إلى نهره كوكبا فارهاً
ذا دوائرَ...
للنخيل أساور من فضةٍ
بينما في يد الأفْقِ
صار يشتعِل الغيمُ
بالبهاء الأحاديِّ عمْداً...
فلا تبتئسْ صاحبي
سأميط ثيابي من الماءِ
أقرأ كل صراط به وردةٌ
ثم أسفك زهو الفراسةِ
عند الغديرِ
وبين الجدار وتوأمهِ أستبدُّ
بناري العزيزةِ...
لي قصَبٌ لوذعيٌّ
يَحارُ
إذا اقترب التمُّ منهُ
يجدّد صيحتَهُ...
المدينة ناضرةٌ
والجدار سمين لحد الكفايةِ
والبحر يفتح نوم السعادة
في مقلَتيْهِ
(أهلْ أنا ظلٌّ لنافذةٍ أم أنا فارس
ضلّ الطريق بضفّةِ شطّ العربْ؟)
عند مفترق الطريق
وقفت لكي أتملّى
هناك السلالُ التي امتلأتْ بالفواكهِ
والرجل الواحدُ المشرئبُّ
وسرب من الفتياتِ
وذاك الحمام الذي خبّأ الريح
في البرجِ...
يسكن الغيم في ساعدي
يحتفي بالغبار البعيد
ويسكب في رئتيه صحارى
ومن كفه للطريق
يمد موائده
ويجالس فوضاه تحت
لهيبٍ صديقٍ
أسافر في البدءِ
أغبط كل هزارٍ على
سمتِ أهدابهِ
أبهرَتْني مشاكلة الأرضِ
للداليات الأليفةِ
جئت إلى كاهن النار أسأله
عن نجمة تختفي تحت منسأتي
عن سماء تميد خميسا
وسبتاً تجر الغيوم...
إنه موسم الدمِ:
كل ظلٍّ أنا منتهاهُ
وفي الأفْقِ
أغرس دائرة الاحتمالِ
لأصبح مقتنعا بهبوب الفراشاتِ لابسةً
جبةَ الأزمنةْ...
أرتقي سلّمَ الذكرياتِ
ومنها أغادرُ نحو المدار الذي
بين ناري وبين الرؤى
لم أزل أشتهي شجن الأرضِ
غير بعيدٍ عن الماءِ
إني إذا مددتُ يدي للنخيل هزعتُ
جعلت الصباح رفيفا
ولا فخرَ...
كيف يصير الوقت نحيلا
بين يديكَ وأنت هواء
جميع الشرفاتِ؟
وهذي الفلواتُ
لماذا بالغزلان تفيضُ
وتلبس عند مغيب الشمسِ
متاها تقع على أقصاه
أجملُ حدَبَةْ...
قمرٌ يملأ عيني
عيناه على حجل يمرقُ
من ضفّتهِ
أيقظْتُ طفولتَهُ
فرمى ظلا للبجعاتِ
ولوّنَ وجه النهرِ
بسرب يمامٍ يقطينيُّ القسَماتِ
ولما عدت إليه...
كنت أظن الملحَ سيزهر
فوق يدي
بل كنت أراه سيوقدُ
في الطين أصابعهُ
ويكون ولي الله الحالي
هذا هوَ:
باخرة تومض في الماءِ
ويخدمها الموجُ
برارٍ ساهرةٌ خضراء
وشمس تنسج قمصانا زاهيةً
من جسد الغيبِ...
نزلتُ اليم بلا أبهةٍ
أعني صرت أريبا
أدخل أروقة الوقتِ
من الباب الخلفيّ
على وجهي ملأٌ من شجرٍ
ما زلت على...