محمد فيض خالد

يُغَازل البيوت بَصيصٌ من الضّوءِ الأحمر الجرئ، يُعانِق جَريد النّخيل ، تُسبِّحُ الطبيعة في خُشوعٍ مألوف ؛ ريثما تتفلّت من رَقدَتها ، تلك صورة ترتسم مطلع كُلّ نهارٍ مُنذ أذِنَ البارئ لهذا المكان أن يعمُرَ بأهلهِ، قرية مطمئنة ياتيها رِزقها رغدا على ضفافِ بحرِ يوسف ، أهلها لا يدرون عن دُنياهم إلّا...
هَا هي تُبدي الشِّكاية والتَّأفف، تُبَرطِم بنبرةٍ مُستفزة، تضرب الحَائط بكفها اليابس ، ترمق زوجها المُتَربعُ فوقَ حشيةِ اللَّيف ، غائبا وسط سُحبِ الدُّخان، يفرج عن غَابةِ الجوزة الغائبة بين شفتيهِ ، يطلق دفقات الدخان ، سُرعان ما يعيدها سيرتها الأولى كرضيعٍ قبضَ ثدي أمه ، تقول وعيونها تنضحُ...
تَراخت شَفتَاهُ امتعاضا وقَد احَكَمَ طرف ( البوصة) في فَمهِ الواسع، هَزّ رأسه القَانِعُ ، يُطلِق دفقات دُخَانه الكَثيف ، بَذلَ جَهدا يُخفي انفعالا مكبوتا ، هَيّجه كلام أمه ، تثرثرُ دونَ انقطاع :" خَلصت باكو المعسل ، ابوك هيقطع رقبتك"، أشَاحَ بوجههِ غَيرَ مُكتَرِثٍ بتوبيخَها ، ليَغيبَ ثاَنيةً في...
بَاتَ اخشى ما أخشاه؛ وطأة أصَابعها القَاسية، تَغرزها في جِلدي، تُمرِّرها بغلظةٍ حَول رقبتي المُلتهبة، اشعر بانسحابِ روحي لحظتئذ،تَهرس اللَّوزتين هَرسا مُؤلِما تَحتَ شَلالِ الزّيت الغامق ، تُغرِقُ في هَوجٍ كُلّ شيءٍ حتّى ملابسي، يَتسرَّبُ فوقَ جلدي خيط بارد ، يَتَشبّعُ بهِ جسدي الذي انتَفضَ تَحتَ...
باللهِ يا طير تعطيني جناحيني لافرّ وانزل على روحي حبيب عيني من حبني يوم حبيته سبوعيني ومن حبني شهر حبيته سنتيني صابح مسافر تسيبيني لمين يا عيني على وقعِ هذه الكلمات الرَّاقصة، وفي ساعةِ الغروب تعوّدت " بدرية" هدهدة ابنتها" نوال" ، سرعان ما تَغيب في وجومٍ طويل ، كأنّما تتجرّع كؤوس الشَّقاء غصَصا،...
حَتّى إِذا ما توقّدت الشّمس والتَهبت خيوطها المُتَدفقة من بطنِ السّماء ، تُزيح عن وجهِ الرَّصيف بقايا نسيم الصُّبح البارد، يَتَهاطل الزُّوارُ من كُلِّ حَدَبٍ، يرمون بعيونهم المُرتَعِشة مبنى مستشفى الصَّدر ، افترشَت " حسنية " مكانا صَوب البوابةِ ؛ تُطالِع حركتها ، تلتمع حدقتاها في وجهٍ نُحاسيّ...
ظلّ لسَنواتٍ احسبه؛ مغارة " علي بابا" ممتلئة بما يُسيل اللّعاب ، لم تكن كنوزه ذهبا ، بل شيء من مُغرٍياتِ الطُّفولةِ البريئة ، حبات الكرملة وقِطع الطّوفي وأقمَاع الجَلاّب ودقيق السُّكر المطحون ، سألت بإلحاحٍ عجائز دَربنا :" متى بُني هذا المعبد الرّصين؟" لم اظفر بإجابةٍ شافية ، تُعَاجِلني " رسمية...
يتَوجّب عليّ تَجديد جواز سفري ، اعترف مُرغما بأنّ علاقتي بمكاتبِ إنهاء المعاملات الحكومية ليست على ما يُرَام، رُبّما لتَغيّبي عن الوطنِ في غُربةٍ بلا نهاية ، ما إن وقعت عينيّ على تاريخِ الانتهاء ، حتى عاجلت ذاكرتي مَخاوفَ لا حَصر لها ، ليلتئذٍ جفاني النوم إلى أن انبثقَ الصُّبحُ ، تمام السّابعة...
حَتّى إِذا ما توقّدت الشّمس والتَهبت خيوطها المُتَدفقة من بطنِ السّماء ، تُزيح عن وجهِ الرَّصيف بقايا نسيم الصُّبح البارد، يَتَهاطل الزُّوارُ من كُلِّ حَدَبٍ، يرمون بعيونهم المُرتَعِشة مبنى مستشفى الصَّدر ، افترشَت " حسنية " مكانا صَوب البوابةِ ؛ تُطالِع حركتها ، تلتمع حدقتاها في وجهٍ نُحاسيّ...
لا يتأخّر دقيقةً عن المَوعدِ الذي يضربه لنفسهِ مُتَنفس كُلّ صباح، فما إن تَنثر الشّمس خيطها تمشي مشيتها الوئيدة في أخَاديدِ الأرض ، حتّى ينَساب صَوتهُ يَسيلُ في الدّروبِ كما يسيلُ رضاب النَّدى من فوقِ أطرافِ الأشجار :" الكرات العريض النعناع البلدي "، " عبدالشافي " هذا اسمه وكفى ، أمّا بلده فلا...
ظلّ لسَنواتٍ احسبه؛ مغارة " علي بابا" ممتلئة بما يُسيل اللّعاب ، لم تكن كنوزه ذهبا ، بل شيء من مُغرٍياتِ الطُّفولةِ البريئة ، حبات الكرملة وقِطع الطّوفي وأقمَاع الجَلاّب ودقيق السُّكر المطحون ، سألت بإلحاحٍ عجائز دَربنا :" متى بُني هذا المعبد الرّصين؟" لم اظفر بإجابةٍ شافية ، تُعَاجِلني " رسمية...
قالوا إنّ فأسَه لا يَحملها إلّا ذُو بَأسٍ شديد ، منْ ارتَوى مِن حَليبِ أُمهِ، هكذا أذاعَ النّاس مُذّ تفتّحَ شباب " إبراهيم" وبَزَعَ نجمه ، يَتنَاقل عن فتوتهِ قصصا تُلهِب المشاعرَ ، وتُثير حَمية كُلّ غِطريفٍ عظيم، لا يفتأ والده يُذيع على الملأِ، وبين رواقِ السّامر حكاية فأسه العجيبة ، التي...
في تبجّحٍ أُنثوي مُستَفِزّ،تقَشعرّ مِنهُ جُلود الذين يخشون العيّبَ ، تَفجّ" أم مرسي" حشود الرِّجال المُتَراصّة فوقَ الدِّكك ، تباغِت أسماعهم بصوتٍ يُجلّجل، تُلوِّحُ بخرقةٍ اصطبغت بوهجِ الدّم القاني، تُبعثِّر النَّظرات باشّة ،تقولُ بعَفويةِ الخَبير:" وشوبش يا حبايب "، تستثير حُمرَة القماشة...
لم يكن أهل القرية يعرفون في دُنيَاهم من أُبّهةِ السُّلطِة ، وصَولجان الحكومة ؛ إلّا هذا الصُّندوق السِّحري ، له جبروتٌ ترَبّع كَصنمٍ معبود في فؤادهم ، قوةٌ تُسكَبُ كُلَّ يومٍ من فتحةٍ مُظلمةٍ داخل جدارِ بيتِ شيخ البلد ، تعبثُ فيهِ يد " سمير " البوسطجي مَطلعَ كُلّ نَهارٍ، يشبع الحَبّارة ، ثم...
في مَكَانٍ ما حيث وضَعت الطَّبيعةُ مولودهَا البِكر ، يَحبو نَحو النُّور ، بقعة ريّانة ما بينَ الماءِ ورِمالِ الصَّحراء الذّهبية، يتجلى الجمالُ كيومِ خَلَقَ الله الأرضَ وأرسى فِجَاجَها، لا يشوب الأجواء كدر من قُبحِ الحياة ، شَاء القديرُ أن تنمو تَحتَ لحافِ السّماء الفضيّ ، قصة حبٍّ خَالدة خُلود...

هذا الملف

نصوص
113
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى