منى محمد صالح

يحدث أن نطوي الحزن في صندوقٍ صغير والغياب، يمر بيننا كجرحٍ عابر مثل هروبِ الظلِّ الشاخص من مرآةِ الفجر، وسؤالٌ يهرول نحو أقدامِنا العارية، متشرنقاً بملحِ الحنين: كيف تضيء السماء ظلمة ولادتك الأخيرة؟ كيف تربطَ حلمًا بخيطٍ شفيفٍ لتقتلَ ظلالَكِ الأولى؟ وأنا التي أراقبكَ من بعيدٍ، أراكَ الآن،...
ليسَ مجرّدَ ريحٍ عابرة يقولُ العابرُ بينَ الجُرحِ، هناك، على ضفّةِ الوادي، في وطنٍ صار طيرًا في قفصٍ وأيادٍ مثقلة بروائح الخوفِ ولافتات الريح ؛ يا ابن الرمل المنسيّ احمل خيبتَكَ الأخيرةَ كما يحملُ الغيمُ أسرارَه واغسل وجعَك، بأسماءٍ تغفو في الريحِ *** لا وقتَ لديكَ للوقوفِ هنا... في بلادٍ...
هل يمكن للحب أن يغيرنا بهذا العمق؟ تساءلت وهي تنظر إلى الغرفة الصغيرة حولها، عيناها تحتضنان الليل الممتد وحيدا عبر النافذة، لم يعد الحنين وحده كافيًا لإبقاء ما كان بينهما، كأن الحب صار قدراً يعبر خطواتها الثقيلة، يلاحقها دون هوادة. كان كل شيء يعود بها إليه، ظله المتسع على جدران الغرفة، صوت...
و مضت بي، حافلة القلب منذ ذلك المساء الخريفي الحنون مثل عرافة ينهمر وحى الضوء عاريا من دهشتها تُلغي تواريخ أحزاني القديمة تخبئ سرَّاً عطر الأمنياتُ و الأغاني و الشُطانُ و الجزرُ و فاكهة الليل و سؤالٌ، يأتي في انعطافةٍ ما، مزهرا في حقول عينيها مثل ضماد القلب؛ كيف لم ينصفنا.. شُرود الحنين النائي...
الصدى لا يصدر صوتاً، تمتم ياسين، وهو يسوق كلماته سباباً يحاصر الأشباح، خفافيش الظلام، رُماة الحصى السهام، الملوثين بوسمِ الفجيعة سوطاً يرتفع باعتدالٍ قاسٍ، على أشلاءِ حياة مؤجلة، ومواسمٍ لن تأتى أبداً! الواحدة بعد منتصف الليل، الصمت والهدوء ينسابان ببطءٍ كفحيحِ أفعى عمياء، في أرجاء الغرفة...
اليوم، ارتديتُ ذلك الفستان الصيفي كما تحبه فضفاضا على خصرِ التوق صفصفتُ شعري تركته يسهو مبعثرا على كتف القصيدة و وقفت طويلا أمام المرآه يأخذني، وشيش الوجد إليكَ مثل هديل حمامتين و تعانق عيناكَ الدافئتان أغنيتي مواويلي القديمة شطآن اللون أنهارٌ و غيمٌ ناعسٌ يغفو على يدي يعيدني خلسة إلى عصافير...
اركضُ في ازدحام القلب أبحث عنكَ كأنما الروح تزهر مائة عام من هنا إلى هناك.. وترقص غيمة خجولة تحلم أن تصير يوماً عصفورة برية ذلك الهديل المؤجل بين دهشتينِ قيامة تعيد رتم قلبي تضئ عتمة البوح كما أحبُّكَ الان.. مثل كمانٍ يدوزنه رتم الروح صوفي تقوده حواريه نحو دروب لا تشبه إلاّكَ بيتٌ أقربُ إلى...
وتقدَّسَت أسرِّارُ عَيْنَيكِ تمُوجُ رَاعِشَةً في قَلْبِي بنيتُ لها بين يديَّ نَهَرا وَبُستانا ونَخْلا وأُغْنِيَات اسْتَرَاحَتْ بَيْنَا كحمائِمٍ تهدل على مَهْلٍ ومازالَ غَنْجُ الحَنِينِ العَالق هُنَاكَ خجولا في بريقِ عينيكِ يَستَوطِنُ فرَائِضِي صَهِيل، يَسْبِقُ مَعارِجَ المسافَاتِ...
