عبد الفتاح القرقني - حكاية شابّ بطّال

الإهداء : أهدي هذه القصّة المتواضعة إلى ابني و إلى الشّباب الّذين يعانون من البطالة رغم مساعيهم الحثيثة للظّفر بشغـــــــــل لائق يتلاءم مع مؤهّلاتهم العلميّـــــــة و طموحاتهم العريضة .إنّي أنصح هؤلاء جميعا بأن لا يستكينوا وأن لا يحزنـوا و أن لا يستسلموا لعواصف اليأس بل عليهم أن يناضلوا فرادى وجماعات متحلّين بالصّبر والثّبات والعزيمـة والإصرار في سبيل الحصول على عمل يحقّق لهم الحرية و الكرامة و الأمن و الاستقرار و يدحر عنهم دحرا الفقر و الخصاصة و الالتجاء إلى دروب اليأس و الضّلال .

ما هذا الأرق البغيض الّذي ينتابني ناشبا مخالبه الشّرسة في روحي الّتي هي أعزّ ما أملك في هذا الوجود ؟ ما هذا السّهــاد الّذي يرهق ذهني و يوتّر أعصابـــــــي و يشتّــــت أفكـــــــــــاري و يغرّبني فأهيم في سراب يغشّيه غمام من الضباب ؟
سأسرد عليكم أيّها القرّاء الأوفياء حكاية طريفة من رحم المجتمع التّونسيّ بعد ثورة 17 ديسمبر 2010 الّتي بشّرت بالحريّة
و الكرامة و العدالة الاجتماعيّة. هي حكاية غريبة الأطوار تجيش بالمآسي فتصوّر أروع تصوير نضال شابّ تونسيّ في سبيل حياة كريمـــة تسودهـــا العدالـة الاجتماعيّــــة و الاستقــــرار حيـــــــث لا مجــــال للبـــؤس و البطالـــــة و التهميش
و الاحتقــــار و الإهانة و الإذلال في وطن أخضر هو ملك للجميـــع لا بدّ من التّعايش السّلميّ فوق ترابه العزيز دون الإحساس بالحيف و الاستبداد و القهر ، و لا بدّ من المساهمة في رقيّــــــــه و ازدهاره بعقول نيرة و أنامل مبدعة ، خلاّقـــة و سواعد مفتولة .
و نظرا لشدّة وطأة الأرق على نفسي و لهول الحرّ في شهر أوت أسندت رأسي إلى مخــدّة عالية و تمدّدت على حشيّة وثيرة في فناء مسكني التّقليديّ و أنا ساهم ، شارد الذّهن ، متأمّل الكون البهيم ، سابح في كهوف نفسي دون أن تأخذني سنة من النّوم .
منذ ساعتين توارت الشّمس خلف الشّفق الأحمر كأنّها سئمت من متاعب البشـــر و نفرت من جورهم و جبروتهم و استبدادهم و لاحت في السّماء نجوم ترسل سهاما مشرقة و قمر ينثر نوره الباهت في الفضاء فترتسم على مقربة منّي ظلال رماديّة كأنّها أشباح متمرّدة . أمّا في ذهني فقد تراقصت صور راوحت بين الشّفافية و الضّبابيّة ، جنحت تارة إلى الواقعيّة و طورا إلى الخيال الخصب الّذي يعدّ دررا برّاقة ترصّـــــع تاج الفكـــر و الأدب . تحيّنت الفرصة للبوح بما يختلج في صدري فتناولت على عجل قلمي و رحت أسرد على ورق أبيض هذه الحكاية العجيبة بكلّ تفاصيلـها و تجلّياتها من بدايتها إلى نهايتها و أنا غارق في تفكير عميق لا تفوتني شاردة و لا واردة .
كان الوقت أصيلا فاتر الحرارة مغريا بالنّزهة بعد قيظ شديد أثناء الزّوال ألهب عطشي و نزّ فيه عرقي بغزارة. مشيت الهوينى على مسلك صحيّ محــــاذ للشّاطئ و أنا منتعش بنسمات عليلـــــــــة و مسرّح الطّرف في جمال بحر ساكن ، ساكت يحاكي زرقة السّماء في لونه ، خفتت أمواجــــــــــه و حلّقت في أجوائه الرّحبة قرب السّفن الرّاسية نوارس رشيقة ، رخيمة الأغاريد تبحث عن سمكات تســـــــدّ رمقها . و حينما تتأكّد من موضعها تنزل إلى سطح الماء في طرفة عين باسطة أجنحتها كلّ البسط للانقضاض عليهـــــــــا و التهامها بشراهة .
على حين غرّة ، تناهي إلى سمعي أنين خافـــت نغّص جولتي تنغيصــا و عكّر مزاجي تعكيرا و أنساني رونق الأصيل و نفحاته و شاعريّته .
وما إن بحثت عن مصدر الأنين حتّى لمحت على بعد بضعة أمتار منّي شابّا فارع القامة يطلق من أعماقه أنّات و زفرات و آهات مسترسلة فكأنّ جبالا من الهموم ترزح فوق صدره فيجد مشقّة في زحزحتها . كان جالسا تحت نخلة باسقة ، وارفة الظّلال و على مقربة منه أطمار داخل كيس من اللّدائن و حشيّة ملفوفة في شكل كعكة بداخلها مخدّة و غطاء صوفيّ ناصع البياض في طرفيه خطوط سود . ما أشدّ لهاثه فهو يخرج لسانه و يبتلع ريقه الجافّ في عسر! . يا له من مسكين قد أدركه من التّعـــــــــــب و الإعياء و من الظّمإ و الجوع ما كاد يأتي عليه !. ها هو يستردّ أنفاسه أثناء هذه الاستراحة رويدا رويدا ثمّ يمسح بكمّ قميصه البنيّ، المرقّع في حركات رتيبة كرتابة أيّامه المفلسة عرقا غزيرا تفصّد من جبينه العابس، المقطّب. كان قمحيّ البشرة ، نحيف الجسم ، أشعث الشّعر ، غائر العينين ، زائغ النّظرات لا يحفل بي و لا يهتمّ بما يدور حوله فهو متقوقع على نفسه ، متبرّم من الحياة يبحث عن سبيل للنّجاة من ذلك القلق الّذي يســـــــــــاوره و الكآبة الّذي تنتابه . أشفقت لحاله إشفــــــــــاقا و حفّزني الفضول تحفيزا على التعرّف عليه حتّى أقدّم له يد العون قدر المستطاع تخفيفا لأوجاعه و درءا لانكساره فالْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ.
عندما دنوت منه تربّعت في جلســـــــــتي على التّراب قبالتــــــــه وجها لوجـــــــه و بادرته بالتحيّة و قد تهلل وجهي غبطة و بهجة :
- « السّلام عليك يا سيّدي ».
رفع رأسه المثقّل بالهموم رفعا ذليلا و نظر إليّ نظرات تجمع بين الاندهـــــــــاش و التعجّب ثمّ ردّ على تحيّتي بأحســـن منها :
- « و عليك السّلام و رحمة الله و بركاته » .
- « ما هذا الحزن الشّديد الّذي يستبدّ بك فـينسف آمالك و يئد ابتسامتك في صحراء شقتيك ؟ ما هذه الكآبة المعانقة نفسك ؟ ما هذه الغيوم المتلبّدة في سماء وجهك ؟ هل هي نذير شؤم تنبئ بإعصار يغرق سفن أحلامــك و يقذف بك في متاهات مظلمة داخل هوّة سحيقة ليس لها آخر أم هي تباشير خير لمطر مدرار يخصب الأرض بعد همودها فتهتّز و تربــــــــــو و تنبت من كلّ زوج بهيج ؟ »
- « لمّا مللت البطالة وضجرت من السّكون و شقّ عليّ و على أهلي الحرمـــــــــان و الخصاصة سعيت ألتمس الرّزق و أبتغي من فضل الله فشددت الرّحال إلى جزيرة الأحلام جربة . منذ الصّباح الباكر و أنا أتنقّل من حظيرة بناء إلى أخرى و من نزل إلى آخر حتّى أضناني المشـي و تورّمت قدمـــــــــــاي و تمزّق حذائي دون أن أظفر بشغل فما زالت تطنّ في أذنيّ عبارة ربّي يفتح » .
- « البطالة معضلة كبرى فهي كأفعى رقطاء تنفث سمومها في نسيج المجتمع فأغلب العائلات التّونسيّة بها شابّ بطّال له شهادة علميّة جامعيّة علّقها على الجـدار و بقي ينظر إليها في حســرة بقلب باك يكاد ينفطر فهي لم تنتشله من وضعه الاجتماعيّ المتردّي و لم تجنّبه الفاقـــة و الاحتياج . هل يمكن أن تحكي لي بإسهاب عن ظروفك الّتي تبدو ضنكة من خلال ملامحك الكالحة ؟ »
قال و على ثغره بريق ابتسامة فيها كثير من الجرأة و العفويّة و الحياء و الألم :
- « بكلّ تأكيد دون أيّ مجال للشكّ سأعرّفك بنفسي و ما عليك إلاّ أن لا تسأم من هذري فهو يمكن أن يكون مزعجا لك و لكنّه لي مثمر فهو تنفيس عن كربي و تخفيف من حدّة الملل الّذي يتملّكني »
- « هيّا فضفض و نفّس غن نفسك فأنا مصغ إليك باهتمام بالغ ».
- « اسمي طارق أصيل ولاية سيدي بوزيد . أنا شابّ متحصّل على شهادة الأستاذيّة في اللّغة العربيّة منذ أربعة أعوام . شاركت في مناظرة «الكاباس » العديد من المرّات دون أن يحالفني الحظّ . أنا واثق من أنّ تلك المناظرة هي ذرّ للرّماد في العيون ، خالية من الشّفافيّة و يشوبها كثير من الغموض و الالتباس و قد راجت أخبار مفادها أنّها تبــــــاع و تشترى بأثمان خياليّة حسب مسالك سريّة لا يفقهــــــها إلاّ الرّاشـــــــون و المرتشون و هم كثيرون في هذه البلاد الّتي تفشّى فيها الفساد .
أنتمي إلى عائلة قليلة ذات اليد متألّفة من خمسة أفراد . أبي مقعد حبيس في إحدى زوايا بيتنا الحقير يصارع مرضا عضالا فهو لا يملك إلاّ وجه الله و صبرا جميلا كصبر أيّوب يعينه على تحمّل أوجاعه . هو من المهمّشين في هذا الوطن الغالي لا يملك دفتر علاج وعاجز عن شراء الأدوية و كرسيّ متحرّك يتنقّل عليه في أرجاء الدّار أو خارجها . أمّي معينة منزليّة تشقى من طلوع الفجر إلى غروب الشّمس مقابل أجر زهيد لا يسمن و لا يغني من جوع .هو أجر متدنّ وضيع غير كاف لتأمين حاجاتنا الضّروريّة من الغذاء و اللباس . نحن نأكل ما يسدّ الرّمق دون أن نشبع و نرتدي أثواب (الفريب ) فترانا نحافظ عليها من الاتساخ و التّمزّق فكأنّها جلبت من أفخر المغازات . أختي فاطمة تقــــوم بشؤون بيتنــــا و تتكفّل بالعناية بأبي فهي اضطرّت للانفصال عن الدّراسة في سنّ مبكّــــــرة على الرّغم من نبوغـــــها و فطنتها .
أطرق طارق لحظات قصيرة و قد امتدّ شحوب وجهه و لاحت في عينيه الذّابلتين نظرة حزن عميق و يأس سحيق ثمّ استدرك قائلا و قد تحشرجت نبرات صوته :
- « لي أخ صغير يبلغ من العمر عشر سنوات يقضّي أغلب أوقاته في البكـــــــاء و النّحيب لا في الفــــــرح و الانشراح و المرح مثل أنداده . أليس من حقّه أن يبتهــج و ينشرح و يمرح حتّى الانتشاء فيطرب و تطرب نفسه ؟ هل تعرف لماذا ينتحب يا سيّدي الكريم ؟ »
ابتسمت ابتسامة صفراء ، ذابلة و حاولت الإجابة بصوت مبحوح قد امتلأ شجنا و كمدا :
- « أظنّ أنّه يشكو علّة من العلل و عائلتك لا تملك مالا لتسديد نفقات علاجه ».
- « عليّ في صحّة جيّدة لا يعاني من أيّ مرض . هو يجهش بالبكاء إذا كان لا يملك ثمن كرّاس أو ثمن الطّباشير الّذي يكتب به على لوحته... هو يبكي بكاء مرّا لأنّ محفظته هي أسوء المحافظ على الإطلاق فهي متهرّئة قد نصل لونها
و داهمتها الفتوق فكان مصير أغلب أقلامه الضّياع ... يبكي بحرقة إلى أن تحمرّ مدامعه و تخنقه العبرات لأنّ لمجته في وقت الرّاحة هي مجرّد خبز و زيتون و لمج أصدقائه متنوّعة و لذيذة : ياغــــــــــــــــرت و جبــــــــن و شكلاطة
و بسكويت و قشطـــة و أنواع شتّى من الأرغفة و الألبــــــــــان و العصائر» .
انهملت على خديّ دموع منسجمة سخيّة سخينة كأنّها الجمر فقلت مستفسرا :
- « الحمد لله الّذي متّعه بصحّة وافرة لكن هل كان عليّ متفوّقا في دراسته ؟ ».
- « نعم هو تلميذ نجيب و مهذّب يظفر في كل عام دراسيّ بالجائزة الأولـــى و جائزة السّلوك المثالي » .
إنّ هذا الخبر السّارّ أثلج صــدري فتهلّل وجهي بشرا و رقص قلبي ابتهاجا.
و استرسلنا في الحديث بأكثر عفويّة و صراحة لا نحفل لا بشمس الأصيل الّتي ذهّبت مياه البحـــر و سعف النّخيل و لا نكترث بالجوع و العطش اللّذين ينهكان جسمينا. ربّتت على كتفه تربيتا مريحا إشفاقا عليه و تخفيفا لمعاناته و لسان حالي يقول:
- « أهلا و سهلا بك في هذه الجزيرة الخلاّبة فأنت لست غريبا فيها بل ضيف معزّز مكرّم بين أهلك و ذويك و رفاقك يحفّ بك الأنس و ترافقك السّلامة و تغشاك الرّحمة . لي نصيحة يتيمة سأوجّهها إليك و هي أن تعلم أنّ أوّل الغيث قطر ثمّ ينهمر فما عليك إلاّ أن ترضى بأيّ عمل يعرض عليك المهمّ أن يكون شريفا ينتشلك من براثن البطالـة و يغيّر مجرى حياتك المتعثّرة رأسا على عقب » .
استوى طارق واقفا و همّ بالانصراف و هو يقول بصوت خافت مختلج و شبه ابتسامة مرتسمة على ثغره و بريق أمل يلوح في عينيه النّجلاوين:
- « سأناضل إلى آخر رمق من حياتي و سأبقى هازئا من العواصف و السّحــــب و الأنواء، صامدا كالطود الأشمّ لا أتقهقر و لا أنهزم و لا يدركني الفتور ».
أسند جسمه المنهك إلى جذع نخلة سامقة و أمعن النّظر في الأفق الرّحــــــــــب و كأنّه يلتمس العون من ربّ العالمين ثمّ استطرد داعيا الله في ورع :
- « يا ربّ العالمين اجعل من عسري يسرا و من حيرتي اهتداء و من ضعفي قوّة و من ضيقي فرجا و لا تخيّب رجائي فعليك التوكّل و الاعتماد فأنت المعين و أنت السّند و أنت المدد في السّرّاء و الضرّاء » .
- « ما هي وجهتك الآن لو سمحت ؟ »
- « ابن عمّي فهو يقطن بالسّواني الحارة الكبيرة سابقا ».
- « ما رأيك في الإقامة عندي هذه اللّيلة ؟ »
- « المعذرة فابن عمّي محمّد في انتظاري و إنّي لا أرى مانعا في أن أحلّ ضيفا ببيتك في يوم من الأيّام إن شاء الله » .
- « هل عندك رقم هاتفه الجوّال ؟ »
سرعان ما تذكّر وقوفه في أحد أسواق سيدي بوزيد لساعات طويلة تحت شجرة وارفة الظّلال إلى أن أقبلت فتاة في ربيع عمرها فقلّبت هاتفه الجوّال المعروض على قفا صندوق من الكرتون فساومته في ثمنه ثمّ ابتاعته مقابل أربعين دينارا هي كل ما تملك في حافظة نقودها. إنّه لاك هذه الذّكريات المريرة و اختزلها في ثوان و هو يحدّق إليّ بأجفان هامدة في صمت ثمّ نطق بكلام ينوء بالأوجاع و الأحزان:
- « اضطرّني الفقر المدقع لبيع هاتفي الجوّال و الانتفاع بثمنـه في توفيــــــــر معلوم الرّكـــــــوب و مصروف الجيب
و فيما يخصّ رقم هاتف ابن عمّي فهو محفوظ في الشّفرة مع بقيّة الأرقام الّتي أحتاج إليها كلّما دعت الحاجة إلى ذلك ».
تأثّرت بكلامه تأثّرا بالغا و شعرت بجانب خفيّ يدنيني إليه فهل هو الإشفاق الّذي أودعه الله في القلوب الرّحيمة أم هو الاطمئنان الّذي يستقرّ في النّفوس النقيّة كما يستقرّ العصفور في وكره النّاعم قبيل مجيء العاصفة ؟» .
لم أتوان عن إهدائه هاتفا جوّالا و مساعدته بما تيسّر من المال ثمّ ودّعته توديعا حارّا بالأحضان بعد ساعة مرّت بين الأحاديث المجدية و الذّكريات المؤلمة مرور ظلّ الأغصان على الأعشاب الخضراء ، النّضرة . ها قد مضى كلّ واحد منّا إلى حال سبيله قبل أن يباغته الغروب معلنا أنّ موعد الإفطار قد أزف : طارق ركب سيّارة تاكسي صفراء فاقع لونها و انصرف إلى مسكن ابن عمّه فرحا ، مرحا ، محبورا تشوبه بين الفينة و الأخرى مسحة من الأسى أمّا أنا فقد عدت أدراجي إلى البيت حائرا ، كئيبا أسير بخطوات متثاقلة و أنا أعلم علم اليقين أنّ الشّمس مشرفة على الغروب إذ لم يعد يفصلنا عن الإفطار سوى ربع ساعة أو أقلّ من ذلك ببضعة دقائق ..
ها هي الشّمس تتهادي إلى المغيب كعروس في يوم زفافها : قرص أحمر كبير امتصّ المجهول قوّته الجبّارة و حيرته الباطشة فرنت إليه الأعين في انبهار كما ترنو أعين التّائهين في الفلاة إلى عين جارية و كسرة من الخبز .
و عندما دوّى مدفع الإفطار صاح الأطفال في جلبة تعبّر عن استبشارهـــــــــــم و سرورهـــــم و هتف المؤذّن لله أكبر ... الله أكبر... » فأجبت في صوت مسموع طافح بالتّقوى و الورع : « لا إله ‘لاّ الله محمّد رسول الله » .
و في ثوان معدودة ، التأم جمع أسرتي حول مائدة الإفطار فغيّرنـــــــا ريقنا على مــاء زلال و لبــــــن طريّ و تمر كالعسل حلاوة و طلاوة و نحن نردّد في الســـــــــرّ و العلن هذا الدّعاء المأثور : : « ذَهَبَ الظَّمأ، وابتلَّت العُروقُ، وثبت الأجرُ إن شاءَ اللهُ » . و بعد أداء صلاة المغرب جماعة ، أقبل إخوتي و أبواي على الأطعمة الشّهيّة و الغلال الطّازجة بشراهة : شربة فريـــــــك و سلطة خسّ و بريك بالتنّ و سمك مشويّ و عنب و تين . إنّهم صالوا و جالوا في الصّحون حتّى تركوها بيضاء من غير سوء . أمّا أنا اكتفيت بتناول الشّربة و الغلال للتّخفيف من حـــــــدّة الجوع و انغمست أفكّر في حال طارق و قد ازدحمت في رأسي خواطر بشعة لا تبعــث على الاطمئنـــان و راحة البال . من هذه الخواطر أنّ طارقا نام على حصير بال منهكا بعد أن بلّل ريقه بجرعات ماء و أكل لقيمات من الملثوث . و من هذه الخواطر أيضا أنّ عائلة طارق التهمت عند الإفطار كسكسا في لون رمال البحر لا لحم عليه و لا خضر . كيف سأهنأ و أتّكئ على أريكتي الوثيرة ناعم البــال و غيري يتضوّر من شدّة غائلة الجوع ؟ كيف يتباهى الأغنياء بتصنيف أطعمة يلقون البعض منها في المزابــــل و ينسون العديد من المعدمين الّذين لم يجدوا ما يأكلون ؟ أليسوا من المبذّرين و المبذّرون هو إخوان الشّياطين ؟ أليسوا متكبّرين قد أعمى التّكبّـــــــــــــر و الجشع بصائرهم ؟ أليسوا عصاة قساة لا تنفذ الرّحمة إلى قلوبهم ؟ كم أودّ أن يكون المسلم للمسلم رحمة يطعم الجائعين و يكسو العارين و يكثر من الصّدقات على المحتاجين بالخصوص في هذا الشّهر الفضيل ! كيف سأنام ناعم البال ممتلئ البطن حتّى التّخمة و غيري يبيت على الطّوى دون أن ينال كريم المأكل ؟ .
مسكين طارق فهو على الرّغم من كرم الضّيافة و حسن الاستقبال من طرف ابن عمّه كان حزينا ، مبتئسا ، منهكا . تناول الأطعمة العديدة على عجل دون أن يستصيغها لسانه و شرب كأسا من الشّاي الأخضر بالنّعناع ثمّ خلد إلى النّوم على حشيّته بعد أن بسطها و سوّاها في ركن من أركان الغرفة الضّيّقة غير بعيد عن مائدة الطّعام الّتي تفصله عن سرير ابن عمّه محمّد .
أمّا أهل طارق قد جلسوا القرفصاء على حصير من الحلفاء تتوسّطهم مائدة خشبيّة زرقاء نصل لونها عليها جفنة ملأى بالكسكس و كوز لبن طريّ تحيط به أربع كؤوس و تمر و خبزة طابونة فائحة تدغدغ رائحتها الأنوف . و ما إن حان موعد الإفطار حتّى تناولوا طعامهم و شربوا لبنهم ثمّ حمدوا الله على فيض عطائه فهم لم يذوقوا لحم الخروف منذ شهر فطعام هذه اللّيلة كان فاخرا ، مختلفا عن الأطعمة السابقة من حيث الدّسامة و النّكهة . الفضل في ذلك إلى الله و إلى جارهم عبد الكريم الّذي تصدّق عليهم بفخذ خـــروف و نصيب من المال. لم تعمّر فرحة هذه العائلة و سعادتها طويلا فها هو عليّ يطلق عقيرته للصّياح ثمّ يلحّ في طلباته الّتي ليس لها آخر بنبرة حزن و قد تأرجح صوته بين خفوت و علوّ و بيـــــــــــــن غمغمــــــــــــــــــــة و صفاء :
- « أين هو البريك ؟ أين هي الشّربة ؟ أين هي المرطّبات ؟ ...»
ابتسمت أخته فاطمة ابتسامة لا لون لها لتداري أسى مباغتا عصف بها و طأطأت رأسهــــــــــا و خفضت عينيها حتّى لا يقرأ عليّ فيهما توتّرها و ضيقها الشّديد ثمّ قالت بصوت متهدّج تخنقه العبرات و هي تضمّه إلى صدرها ضمّا خفيفا و تكفكف دمعه بمنديل مثنيّ ، نظيف :
- « يا شقيقي العزيز ما هكذا تطالبنا بما يستحيل توفيره ! كفاك دلالا أيّها الأبله فأنت تعرف أنّ عائلتنا قليلة ذات اليد و أنّ الأطعمة الرّمضانيّة تكلّفنا نفقات باهظة » .
- « العفو فكلّ ما في الأمر أنّ الهواء حمل إليّ رواح التّقلية و نشيش المفليّات من ديار الجيران فرغبت في أن تكون بين يديّ بريكة لذيذة أقضمها على مهل و قد تحلّب ريقي و تأجّج لهيب جــــــــوعي » .
- « لا عليك ففي الليلة القادمة بحول الله سأعدّ لك ما اشتهيت من المأكولات و لو أدّى بنا الأمر إلى مزيد من الإنفاق و التّعب فهل أنت راض ؟»
انصرف عليّ إلى فراشه مبتهجا محبورا قد ابتسمت أسارير وجهه و التمعت في عينيه الدجاوين فرحة طافرة ، ظافرة تترجم رضاءه و صبره و حبّه الجمّ لأخته فاطمة . ها هي أمّه تجلس بجانبه على السّريــــــر و تدسّ في جيب سرواله صاعا من الحلوى ثمّ تنبري في هدهدته بصوت شجيّ رخيم و هي تقبّله في جبهته الغرّاء و خدّيه الحمراوين « ننّي ننّي جاك النّوم أمّك قمر و أبوك نجوم »
خلال السّحور ، تناول طارق و محمّد حليبا دافئا و خبزا و حفنة من التّمر و ارتويا بالمــــــاء و بقيا يتحدّثان بإطناب عن مشاغلهما فاتّفقا أن يسدّدا معلوم الكراء مناصفة و أن يقيما مع بعضهما في هذا المسكن الصّغير المتألّف من حجرة و مطبخ و بيت خلاء . كما اتفقا أيضا أن يشتغل طارق في إحدى حظائر البناء عاملا يوميّا من السّاعة السّادسة صباحا إلى السّاعة الواحدة بعد الزّوال مقابل أجرة يوميّة تقدّر بثلاثين دينارا تسلّم إليه يوم الجمعة الّذي يعدّ يوم الرّاحة الأسبوعيّة
كان طارق يعمل بجدّ و كدّ تحت سياط الشّمس الحارقة فخلط الملاط متعب و تنجير الحجارة الكلسيّة بالفأس و حملها إلى البنّاء محمّد أشقى و أشقى فالمجهود مضاعف و مضاعف .كان كلّما يتصبّب جبينه عرقا يمسحه بكمّ قميصه غير آبه به فالّذي يعنيه هو الوفاء إلى العمـــــــــــــــــــــــل و كسب مال حلال يبارك له فيه الله . و عند اشتداد القيظ كان بين الحين و الحين يبلّل مظلّته السّعفيّة بالماء لتلطيف الحرارة أو يقف في ظلال زيتونة عريقة مستندا إلى رفشه عساه ينتعش بنسائم عليلة يجود بها البحر الّذي يظهر له مخضرّا عن بعد .
هكذا كانت تنقضي كلّ أيامه في النّضال المضني من أجل كسب القوت بطريقة لم يكن راضيا عنها تمام الرّضاء فظروف الحياة القاسية هي الّتي اضطرّته إلى هذه الأشغال الشّاقّة فكما يقال مكره أخاك لا بطل.
ذات يوم قائظ لا ينسى لمّا اشتدّ حرّ الهاجرة و لفحت رياح الشّهيلي الوجوه و امتنعت الأرض على الحافــــــــــــــــــــــي و المنتعل التجأ طارق إلى زيتونة فجلس القرفصاء قرب جذعها ليبترد في ظلّها القصير بعض الوقت فجسمه يغلي غليان المرجل . ساورته هواجس غريبة و حامت في ذهنه أسئلة محيّرة أجّجت نقمته على وضعه المتردّي و على القضاء و القدر اللّذين لم ينصفاه و تركاه كالرّيشة في مهبّ الرّيح لا حول لها و لا قوّة : « هذا العمل شاقّ لن أبقى فيه طويلا فهو سيهدّ جسمي هدّا و سيفنيه إفناء ... حرارة الشّمس كانت كنار الله الموقدة تؤجّج عطشي و تلهب جسدي بسياطها المؤذية فأستحمّ في بركة من العرق و لولا رضاء أبويّ عنّي لأصبت بحمّى شديدة يعجز أمهر الأطبّاء عن علاجها و القضاء عليها . إلى متى سيتواصل وضعي المزري على هذا النّحو ؟ لو يراني أبي سابحا في هذا العرق تحت بارود الشّمس هل سيرحمني و يدعوني إلى البحث عن عمل آخر أقلّ تعبا و أقلّ مجهودا أم سيقول لي اصبر صبرا جميلا فبعد العسر يسر و بعد الشدّة فرج ؟ سبعة عشرة سنة من الدّراسة لم تفدني في شيء بل ازدادت حالي سوءا فها أنا تعيس ، شقيّ قد جفّ الرّيق في حلقي و تصبّبت عرقــــــا غزيرا مــــــــن فرط الإعياء و شدّة الحرّ فمن سيرحمني و يخلّصني من هذا العذاب البغيض و هذا الانتحار البطيء ؟ . عند القيلولة الكثير من الشّبّان المترفين الّذين يعيشون في بحبوحة من العيش نائمون على أسرّة هزّازة داخل حجرات مكيّفة فهم لا يشعرون لا بعطش و لا بشدّة حرّ
و لا بإعياء فأنا أحسدهم على هذه الحياة الوديعة المترفّهة . لم يتركني البنّاء أستسلم تمام الاستسلام إلى حديثي الباطنيّ بل استحثّني على عدم التّراخي و مواصلة العمل و على ثغره ابتسامة مرّة خير منها العبوس :
- « هيّا أسرع في مدّي بسطل من الملاط فلم هذا الترنّح و التّباطؤ في العمل ؟»
- « كلّ ما في الأمر أنّني تعبت فأنا كسائر البشر من دم و لحم فقد شقّت عليّ مواصلة العمل في هذا الحر اللافح المحرق ».
- « هل قريبا سينفد الملاط »
أجبته باقتضاب شديد و بسرعة مذهلة :
- « في العجينة ما يملأ ثلاث أسطل »
- « بعد دفائق معدودة سنستوفي هذا العمل المضني و نعود إلى بيتنا على متن درّاجتي النّاريّة لنيل نصيب من الرّاحة »
- « ما رأيك أن نعمل في الغد من السّاعة الخامسة صباحا إلى الزّوال ؟ »
- « نعم الرّأي فأنا لا أرى مانعا في ذلك فالمهمّ سلامتنا و تفاهمنا ثمّ إنّ الله لا يكلّف نفسا إلاّ وسعـــــها »
عاد ابنا العمّ إلى بيتهما ظهرا و قد أنهكهما التّعب و أضناهما العطش فاستلقيا على فراشيهما الحقيريـــــــن و طفقا يغطّان في نوم عميق صحوا منه عند آذان العصر .
إثر الإفطار ، بقي محمّد يتفرّج على المسلسلات التّلفزيّة في انتباه و تركيز مشدودا إلى أحداثها الدّراميّة أما طارق فقد غادر البيت قبيل صلاة العشاء بعد غسل ملابسه و أواني الأكل القذرة فاجتمع بالخلاّن الّذين يألفهم و يألفونــــــــــــه و راحوا يسمرون و يحتسون الشّاي و القهوة في جوّ مفعم بالمحبّــة و الصّفاء تسوده تارة ضحكات صاخبــــــــــــة ، رنّانــــــة و نوادر طريفة و ظريفة و طورا دمع ثخين و شجن بليــغ و زفرات تعجّ بالآهـــــــــــــــات . و دار الحديث حـــول الصّيام و كيف أنّ البعض من الشّباب لا يؤدّونه رغم أنّهم في صحّة جيّدة ليســت لهم أعذار شرعيّة .
قال طارق بحرقة و هو يصلح من جلسته بعد أن سحق أعقاب سيجارته في النّافضة الخزفيّة سحقا عنيفا خلّف الكثير من الرّماد :
- « الصّيام صعب في فصل الصّيف بالنّسبة للفلاّحين و العمّال لكن عليهم أن يؤدّوا هذه الفريضة على الوجه الأكمل متحمّلين العطش و العرق و الحرّ و الجوع ».
ضحك سليم ضحكة داعرة و قال دون أن يتلعثم أو يتورّد وجهه خجلا :
- « عليكم بالصّبر ففي الجنّة باب يقال له الريّان لا يدخل منه إلاّ الصّائمون » .
حينئذ تدخّل نجيب و هو شابّ معروف بين الجميع بالتّقوى و الصّدق و المواقف الحاسمة :
- « أمّا أنت أيّها الزّنديق فلن تدخل من باب الرّيّان و سوف تحاسب حسابا عسيرا على أعمالك الدّنيئة الّتي تقشعرّ منها الأبدان ».
لم يتوان هؤلاء الثّلّة من الخلّان عن القهقهة ملء أشداقهم و الهمس و الغمز و اللّمز ثمّ حدجوا سليما بنظرات ارتيــاب و عتاب و هم يشيرون إليه بأصابعهم و كأنّهم يضعونه في قفص الاتّهام أو في موقف محرج مهين .
نزل كلام نجيب على نفس سليم نزول الصّاعقة على الهشيم فاسودّ وجهه و هو كظيم و تقطّب جبينــه و اصطكّت أسنانه كالمحموم و قال بصوت متهدّج مخنوق يكاد لا يسمع :
- « اتّق الله يا رجل فهل أنا مجنون حتّى أفطر في رمضان ؟ »
- « المعتوه ليس عليه حرج فهو يأكل متى شاء أو أراد دون أن يحاسبه أحد أو أن يكون عرضـة للسّخريّة أو القيل و القال أمّا أنت ....»
لاذ نجيب بالصمت هنيهة فلعلّه كان يستجمــــــــــع معلوماته للتّشهير بنجيب و يتوثّب للانقضـاض و التحدّي ثم استطرد قائلا و هو يبتسم ابتسامة ساخرة :
- « أنت أيّها الصّديق الشّقيّ أبصرتك بالأمس في كوخ على حافة الشّاطئ تلتهم شطيرة و على مقربة منك قارورة ماء معدنيّ و علبة سجائر »
- « أنا حرّ في اعتقادي فالصّوم لا يعني لي أيّ شيء و الدّين كذلك ».
- « نسيت أنّك ملحد شيوعي غارق في وحل الماركسيّة من أعلى رأسك إلى أخمص قدمك فالدّين بالنّسبة إليك و إلى أمثالك هو أفيون الشّعوب » .
- « ثب إلى رشدك و كن رصينا و اعلم أنّه لا طائل من التّشهير بي و لا داعي من السّجال الفلسفي في مقهى شعبيّ يرتاده عامّة النّاس » .
- « أنت واحد من صعاليك هذا الزمان ... أه لو يعلم أبوك ذاك الرّجل المحافظ ، التّقيّ أنّك مفطر في رمضان سيفور فائره و يثور ثائره و تتطاير سهام الحنق في عينيه فيقدم على طردك من البيت في قسوة دون رحمة أو شفقة » .
حينما احتدم النّقاش و حمي وطيسه خشي طارق من أن تسوء العلاقات بين الصّديقين و ينشب خصام مجهول العواقب بينهما فقال قوله الفصل و قد اضطرب في قلبه فرح ضئيل لاحت من خلاله ابتسامة شاحبة ارتسمت على ثغره و بريق نور متهالك في عينيه :
- « صلّوا على النّبيّ الطّاهر الكريم فخير الخصال حفظ اللّسان فالثّرثرة تؤجّج الفتن و تثير النّعــــــــــــرات و تدنّس الأعراض فنحن ما جئنا إلى هنا للحوارات العقيمة الّتي لا طائل منها . هيّا ننغمس في لعب الورق لننسى ما فات فما أضيق العيش بدون ضحكات مجلجلة و تسلية تطرب النّفـــــــــــــــــس و تنعشها »
و في سمر آخر على غير ما كان مألوفا و بأحد زوايا المقهى ، انطوى طارق على نفسـه حزينا ، دامي القلب ، مكيلا التّهم جزافا لسوء الحظّ الّذي لم يسعفه و لم يبشّره بيوم مشرق . قبض على ذقنه العريض و عكست عيناه المتّسعتان نظرة باردة ، شاردة ليس لها آخر فلعلّه كان ينعى الأعوام الضّائعة في البطالة أو يؤبّن شهادة الأستاذيّة قبل وأدها بين وثائقه و سجلاّته داخل محفظة جلديّة بالية تذكّره بسنوات الدّراسة الجميلة في الجامعة . و ما يدريك لعلّه قد أدّى زيارة خاطفة إلى أهله على براق خياله قبل أن يرتدّ إليه طرفه متحديّا الزّمان و المكان فالمهمّ بالنّسبة إليه أن يطمئنّ على حال والده المقعد و أن يسرّي عن أمّه الكادحة و يمرح مع أخيه و أخته في بهجة يعجز القلم عن الإفصاح عنها .و هكذا ظلّ الفتى في مكانه واجما ، ساهما كأنّه صنم لا يحفل بما يدور حوله على أنّه لم يلبث أن انتحب غير جاهر بنحيبه فتقاطر على وجنتيه المستديرتين دمع شحيح . أحاط به رفاقه لمواساته و هم في دهشة من أمره فشهيق شابّ في سنّه أمر محيّر ، مثير للاستغراب . ها هو خالد يربّت على كتفه الأيمن و يكفكف دموعه في إشفاق ثمّ يهتف في أذنيه مستفسرا و شبه ابتسامة تلوح على ثغره و تكشف عن أسنان بيضاء ، نضيدة ، مرصّعة كاللّؤلؤ فوق تاج الأميرة :
- « أفق يا طارق... أفق يا طارق. ما بك لطف الله عليك ؟»
شخصت عينا طارق وانعقد لسانه لوعة و انحبس الكلام في حلقه انحباس الغيث في سنوات القحـــــــــــــــط و الجدب و انهلّ دمعه مدرارا فسارع صديقه سليم إلى سكب الماء البارد على وجهه فانتعش و قـــــــــال و هو متجهّم السّحنة ، ممعن النّظر فينا و كأنّه لا يعرفنا :
- « تذكّرت والدي المقعد منذ سنين فهو قد ضاق ذرعا من الحياة و الحياة ضاقــــــــــــــــــت ذرعا به فالدّولة لم تهتمّ به و بأمثاله من المعدمين . لا جراية و لا إعانات و لا دفتر علاج يمكّنه من التّداوي مجانا في المستشفيات فصحّته تتداعى يوما بعد يوم »
هدّأ رفيقه سليم من روعه و هو يبتسم ابتسامة عريضة :
- « من الحمق أن لا تواسي الدّولة أباك و أمثاله من المقعدين حتّى يعيشوا عيشا هنيئا يحفظ لهم كرامتهم فمن حقّ هؤلاء أن ينعموا بالحياة » .
