وردة فوق منقار قبرة
تحتفي بالصباح
وتعلن عن شرعة الماءِ
والطير تأتي فقط
كي ترى لهبا رائعا
صار يزهر في دملج امرأةٍ
من رخام الغوايةِ
كنت أراقبها حين مالت
غيوم المساء إلى الشرق
قلتُ
لأصابعنا النهرُ
والجمر ما زالَ
والطرقات لها جهة باتضاح مكين
أنا قائد الليل نحو السلالاتِ
أعجن شوقي بدفء الكواكبِ
ذات...
مدار بهي يحاور قلب السماء
ويعشق أشجارها
ينقل البرق من كفه للشواطئ
يعطي الرياح شذا الأرضين
والوقت كان له نخلةً
بل ومنزلةً
وبدايةَ رحلته الملكيَّة
يحتفل اليوم تحت لواء الفصول
وفوق حاجبه...
رجعت إلى منزلي
أشق الغيوم بريش العصافير
كان يخامرني قمرٌ
وفقَ شيمته
يتملى بلادا على وجه قبّرةٍ
نسيتْ رقصة النهرِ
ثم استدارت إلى حيث تحيا الأوابدُ
وانسحبتْ من أمام الظلالِ
تعلق في جيدها غيضة للبكاءٍ
وكنت أنا الشاهد الفذُّ
أخرج من حكمة الماء بالماء
أنساب ملتحفا بالشكوك الخديجةِ
هل صرتُ للشطِّ...
قبل خمس دقائقَ
كنت أدشن هاوية للسفن المغموسة
في جسدالأطلسِ
حاملة سعف الموج
ودفء خليج ينأى في التاريخ
وتعطي المدن شماريخ التيه
وحين يشجعها النورسُ
تدرك أن الأرض ملاذٌ
فيه يتخذ الطين
هنيهات من ردَحِ الغيبِ
فياسيدتي
يا سيدة الماء
وسيدة الأبراج السبعةِ
وزَّعْنا عسل البرق معاندةً
حتى جاء برجلين...
أغمض عينيه عند الجسر
وقد نالت منه الإغفاءة
حين أفاق
رأى الغيم على مقربة منه
فأمسك كاحله
ثم رمى في النهر حصاةً
وبدا رجلا مكتملا
بين يديه تشتعل الأرياف
وتسعل ريح المنعطفات
كعادته كل صباحٍ
كان إذا أوشك أن يورقَ
يأخذُ نفَساً أعمق
وصليبا للنوم
لكي يغلق بهما نافذة ضيقةً
ترتاب قليلا في الشارعِ
وإذا...
هو بحر ساحله دائرة
للقصب الأزرق
حين يمر به النورس يسأله
عن وجهته
أو عن لحظته
أو عن حجل كان له ندا
فغدا أفقا متكئا في عينيه
ذات مساءٍ...
من أوقد فيضان الشك
وأغلق نافذةً كانت تدفئ
جسم الشارع
تعطي لأُصيْصِ المنزل معطفها
وتدين القطط إذا هي
قاطعت البابَ علانيةً
ونَوَتْ أن تأخذه من ياقته لتغالبه...
كلما قايض النهر سنبلةً
بالأيائل
أو بالقطا
جاءه طائرٌ
ثم أنشأ يخضرُّ...يخضرُّ...
منقاره مرمريٌّ
وليس جناحاه منعرجيْنِ
كما كنت أعتقد البارحةْ...
كل قلب لديه مرايا
وقلبي لديه قرى بشبابيكَ
يلقي الغمام إليها تآويله
كي إذا نمتُ
أحلم بامراة تحمل الأرضَ
والطيرُ من حولها
توقد الأفْقَ بالاحتمالاتِ
ثم...
رجعت إلى القبيلة
ظلي توسد غيمته
بعد أن جرَّ مشجرة بيدين حافيتين
إلى الطير...
كنت أرى أن للنهر أنشودة
من زخَم الريح
يصطفي من رؤاها رخاما
من الأبْجديات ذات النتوء النفيسِ،
إلهي
هنا كوكب راشد
جاء يطلب ود المدائن
ألقى معاذيره للغيوم التي حفظت
آية الوعدِ حين استدارت
على ضِبْنه
قلتُ
أحكي أصابعه
وأجيء...
هيأنا المرحلة الاخرى للسفر المفرح
علقنا التاريخ على أهداب الماء
هو اليوم الأول لي
وأنا أنظر قافلة تتململ
بين خيوط القيظ
وتشرب نسغ القليلولة
حين تمر بوادٍ غافٍ تحرسه
خمس تلال نافذةٍ
كنت أظن النار لها تكْلفة الفيضان
وفي ذاك وَهِمْتُ
فما الحجر المسكوب على ناصية الدرب
جدير بمديحي
أيضا لا النهر
أنا...
على سوقه يستوي التمُّ
والماء ينصفه إذْ إليه
يمد اليدين
فيفهم منه الإشارةَ
كان يحط الحمام على سورهِ
حيث عن كثَبٍ
يتأمل قافلةً تتمشى
تقود خطاها هنا وهناك
رياح الأبدْ...
في يدي اشتعل الرملُ
أرغى عند أقدامه الموجُ
كان يبالي
لو الحجر المنحني في الطريق القريب
تنازلَ ثم اكتفى برفيف الثرى
ومضى غيرَ...
"إن في اليد موجاً من الطيرِ"
صحت بكل أناةٍ
أنا من طرازٍ فريد
وسوف أمر إلى رغبتي
ثم أجلس منتشيا بالسماء العريضةِ
صرت أميرا على العشبِ
أعطي المحال ظنوني العليّةَ
أمشي
وخطوي رخامٌ
أعلقه في النوافذِ لحظةَ إنشائهِ
من يدل الطريق على دمهِ
حين يرمي أنامله
في زجاج الغوايةِ؟
من يشتري الشوق من حجر جاهدٍ...
كانت الريح تغمزهُ
وهْو يرسل ناظره للمحطةِ
كان الطريق له
والبدايةُ
ليس عليه إذا هو أسْفرَ
عن دهشةٍ
إنه الرجل المستنير الذي يضع الأرض
تحت أصابعِهِ
جئته ذات يومٍ
فألفيت نارا تؤانسه
وعلى خصره
شجرٌ مزهر يرتقي
ألق الأبْجديّةِ
سَرّبَ نخلا إلى واحة
ثم طاف بسور إليه
تهادى الحمامُ بتوصيةٍ
من ظلال الهشاشةِ...
عندما صبَّ في الكوب ماءً
وقام إلى الباب
أبصر هرا يلولب أعضاءه
ويحدق في نبتة تجلس القرفصاءَ
بأصٍّ نديٍّ
ونافذةً حولها تستحم
بماء الصباح وتفصح
عن هاجس لمرآتها
أيها الغيم
يا ذا الرماد الثريِّ
ويا صاحب الاحتمال الموفّقِ
كيف على كفك الآن تصْفنُ خيلي
وقانونك اغتنمَ البرقُ هبّتَهُ
فمضى يمدح الانتماء...
كسجلٍّ يُطوى
أو مقبرة بجوار البحر
تعيد التاريخ إلى جهة الدفءِ
بدا الأفْق شفيفا
ينكسر النوء على صدغيه
والطير على استعداد كي تعقد
صفقتها معه
أعلنتُ بأني متكأ الكون
وأني واحده المشدود إليه
بالسلم ذي الدرجات الحادةِ
عرّيتُ ذراه شغفا في الأبراج
وفوق متاهي
شيدتُ تخوما للقيلولةِ
لم أطع الحجر المسكون...