كان صباحاً هادئًا دافئاً من صباحات تلك الشمس الغاربة، وقد تناثر عليه وقع صمتها الأخير: - تمنيتُ لو كانت لدي الشجاعة لأعترف بحماقتي وأنا أودع صوت أنيس كغفوةِ الحلم.. قالت له، واردفت في هدوءٍ أقرب إلى البكاء: - لكنني هكذا وجدتني وحيدة.. أضاءت تلك الخطى مثل ورد الليل، مدّ يديه الدافئتين لإحتضانها...
يقف على سفح قلبه.. محلقا أسمع نبضه يراقص مواسم الورد تتوهج تقاسيم الكمنحات في صوته لينحسر المدى.. عن روزنامة تروى إثم أحلامه يرتكبها مثل شدو ساحر يتسلل من بَيْنَ إصبعينا ليعود مترنحاً بي يسبقني صمتك الأخير.. منبت اللقاءات التي لم تحدث بيننا سر تغيّر مزاجك.. اللازوردي هل قلت لك أني أحبك؟ ومحراب...
- تعالي.. إنه قلبي.. يهدر شاسعٌ في اختلاس تلاوته، يتَبَتِّلُ كالنبوءةِ بيننا.. في كلّ مرة يُتاوره حذر الصهيل. تناهى إليها خطو ندائه البعيد، يُهرول نحوها ثمل الجوى، إيقاع آخر تغازله خطى “السِسِّعيتْ“* يضوع بذات العطر، كأنما هي المرة الأخيرة.. ومجرى البوح بينهما يلتقط رتم إيقاعه الحميم، عصفٌ...
قالت له.. لقد مرَ وقتٌ طوَيلٌ منُذ أن كنتٌ أنا.. أنا لا ظل لي في الشتاء غير انتظار يتسلل خلسة مثل ضوء يندلق من تحت المطر ليحل ليل آخر دونك ومحض سؤال آخر يلد أنجم بعيدة كأنّه يَأنسُ بالنّظرِ إليْها من تعَبٍ ما، يراقص قصائدها الحزينة ودهشة تلك النجمة تضئ بعيداً ‏تتلو صلواتها مثلما تفعل امرأة...
كأنما نسى وجهه هناك، لا يدرى لماذا باغته هذا الهاجس اللعين، كان عليه أن يغمض عينيه قليلا، قبل أن يقف هناك، شاخصاً بنظراته المتشابكة أمام اللوحة، دون أن يستوعب منها شيئاً!. سمع صوته يردد: لم تكن أعظم اكتشافاتي!.. تتسع مساحة الصوت أكثر؛ بينما كل هذا يحدث لي تأتي لحظة ما، مثل نوبة مفاجئة.. حيث...
إلى البلاد التى تسكننى وتضيق بنا الأرض؛ للحزن سواد يصهل فى الصدرِ يفطمُ كل ما كان قبل الميلاد فتغيب قبورنا المُعتمة يغطيها الوحل، ويشيّع الرّكْبُ اغنيةٌ، تفكُّ إزار اللغة لشرخٍ آخر أو موتٍ فاضح يشتهيه! يا لبسالة الرؤى، الخيالات مدائن تسرى بمعراجها عبر أشواق المُحبين وتُجّار الحروب مثل غيمة...
سحبت آمنة خيوط الضوء المتسرّب من خلال كوّةٍ صغيرة قابعة فى قعرِ التوق، بدا الخيط الأول هشاً، بالكاد رتَقت عُريه البارد ليتآلف من جديد بإرتعاشٍ خافت، وعادت بخطواتٍ حثيثة، ترنو نحو إمتداد قسرى يلتهم بقايا ملامح مُبهمة،إستكانت لفرحٍ مؤجل. ترنح الضوء بإنكسارٍ باهت وإصطدم بنتوءٍ بارز نزع سدادة...

هذا الملف

نصوص
43
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى