ميسلون هادي

تقدمت سيارة الأجرة، فاندفع إليها حشد الأشخاص المنتظرين في الساحة الترابية المكشوفة .. وسرعان ما تسرب خمسة منهم إلى جوف السيارة الظليل، وانطلقت بهم مخلفة وراءها التراب والانتظار وضوء النهار الساطع .. تنفس الشاب بارتياح عميق، وقال لنفسه :(هذا يوم حسن، فهذه أول مرة أفوز فيها بالصعود من المحاولة...
كل يوم يحير بهما … لا يعرف أين يضعهما وهو ينام .. أيشبكهما على بطنه كمن يصلي، أم يضعهما تحت رأسه، من الخلف، أم يعقدهما على جبهته ………. أتحت اللحاف أم فوقه .. أيسبلهما على جنبيه ؟ أيكتفهما فوق صدره ؟ يضايقه هذان الوجودان الأفعوانيان اللذان يلتفان عليه في الليل، ولا يعرف أين أو كيف يتخلص منهما ………...
بدأت القصة عام 1963، عندما عثر علماء الآثار داخل قلعة (مسعدة)، الواقعة على الساحل الغربي للبحر الميت، على مخازن تحتوي على كميات من نوى البلح القديمة تركها اليهود المنتحرون فوق حصون القلعة، تأكيدا منهم على أنهم لم ينتحروا جوعاً، وانما لتسجيل موقف تاريخي أثناء حصار تلك القلعة من قبل الرومان قبل...
استوقفتها الممرضة المناوبة عند البوابة الزجاجية المؤدية إلى وحدة إنعاش القلب .. وأخبرتها للمرة الثالثة بعدم إمكان دخولها إلى المريض رغم مرور ساعات على نجاح العملية .. نظرت إليها الأم وكانت متلفعة بسواد معبق برائحة ماء الورد ، النظرة المنكسرة المناشدة نفسها.. وتمتمت والدمع يخضل عينيها : – أراه...
الحوض الزجاجي الذي كانت تسبح فيه الأسماك الصغيرة، يبدو وقت الغروب أجمل من باقي أوقات اليوم، حيث تذوب الشمس الغاربة نحو الزوال، وتغمر الغرفة بضوء الغسق الذي يمض الروح ويجعل الإنسان يشعر بالأسى والحزن، فيجلس ساكناً أمام حوض الأسماك الصغيرة ويراقب حركتها المستمرة بين الصخور الناتئة، ويزجي الوقت...
أغلفة الكتب هي التي ترغمني أحياناً على قراءة ما فيها، وتأتي ثانية أسماء مبدعيها، لا أحد يدري ما يفعله الغلاف من سحر في النفس قبل أن تفتح الصفحات وترى أبطال الروايات والقصص والحكايات تتحرك ثمة بين السطور والفوارز. غلاف(نبوءة فرعون) واحد من تلك اللوحات المذهلة التي رسمها الفنان البولوني...
كل يوم عند غروب الشمس يفترش (عبد الله) التراب الحار أمام الخيمة يأكل من صحن التمر، ويشرب من كأس اللبن، فتشرب السماء معه من لون الشفق حتى تغرق بدم اليمام، ثم ما تلبث أن تعتم ويسوّد لونها، إذ تفارق أشعة الشمس الغاربة المدينة شيئا فشيئا، لتتركها تحت رداء الليل مملكة من العتمة والوحشة زادها من الضوء...
.. ولما استعصى النوم على الرجل فتح الدرج الذي بجانب السرير ، وراح يعبث بمحتوياته غير مدفوع برغبة ما ، سوى التحايل على أرقه حتى تلك الساعة المتأخرة من الليل . إنه يفتح ذلك الدرج عادة كل صباح لأخذ أحد المناديل البيضاء المرتبة داخله باعتناء .. وبالرغم من أنه يبعثر ترتيبها في كل مرة يسحب فيها منديله...
زُينت الأميرة تيبي بأحلى زيناتها استعداداً للآخرة، ووُضعت في أصابعها الخواتم المزينة بأحجار كريمة نُحتت لها خصيصاً في مشغل فنان من نينوى اسمه سنحريب، وهو اسم مبجل لدى رجال مملكة آشور يُطلق من باب التيمن بالجد الأعلى لملكهم بانيبال الذي جاء بالفنانين والكتبة من أرض ما بين النهرين كلها، فزينوا له...
البيت الذي دخل إليه الرجلان المبعوثان من المحكمة لم يختاراه بشكل مقصود، بل هو الذي اختارهما كونه أول بيت صادفهما، بعد أن أومض البرق بشدة إيذاناً بدوي الرعد فعجّلا في الدخول إلى ذلك البيت تحسباً من هطول المطر. كانت مهمة المبعوثين تنحصر في اختيار أثر واحد من آثار جدهما الإنسان المدلل وتقديمه إلى...
ذهب ثامر وتمارا إلى الخطاط الشهير الذي يخط اللوحات والإعلانات وواجهات المحال التجارية، ولديه أيضاً في الطابق الأول شرفة صغيرة لرسم التاتو للشبان والشابات.. كان يرتدي قميصاً بنصف كم تبدو من تحته يده اليمنى كثيفة الشعر متسخة بالأحبار والألوان. يده طويلة جداً، ومرسوم عليها عناكب وعقارب وصقور...
حدث هذا في الربع الأول من العام الحاكي الذي تنشرح فيه صدور السكان القلائل، فيتصرفون كالأطفال، ويلقون النكت القديمة، ثم يضحكون عليها مرة أخرى .. إنه الربيع يجدد الحياة، ويحرّك كل القلوب، بما فيها قلب الراعي الحكيم الذي لا يتحدث ولا يضحك إلا بالمثاقيل.. فحاكم قصور الأحلام الرئاسية معروف بالصرامة...
فقدت أخي الأصغر لسبب غريب، ولم أتوقع أن يأتي يوم تصدر فيه المحكمة حكماً يقضي بإحالته إلى دار الأحداث.. قتل أخي عجوزاً طاعناً في السن، وهو لما يبلغ مبلغ الرجال بعد.. إنه ينجذب الى ألوان بعض اللوحات وأشكالها، ولم نستطع توكيل من يدافع عنه سوى محام مغمور سيء الهندام يعاني صعوبات مادية مثلنا، وكان...
انتبه لنفسه الجديدة أول مرة عندما ارتدى نظارته الطبية، ورأى الصورة التي التقطها له جاره الحقير همام في باب الدار قبل قليل.. أخذ الموبايل من يده، وبحلق فيها جيداً، فبينت له بدون لبس، كم صارت عيناه متعبتين، وكم غاصت رقبته تحت علو واضح يشبه السنام.. وكم دارت عقارب الساعة بين سموم الصيف وهموم...
شارعنا ينتهي بسدة ترابية لدواع أمنية.. وعندما تمر سيارة الأزبال فإن عليها أن تذرعه مرتين ذهابا وأياباً.. وفي الرواح والمجيء يحييني الزبالون، ويضحك معي سائق السيارة.. ظننت أن للأمر علاقة بشعري المنفوش على الدوام، أو بكوني السافرة الوحيدة في الشارع المسدود بأكياس الشاي الأخضر.. إلى أن اكتشفت أن...

هذا الملف

نصوص
32
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى