وداد معروف

جلس في جحره تحت السلّم وأمامه منضدة ، صف عليها دفاتره الخمسة، وقد سطر فيها أسماء ثلاثمائة موظف هم العاملون في تلك المؤسسة . مع أول مطالعة لك للوجوه تظن أنك دخلت دارا للمسنين ، أغلبهم من الأربعين حتى ما قبل الستين بشهور أو أيام ، الشباب فيهم نادر جدا، ويغلب عليهم المعوقون بعد ما اقتصر التعيين...
هذه هي رسالتي التاسعة بعد الألف الثانية التي أرسلها لك, لكنى لا أدرى أهي المائة الخامسة أم السادسة التي أقسم فيها أنى لن أرسل لك, ثم أحنث في قسمي ثانية, أصبحت الكتابة لك نوعا من الإدمان, فكلما مررت بخاطري "كلما ! " كيف كلما؟ أنت بخاطري دائما, تحيا معي حتى في مطبخي, فهذه الأطعمة الشهية وأنا أعدها...
عبارة جعلتني أستوقف استرسالها في الحكي، وأعيدها عليها مرة أخري؛ فلا أذكر أني سمعتها من امرأة قبلها، فما بالي إذا كانت من امرأة في طريقها للطلاق، " كانت رائحته حلوة؛ أكثر ما حببني فيه رائحتُه الحلوة" أضافت عبارة أخرى أدهشتني، حينما عرجنا علي علاقتهما الخاصة؛ - فقالت: كنا متناغمين فيها كسيمفونية،...
على موعده الدائم "الخميس من كل أسبوع" تنتظره نساء قريتنا، ضعيف البنية، قصير، دقيق ملامح الوجه، له صوت جهوري، تتعجب حين تسمعه ، كيف لهذا الصوت أن يخرج من هذا البدن الهزيل! عباراته قاطعة لها قفلات محكمة، لو سمعت نداءه دون أن تراه لخيل إليك أنه قائد جيش ينادي على جنده ليتجمعوا في ساحة المعركة، تحول...
أذن الفجر فأزاح الغطاء الثقيل من علي جسده، وزحف متثاقلا شيئا فشيئا من فراشه، توضأ وذهب لمسجد شارعهم، انتصب كجذع جاف في أول الصف، أقام ركوعها وسجودها كما تعلم من شيخ المسجد في خطبة الجمعة، عاد وهو يرتل أوراده البسيطة، البرد شديد هذا اليوم نتف الثلج تتساقط، شرب كوب الحلبة الذي تعودت زوجته أن تعده...
تأملت مواقفها و ما مر بها من محن، لاحظت أنها في كل تلك الكربات التي مرت بها، كانت صلبة صامدة، الصفة التي طالما وصفت بها من المحيطين، شعرت بشغف لتعرف سبب ذلك الثبات الذي عرفت به، أبحرت داخلها لتبحث في قاع ذلك البئر العميق عن سر تلك الصلابة؛ غاصت عميقا جدا وصلت لقاع البئر؛ حينما كانت بعد طفلة لا...
رتبنا المقاعد في السيارة وترموس الشاي وبعض الكيك . حملتُ معه حلمي في رحلتنا الدورية من خميس كل أسبوع إلى البحر، ومع نسمات الغروب وبعد أن أخذت الشمس لونها الأرجواني وهدأ الشاطئُ بمغادرة الكثير من المصطافين، طاب لي أن أفرج عن هذا الحلم الذي يلح عليَّ منذ صباي وحتى هذه السن المتأخرة . يسرا...
انحرف عم ربيع بحنطوره ناحية منزل ترابي، يؤدي إلى خُصِّ الشيخِ يونُس, نزل من عربة الحنطور ثلاثُ سيدات أنيقات, تشي ملامحهن أنهن لسن من قرية الشيخ يونس؛ هذا ليس اسمها ولكن شهرة الشيخ غلبت اسم قريتنا (ميت العز) فقد ذاع صيته في محافظتنا هذه وربما المحافظة التي تجاورنا أيضا, له ما يقارب الثلاثين عاما...
حالا يا سعيد بك، ثواني ويكون الشاي أمام حضرتك على المكتب، يحب الشاي مضبوط سكر وشاي، قبله محسن بك كان يفضله خفيف سكر خفيف شاي، وقبله كان محمدين بك يطلب مني الشاي بدون سكر تماما، فقد كان مريضا بالسكر، فلأحمله له فسعيد بك روحه في أنفه، لو تأخرت ثانية أخرى فربما دخل علي هنا في غرفة الشاي وطيرني...
شهد الفضاء الإلكتروني ثورة معرفية كبيرة, فلم تعد شبكة الإنترنت تمثل رفاهية لمستخدميها, وإنما أصبحت من الدعائم الأساسية التي تقوم عليها حياتنا المعاصرة, فقد نظمت حياتنا بتفاصيلها, فحتى دفع فواتيرنا للهاتف والكهرباء عن طريقها, دخلت في حياتنا العلمية والأدبية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية...
لم تكن بي رغبة أبدا لحضور هذا الزفاف، لكن إصراره وإصرار أهله جميعا على اصطحابها معه؛ جعلني أصر أنا أيضا علي الحضور، ربما هناك سبب آخر أهم هو أني لا أريد أبدا أن ترافقه في سفر طويل ومناسبة مفرحة يتحرران فيها من وجودي، عرفت أن أمه استاءت جدا حين علمت أني سأشاركهم السفر، فرحتها بها واضحة لم تشأ...
تمهيد : الروايةُ هي الفنُّ الذي يُوفِّقُ ما بين شغف الإنسان بالحقائق وحنينه الدائم إلى الخيال، ولعل هذا الوصف ينطبق على الفن بصفة عامة وعلى الرواية ورواية السيرة الذاتية بصفة خاصة، حتى لو ادعى الكُتَّابُ أنْفُسُهُمْ غيرَ ذلك إلاَّ أنَّ روايةَ السيرة الذاتية تبقى إلى جانب ذلك عملاً أدبياً؛ لأنها...
السلم مظلم، لا يسرج لمبة السلم من الجيران سوانا، ذكرتِني كثيرا أن أشتري لمبة للسلم بدلا من التي تلفت، فلأصوب (فلاش ) الهاتف علي ( كالون ) الباب وأفتحه على ضوئه، الشقة على حالها منذ تركتها، الغسيل الذي جمعته من على منشر الغسيل كما هو على كنبة ( الأنتريه ) في الصالة، أوه ...ما هذه الرائحة...
حملتها و أنا في طريقي إليهم أهلت نفسي لاستقبالهم البارد الذي يلسعني في كل مرة أذهب فيها إليهم، حينها يتراءى لي الرجوع نجاة بنفسي من وقع الوجوم الذي يعلو وجه كل من يفتح لي الباب منهم، كأني زائر غريب لم يدخل بيتهم من قبل ، في كل مرة أرى عليهم هذا التعبير و أراني تلك الغريبة المتطفلة علي تجمعهم...
كعادتي جلست أختم صلاتي علي سجادتي، جاء صوت بكائه المعهود، علي مدار اليوم يأتيني صوته من العمارة المجاورة لعمارتنا، منذ شهر و هذا الصوت يطربني، يحدث فيَّ شيئا لم أتوقف له إلا في هذه اللحظات، أمسكت بنفسي و أنا متلبسة بهذا الشعور، أيبكي هو و أنتشي أنا! لِمَ؟ تذكرت أني في كل مرة يصلني صوت بكائه...

هذا الملف

نصوص
50
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى