مصطفى معروفي

لاح لناظره الماء فساورته مدنٌ واقفة بيد الله على جيد خرائط نائيةٍ لاشك بأن الرجل ارتاب من الطينِ فأوشك ينفش رهَق الأرض وينزل للطرقات يكابد حبَّ المشْيِ وحيدا ويسامِتُ سنبلة بالأمس أدارت حقلا محتفظا بالأعراف القدسيةِ في صدغيه أطفأتِ الطير إلى أن صار الحقل صليبا ورؤاه طازجة مثل صباح منشرحٍ ما...
إني إن شئت غويت الموجة ودفعت الماء إلى أن يجعل كل أصابعه لُعبا للريح ويأخذ نصف الحسرات كمهر لعروسته الشتوية قلنا سوف نريح رواحلنا نادينا الحبر فأصغى هيأنا لسلاسله النجم الثاقب والوعل الدمث الموثوق فلم يأتِ وآنئذٍ مال بنا الوقت علكنا شقصا من سأم العمْرِ مشينا منبهرين إلى الحجر الأول ونصَبْنا...
اِقترب الضوء من البجع الأصهبِ كنت سعيدا أحكي الأنهار بأسورة الظنِّ وأما الشمس فكانت تقتات على الجسر وتأخذ في الحسبان قوارير معلقة في الطرقات وأركض وجهي نافذةٌ والشاطئ تاريخٌ لمجوس الشرق عليَّ فقط أن أهب الريح شجون الريفِ وأن أنشر فوق معاصمها بيداءَ تزيد عن القيلولة ورعا وتحيي القيظ بذئبٍ يرتع...
فوق ساعدهِ سقط الماء سقطته المنحنيّةَ عندئذٍ أشرق الطين من تحت رجليْهِ أما القرى فقد اتكأتْ وهْيَ تستغفر الطيرَ حيناً وحيناً تؤاخِذ نجما على حبه النوم في حضن سنبلةٍ في الهزيع الأخير من الليلِ أطعمتُ شوقي الربوعَ القصيَّةَ أصبحتُ أولَعُ بالاشتعالاتِ أحتال أن أصِلَ النبعَ قبل بزوغ الكراكي هناك...
وأخيرا أدرك أن مآربه كانت فائضةً أسرج مقتبل الغاياتِ فأمسى رجلا منسكبا من ريش هزارٍ حيِيٍ من أعطاه الدهشة حتى سكنتْهُ امرأة تنزل بين عراجين النخل على استحياءٍ ومن الوقت تؤسس منحنيات النبع القدُسيِّ نبيٌّ جاء قبيلته أحضر مرآةً ورخام الخلْقِ وحبلا يربط حجرا أشمط لجدار يركض في قفصٍ أزهى من قمصان...
ها هو الرجل المتأبط أسئلة الأرض هاهو ذا قاس حالته بقر نفلة ودحا ظله من عَلٍ والغيوم التي سقطت خفيةً شيّدتْ حوله بركةً فارتأى أن يكونَ ويَلقَى الرياح بمطفأة إن هي استهدفتْ ساحلا واقعا بين قيظين مُزَّيْنِ... يرتعد الطين تنهض زلزلة المشرق العربي كذلك لا الشكُّ يعطي اليقينَ مزاليجَهُ لا اليقين...
سترى غلَس الماء يعرج من أصابعك الدائريَّةِ والطين عنك سينأى بأحواله في المياه القصيَّةِ، ظلك في الأرض يغزل للنهر حاشيَةً يوقظ القصب الغضَّ فيه بملحمةٍ كان فيها صدى القدماء يئنُّ وكانت بروق تجيء وتمضي على الحجر اللوذعيّ تمد طريقا لتربط سنبلة بالجسور العتيقةِ ثم تشد خطاها إلى فرسخ مائلٍ... أيها...
شرِب الكأس الأولى ودنا من محبرة أخذ الدفتر ودحا ما بين ثناياه كلمات عاطرةً تشبه حُبّا في مرحلة النضجِ صباحَ الأحد الماضي والأفْق بدا مؤتلقاً والشمس وراء المنزل تحرسُ خمس إوزّاتٍ كان يغامر بالدولابِ ويمرح صحبةَ نافذة الورد ليحني دائرةً ويقيس الأسماء بأكياس الحنطةِ زوجته كانت أذكى تاخذ حجر...
أيها الشعراء خذوا حذْركم ها الرياح التي طالما سافرتْ في وهاد المرايا هي الآن تسترق السمع في الطرقاتِ تماهت مع الطينِ والاحتمالُ غدا هو منخلها الصِّرف سوف تصير العناصر دائرةً والمدى سائبا في البحيراتِ ما يتعلمه الأقحوان سيبقى شرودأً يجر النوافذَ نحو الفجاج العميقة يعطي القرى المنحنيّةَ أجمل...
علَّمكَ السير على الأسلاكِ وبارك أسماءك كان يقاسمك شبق الملح ويقضي الليل يؤوِّلُ ما تبقّى من حجرٍ يلد الدهشة فوق أصابعنا بمعادنَ مبهمةٍ... آخر ما كنتَ تراه هو زوبعة نائمة في دائرةٍ تحت الدائرة مدارانِ إذِ الأوّل للمدن المنسيَّةِ والثاني يبحث عن آخرة وعدتْهُ أن تبلغ سنَّ الرشْدِ وتأتي لم تصنِ...
خِطْتُ ثوبَ الحداثة من حجر مورقٍ لم أقلْ للخيول دعي الضَّبْحَ ركضُكِ أوْلى ألا إنها التهْلُكةْ... معطفي كان مُنسجما فاستعار لأزراره ألقاً رائباً ولِياقتِهِ سحْنَةً تشبه الليل حين يحطُّ ببطء على قريةٍ في ذرى جبل مغربيٍّ على مدخل الكهفِ أشعلْتُ معجزةَ الأولين توسَّدْتُ قلبي وسلسلة الثلج كانت بكفي...
أتساءل وأنا وسط الحيرة: هل كنتَ تعلمني كيف أسير إلى زمني في عربات الإغفاء وكيف سأدخل تاريخ الأرض من الباب الحجريّ الموصل لفراغ اليدِ سقت إلى نهري الأوَّل سنوات القيظ وأرجأت طقوس العشق إلى إشعار آخرَ لو كان الغيم الآن يشاهدني لوددت مفاتحة الخيل بغزو بلاد الموز وصرت أميرا تنضح كفاه بالأسماء...
حينما أسدل النهر حاجبَه هبطت بضفته غيمة ضحكتْ ثم نادت العشب كي تستدل على العنفوان به وهْيَ في مرحٍ عارمٍ غير أن المدار بدا كاسرا جعل الريح تعلك مشيتَها وتشير إلى رهَصٍ دافق تحت هدْبِ النعامةِ مثل فتىً يئد الموجَ في كفه دفعةً واحدةْ... وككل مساءٍ سأسرجُ مطْفَأَ خطوي وأُقْري الحجَلَ المختفي...
لم أزل أرتدي جبة الماء أمشي وئيدا أحاذي رصيف القيامة معجزتي نخلة بين ريحين والضوء لؤلؤة تتدلى كخبز يحط بمائدة في سماء الخريف كبرْتُ قريبا لروح المرايا على عاتقي بيرق الاحتمال فلو رزته لوجدتُ له سحنةً في السماكة تشبه بئرا معطَّلةً ولألفيت أسماءَ من رحلوا لم تزل تتنزّى به سوف أتلو مزامير عشقي...
أنا والنهر وقبرة كانت ترمقنا قلنا للوقتِ تعالَ وأشعِلْ جسمك تحت رعايتنا لم يبق هناك مجال للريبة نبّهْتُ تباريح الأمس بأعصاب العشبِ وكنت أصيلا أمشي بيقين الحدآت ويأخذ خطوي حذرٌ يسهر في أرصفة الطرقاتِ يداي مدار منشغل بكواكبه الأكثر دفءا حين أهبُّ إلى نيراني أعرف أني ملتحف بغوايتها وكذلك أعرف أن...

هذا الملف

نصوص
1,086
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى