ثناء درويش

وأنت راجعٌ آخرَ النهارِ لبيتكَ الذي على كتفِ الجبلِ انسلّتْ منك حيويتكَ.. خيطاً خيطاً وتناسلَ التعبُ فيكَ كوحيدِ خليّةٍ عرّجْ قليلاً عندنا أعددتُ متّكأً لكَ من عشبِ الحقولِ و وسادةً طريّةً خبّأتها لنومكَ الهنيّ و شرابَ وردٍ خلطتهُ سرّاً بزهراتِ الخزامى حتى إذا ما أثقلَ النعاسُ أهدابكَ تسلّلتُ من...
قررتُ أن أثقبَ جمجمتي وأنسلَ منها خيطَ اريان سأقطعّهُ إرباً كي لا يمسكَ به سجينٌ فيخرجُ لسجنِ الحياةِ الأكبر منتقلاً من العتمِ للعماء. سأحطّم كأسَ جمشيدَ الضامنَ للخلود وأشربُ بكفيّ ماءَ الآن و اكتفاءَ اللحظة. سأجمعُ بقايا "العشاء الأخير" و أطعمها للقططِ الشاردة وأكسرُ الصحونَ كي لا يأكلَ...
القبلةُ التي رمتها الصبيةُ من النافذةِ لعابرِ سبيلٍ على سبيلِ الصدقةِ الجاريةِ التقطها عصفورٌ و طارَ دارَ في السماءِ دورتين و حين لم يحتملْ حلاوةَ شهدِها نزل الى النبعِ يطفي الظما أفلتتْ من فمه سبحانَ من أرسلَ للسمكِ رزقهُ بغيرِ حساب بالأمس سمعت جارنا يقول لزوجته : "هكذا يكونُ السمكُ و إلا فلا"...
اليومَ أُنهي المسألةْ وأريحُ رأسي المتعبَ من وسوساتِ القلقِ.. والقلقلةْ قررتُ أن أصيرَ لو قدرتُ.. قاتلةْ سأقنصُ الأفكارَ قبلَ هبوطِها غرابَ شعري الأسودَ.. والبُلبلةْ والعندليبَ البارعَ في نظمِ حبّاتِ القلوبِ على أثيرِ العندلةْ سربَ اليمامِ الخارجِ عن سربهِ والبومةَ الحكيمةَ عنقائيَ...
أخيرا رأت روايتي النور، وكنت قد استودعت مسودّات ورقها درج مكتبي لسنين طويلة. كنت أخرجها من حين لآخر من عتمتها و أجري تعديلات على فصولها وشخوصها وفقاً لتغيرات المرحلة و انقلاباتي الفكرية و النفسية، ثم أعيدها للدرج دون أن أفكر لحظة بالترويج لها عبر النشر، فالرواية كانت أنا بكل تفاصيلها، و لا أجد...
أعتذر أيها الطبيب، محال أن أستلم هذه الجثّة على أنّها زوجتي، ولو شهد كل معارفنا بذلك، فهم لا يعرفونها كما أعرفها. زوجتي قد تنام على سرير.. على أريكة.. وحتى على الأرض.. لكنها أبداً لا تنام في برّاد منتظرة إتمام أوراق التسليم. رائحتها محض طيب يسبقها إليّ لحظة تطأ قدمها أول درجة صعوداً للطابق...
على غيرِ العادةِ أخلعُ خشخشةَ أساورِ شِعري ورنينَ الخلخالِ أخلعُ إيقاعَ الكعبِ العالي لا صنجٌ.. لا دفٌّ.. لا لحنُ كمان لا ترفُ الموسيقا تترقرقُ تهبُ المفردةَ الشعريةَ حظّاً أوفرَ حافيةً.. عاريةً.. إلا من قيمتها في الوجدان.. جوهرة الإنسان غُلّت يدها عن أن تستجديَ إعجاباً أو تدخلَ مضمارَ السبقِ...
ليأتيَ حضرةُ الشعرِ لبستُ غلالةَ الروحِ شفيفَ البوحِ .. كم يغري و أشعلتُ بمجمرتي حبّاتٍ من البخورِ عودَ الندِّ .. راحَ يضوعُ بطيبِ الفوحِ و العطرِ و بسملتُ و حوقلتُ تلوتُ بمجلسِ الحرفِ آياتٍ من السحرِ و هيّأتُ لمهبطِ وحيهِ جوّاً شعاعاتٍ من النورِ أقلاماً ملونةً وريقاتٍ بياضُها باديَ الطهرِ و...
الليلة أيضاً أنبشُ القبور بأيدي الشغف مجلسي يعجّ بالراحلين يقرؤون الشعر يرقصون السامبا يتحاورون حول لوحة و يتغامزون حول حبّ خلّدهم. العدمي سيوران يصفّر لحناً وجودياً عذباً داليدا تتلوّى سكرانة بالوجد وتميل على خوليو في نشوة التصوّف. الأديبات المنتحرات أعذب الحضور شعورهن كالحرير حنونات.. صافيات...
"1" الحقُّ أقول، أني رأيت أنفاسكِ في السوق يتاجرون بها، و لا مُلصق ولا هوية تشير إلى أنها من صدركِ خرجت ذاتَ شهيق و زفير. أردت أن أحتجَّ.. أستنكرَ.. أعترضَ.. أن أقول لا تخفى عليَّ أنفاسها وأنا اللصيق بها كظلِّها ، لكنهم أخرسوني بلجام الأنا فاختنق صهيلي. وما كنت سأعترض لو أنها وهبتهم الحياة ، بل...
و مولانا .. عصفور نقر نافذتي صباحاً و طار.. في أفق مفتوح حتى منتهاه ضاع منّي .. لعلّه ذاك الذي يلاحق في الأزرق أنثاه.. لعله ما كان إلا خفقة الشعور في الحياه.. حينما رحت أغنّي. مولانا .. طفل لا يشبهني.. لكنني منه وهو منّي.. ارتمى ذات شجن بحضني .. فكأن الحياة به راحت تباركني .. نسيت بسواد...
فاتن لمْ يعدْ التجاهلُ مجدياً، كما أنّ الصدَّ يزيده إصراراً ورغبةً. هاهي رسالةٌ جديدةٌ في بريدي الالكترونيّ، يمكنني أن احزرَ سلفاً مصدرها حتى قبل فتحِ علبةِ البريدِ، كعادته كلّ صباح. العباراتُ ذاتها يرددها بطريقةٍ تزيدني نفوراً، و الغزلُ الممجوجُ الذي لديّ يقينٌ أنه قاله لسواي مرّاتٍ و مرّات ...
أيّها الطائرُ، جئتني من حبيبي بهديّةٍ، و ما أغلاها من هديّة . وضعتُ أذنَ الرّوحِ على الصدفِ، و أصغيتُ في ذهولٍ و نشوةٍ لصوت البحر، فغيّبني الحضورُ عن ضجيج البشر. أغنيتك يا معتوقُ حكايةٌ سرمديّةٌ، سمعتها منك في قديمِ اللازمان، فبكيت وجداً و توقاً للحبيب، لأتلمس نفسي بعدها، وإذا بالزغب كسائي،...
وتذكَّرْ أن ماءً سلسبيلاً في فمِ المحرورِ مُرْ ثم انسَ ما ذكرتَ وابق ماءً لا يبالي أيَّ فمٍّ اختبرْ * وتذكَّرْ أنك لما انحنيتَ زادوا شوقًا للركوبْ ثم انسَ ما ذكرت وامضِ قامتك نخيلْ ليس يعنيك رضاهم أنت في عيني الجميلْ * وتذكَّرْ مرَّة إن سُمِّم بئرْ ههنا ماءٌ جديدٌ طهره نارٌ ونورْ ثم انس ما ذكرتَ...
"3" صفيّة للربيع العشرين على التوالي، آتيك يا شجرة الأمنيات لأعقد بكل إيمان شريطة توقي لطفل، على غصن من غصونك الذي بدأ ماء الحياة يدبّ فيه ،ليتفتّق عن براعم ورق غضة فتية . اخترت هذا العام شريطة بيضاء قصصتها من فستان عرسي كأعزّ ممتلكاتي و أكثرها حميمية و رمزية عندي. لأني بهذا الفستان قبل ربع...

هذا الملف

نصوص
92
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى