علا صوتُ أمّ خالد تنادي على ابنِها ربما للمرّةِ العاشرةِ:
- خالد.. برضاي عليك يا حبيبي اتركْ آلةَ التصوير وتعالَ اجلسْ معنا، فالشاي كاد أن يبرد، ولحظاتُ الصفوِ لا تعوّض، إن ذهبتْ لا تعود.
- يا الله يا ماما، ها أنا آتٍ في الحال، فقط دعيني ألتقطُ بعضَ الصورِ لكِ ولجدّتي في ظلّ هذه الشجرةِ الوارفة،...
أخيراً وبعد جدلٍ مستقطعٍ استمرّ لشهور، وافقتْ نور أن تذهبَ بسريّةٍ تامّةٍ لمراجعةِ طبيبٍ نفسيّ، إذ كانتْ قد رفضتْ الفكرةَ من جذورها مراراً وحجّتها أن المرضَ النفسيّ بعرفِ المجتمعِ هو نوعٌ من الجنونِ أو الاختلال، كذلك تتوهّمُ ذاكرةُ القومِ الجمعيّةِ خطرَ المريضِ على من حولِه وضرورة عزله أو حجره،...
سأخلعُ كلّ أقنِعَتي
وآتيكَ بلا لُغَتي
مجازاتي استعاراتي
وغُنجي عبرَ تَوْرِيَتي
تراكَ سوفَ تعرفني
من الأنفاسِ في رئتي
من العينِ التي رفّتْ
من الآهِ غدتْ صوتي
من الكفِّ ال يقبّلُكَ
على الخدِّ على الشَّفةِ
وإن جئتُ كما الروحُ
تعودُ من فضا الموتِ
تراكَ سوفَ تسألني:
أراكِ لو تحجّبتِ
ولكن أبقى في جهلي...
كنتُ ثلاثاً في الطريقْ
واحدٌ
صار وقودَ المحرقةْ
وآخرٌ
ظنّ بأن بقاءَهُ
في الحروفِ المورقةْ
وثالثٌ
ما زال ينبشُ في العروقِ
كي تفيقْ
كنتُ ثلاثاً في الطريقْ
واحدٌ
أكلَ الطريقُ فؤادَهُ
و آخرٌ
اقتاتَ من أوهامهِ
وشعّ حبّاً سادَهُ
وثالثٌ
حيران.. يغفو أم يفيقْ؟
كنتُ ثلاثاً في الطريقْ
كنتُ جماهير...
وكان ذنبي
أنني أسندتُ رأسي
مرةً على مقامِ ال دو
وأخرى على مقامِ "سي بوني يا ناس"
بدلَ مقاماتِ الأولياءْ
وصعدتُ السلّمَ الموسيقيّ
كلّ درجتين بقفزةٍ واحدةٍ
بدلَ سلالم السماءْ
وتراقصتُ كذؤابةِ شمعةٍ
ما بين قرارٍ وجوابٍ
بدل أن املأ الكونَ أسئلةً
وابتهالاتِ دعاءْ
المصيبةُ
أنّ حرّاسَ اللحنِ أيضاً...
لم أكنْ حاضرةً حين تقاسمَ أخوتي تركةَ أبي وأمّي من كوكبِ الأرضِ
كنتُ منشغلةً بخياطةِ كفنٍ واحدٍ لهما كما أوصياني
بعد أن قضيا إثرَ نوبةِ عشقٍ تصاعديةٍ جاءتْ كالموتِ الرحيم
ثم كان عليّ حفرُ قبرٍ لهما بأظفاري التي تآكلت لتحفظَ قدسَهما
لمّا عدمتُ قوةً عضليةً تؤهّلني لنبشٍ وردم
وحين عدتُ
قال أخي...
"1"
"بين الرماد و البنفسج"
فيما "أنا الرمادية" في السرير ما بين النوم واليقظة، تفتح عيناً وتغلق أخرى كهرّة بليدة، تستعيد كوابيس الليلة الفائتة بملامح منقبضة، قفزت "أنا البنفسجية" بهمّة فتاة في مقتبل العمر من سرير الأمس.
أزاحت الستائر .. فتحت النوافذ .. وضعت موسيقا دافئة وانسابت إلى الشارع...
ستَّ المشاعرِ كلِّها
أنا لستُ دميتَكِ التي
لمّا مللتِ..رميتِها
أنا الدّمُ
يسري ويروي
في الحبيبةِ قلبَها
فإذا الحياةُ تبتدي
ولطالما قالت بحسمٍ:
ها متّ حقاً واكتفيتُ
يا خافقي نقطةْ.. انتهى
أنا لستُ أثواباً لكِ
قد كان لبسُها مشتهى
ثم أتيتِ بغيرِها
لترينَ قدّكِ
من جديدٍ
ازدهى
أنا يا كياني جلدُك...