- « رحل العدل مع الخليفة عمر بن الخطّاب فالفقير في بلادنا يزداد فقرا و الغنيّ يزداد غنى »
تدخّل نجيب لإثراء الحوار فقال بحماس :
- « ليس من باب الإنصاف أن يكون السّواد الأعظم من الشّعب فقيرا و محتاجا و حفنة من أصحاب الملايين يتحكّمون في قوته و مصيره. لست أدري كيف تطيب الحياة لساسة البلاد و أثريائها و هم يعلمون علم اليقين أنّ أغلبيّة أبناء الشّعب فقراء في حاجة إلى العزّة و الكرامة و ما يحفظ ماء الوجه فالإذلال يمكن أن يؤديّ بهم إلى التمرّد و الانتفاضة من جديد فالثّورة مازالت لم تخمد نارها و لن تخمد إلاّ بعد القضاء على منظومة الفساد و الاستبداد و الرّجعيّة »
قال طارق و هو يبتسم ابتسامة سرور و استعطاف :
- « ليس هنالك أسوء من نظام يقضي على النّاس بالانحدار إلى منزلة الحيوان و ليس يوجد أتعس من سلطة لا تضمن لي الشّغل حسب اختصاصي فأنا أستاذ عربيّة و الله يعلم بحالي كم شرّدتني البطالة المقيتة و كم أفناني التعب و الحرّ عندما رضيت أن أكون عاملا يوميّا أكسب قوتي بكدّ يميني و عرق جبيني »
- « ربّي يقدّر الخير لك و لأمثالك من أصحاب الشّهائد العليا . أنصحك بأن لا تستسلم لعواصف اليأس فعليك أن تكون كفجر الحياةِ الوضيء يداعبُه الأملُ النيرُ و أنصحك أيضا بأن لا تكلّف نفسك إلاّ وسعها فلا تحمّلها ما لا طاقة لها كالثّور الّذي يقولون عنه في الأساطير القديمة أنّه يحمل الكرة الأرضيّة على قرنه »
الحمد لله فها فقد علت وجه طارق ابتسامة حلوة و إشراق رائق و غبطة لا سبيل إلى وصفها كانت تنطق من قلبه بما لا تستطيع الألسنة أن تنطق به أو يصوّره البيان المبين. و لمّا تهلّلت الوجوه و اطمأنّت النفوس بعد اضطرابها و كلّت الألسن من الحديث انبرى الأصدقاء للعب الورق في زهــــــو و طرب .
على السّاعة العاشرة ليلا، آب طارق إلى مسكنه حثيث الخطى فحرّر العديد من مطالب الشّغل و أرفقها بنسخ مطابقة للأصل من شهادة الأستاذية ثمّ استلقى على فراشه لينصت إلى أغنية شجيّة فإذا الألحان تنساب بين خفق عود
و ترنّم شاد . يا لها من أنغام صقيلة تتعالى و تتماهى لتستقرّ في عمق وجدانه و أقصى روحه ! وقع الإنشاد في نفسه أحسن وقع فاهتزّ طربا و سرح بأفكاره بعيدا : « شوقي إلى التّدريس حتّى يردّ الاعتبار إلى شهادتــــــي و أكون مطمئنّا ، سعيدا ، راضيا عن نفسي تمام الرضا فأنا منذ سنوات بطّال مضطهد ذو عبقريّة مقبورة و حظّ متعثّر ... شوقي إلى العيش الكريم الّذي بدونه لا طعم و لا معنى للحياة ... شوقي إلى الحريّة الّتي لا يحدّها حدّ و لا تنقلب إلى عبث أو فوضى أو استهتار بالقيم ... شوقي إلى الكرامة الّتي ترفــــــــــــع من همّتـــــي و شهامتـــــــــــــي و رجولتي ». و ما هي إلاّ دقائق معدودة حتّى ران الكرى في عينيه فاستسلم إلى نوم عميق .
في الغد و عند الأصيل ، تهاطلت الهدايا و الهبات الماليّة على طارق من أهل البرّ و الإحسان فمنهم من يعرفه و منهم من لا يعرفه . فما أعظم الصداقات إذا كانت في سبيل الله لا يتبعها منّ و لا أذى ! ما أنبل الصّدقات إذا أدخلت الفرحة على الفقراء و المساكين و خفّفـــــــــت من معاناتهم ! : كرسيّ متحرّك و شاشيّة قرمزيّة اللّون للأب ... فستـــــــــان و لحاف من الحرير للأمّ ... سروال و حذاء أسود لمّاع لفاطمة ... كسوة أنيقة و محفظة جلديّة و صندوق به طائرة مفكّكة للشّقيق عليّ ... أصناف من الحلويّات اللّذيذة المرشوشة بماء الورد فمنها الكعــــــــــــك و المقروض و البقلاوة . عندما أرخى اللّيل سدوله حائكا من خيوط الظّــــــــــــــــــــــــلام جلبابا قاتما كثيفا ترشّف طارق قهوته السّوداء على مهل مستصيغا طعم ماء الزّهر فيها و من حين لآخر كان يجذب نفسا عميقا من سيجارته ثمّ يزفره سحابة رماديّة من الدّخان . و بعد نيل نصيب من الرّاحة ، هاتف طارق أفراد أسرته الواحد تلو الآخر ليستفســـــــــــــــــر عن أحوالهم
و يزفّ إليهم في بهجة خبر عودته قبيل العيد بيومين ثمّ رصّف رفقة ابن عمّه محمّد الملابس في حقيبة جديدة و هما ينشدان في طرب و حنين أغنيات قرويّة شجيّة حفظاها في عهد الطّفولة.
ما القضاء إلاّ قضاء الله سبحانه و تعالى فكل أمر بمشيئته و قدرته يصبو و يتطلّع إلى تحقيق باقة من أمانيه لكنّه لن يحقّق إلاّ البعض منها فكما يقول الشّاعر العربيّ المقتدر و العظيم أبو الطيّب المتنبّي :
« ما كلّ ما يتمنى المرء يدركـــــــه
تجري الرّياح بما لا تشتهي السّفن »
و في الخامس و العشرين من شهر رمضان ، أسفر الصّبح شاحبا كئيبا و أشرقت الشّمس بنور ربّها فأرسلت أشعّة فاترة، خائرة، متهالكة خلّفت على عباب البحر خطوطا أرجوانيّة متعرّجة تنفتح حينا و تنغلق حينا آخر و حلّقت في الجوّ طيور ضخمة لها أصوات موحشــة كنعيق الغــربان . على حين غرّة ، أبصر أحد أعوان الحماية المدنيّة على الشّاطئ الرّمليّ كوما من الملابـــس و حذاء رياضيّا فوجف قلبه و اقشعرّ بدنــــه و توجّس في نفسه خيفة من أن يكون هنالك حادث غرق راح ضحيّته شخص لا يعرف السّباحة . في الحين ، أولج يده المرتعشة في جيب سروال الدّجين فعثر بداخله على قطع نقديّة ليست ذات بال و بطاقة تعريف وطنيّة تحمـــــل اســـــم الشّابّ طــــــــارق و هو أصيل سيدي بوزيد .
على جناح السّرعة، انطلق التّمشيط على قدم و ساق في أعراض البحر على متن زوارق حثيثة . و بعد جهد جهيد و تعب شديد اهتدى فريق من الغطّاسين إلى الهالك الّذي استحال جثّة هامدة في أعماق البحر تنهش لحمها الأسماك فأخرجوه بواسطــــة عوّامة سريعة إلى الشّاطــــــــئ و أفرغوا ما بجوفه من ماء و تيقّنوا من خلال الصّورة المثبّتة ببطاقة التّعريف الوطنيّة من أنّ الغريق هو طارق .
يا له من مسكين فهو قد امتدّت له يد المنون و هو في مقتبل العمر و في أوج النّضال في سبيل تحقيق أمانيه المتعثّرة ! اللّيلة البّارحة ، بدل أن يولّي وجهه شطر المقهى خطر بباله أن يؤمّ البحر للاستحمام فيه و الابتراد بمائه المنعش فالحرّ الشّديد قد حرق جسده و هيّج عرقه فانبعثت من إبطيه روائح كريهة عجز عن التّخلّص منها بأرقى أنواع العطور .
كان الشّاطئ مقفرا على غاية من السّكون فلا تسمع إلاّ حفيف جريد تغازله نسائم رقراقة أو همس عباب ينكسر على الرّمل الذّهبيّ مخلّفا زبدا أبيــض و أصدافا مختلفة الأشكال و الألوان . سرعان ما ولج البحر الجميل و توغّل فيه دون أن يتفطّن إلى ذلك فالانتشاء خدّر روحه و أنساه في كلّ خطر يمكن أن يحدّق به و هو في غفلة من أمره . يا لها من ورطة لا سبيل للخلاص منها ! ها هو يصارع الأمــــــــــواج و الأمواج تصارعه و يغالـب القضــــــــــاء و القضاء يغالبه. يطفو تارة مستغيثا النّجدة ... النّجدة فلا يجد يدا تمتدّ إليه ، و يرسب أخرى في قاع البحر حتّــــــــــى تظنّه من الهالكيــــــن. و مازال يظهر ثمّ يتوارى ، يصيح ثمّ يخرس ، يتحرّك ثمّ يسكن حتّى كلّ ساعده و وهنت قواه و ابيضّت عيناه و لم يبق منه إلاّ يد تختلـــــــــــــــج و رأس يضطرب ينبئ بأنّه على وشك لفظه أنفاسه الأخيـــــرة . و ما هي إلاّ صرخة هائلة تنمّ عن فزع شديد حتّى رأى خيال الموت وجها لوجه ثمّ انطفأ انطفاء الشّمعة في مهبّ الرّيح و انجرف مع تيّار عنيد إلى قاع البحر .
و بعد أن قامت الشّرطة بالإجراءات القانونيّة ، استرشدت عن دار ابن عمّه فاهتدت إليه فسلّمته جثمان الفقيد . من شدّة وقع الصّدمة تزلزل قلب محمّد و غشيت الكآبة وجهه و تمايلت على سحنته المنقبضة أشباح الأحزان و انبعثت من عينيه المبلّلتين بالدّموع الغزيرة نظرات ذابلة تعبّر عن انسحاق قلبه و ظلمة صدره . إنّه في كمد شديد يتصرّف كالأبله تصرّفات مذهلة ليس له عليها سلطان : ينتف شعره و يلطم خدّيه و يقرع صدره و يصرخ بأعلى صوته : « طارق مات ... طارق مات ... زين الشّباب طارق لم يمتّع بالشباب ... كيف سأتجرّأ على إخبار أهله ؟ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ... إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ » و حينما ذاع نبأ الوفاة أقبل الرفـــــــــــاق فرادى و جماعات للتّعزية و توديع طارق الوداع الأخيــــــــــــر و المساهمة بما تيسّر من المال في تأمين نقله داخل سيارة إسعاف مكيّفة إلى موطنه .
انتظر الأهل و الأقارب و الجيران قدوم الجثمان في لوعة بالغة على أحرّ من الجمر. لا أعتقد أنّ عائلته ستعرف أسى أشدّ وقعا من هذا الأسى الّذي ألمّ بها و أفقدها توازنها و صوابها فهي ستودّع فتاها في وقت قصير و تفارقه إلى الأبد بعد مواراته التّراب في رمس مظلم و موحش داخل مقبرة القرية . ما أتعس الزّهور الّتي تنبت في الصّخر و تحرم من الظّروف الملائمة للنّموّ فهي ستذبل و تفنى دون أن تحتفل بالرّبيع أو يحتفل الرّبيع بها ! . هذا أب قد انعقد لسانه فانسكبت دموعه مدرارا متكلّمة عن عواطفه الجيّاشة فالخطب جليل لا يحتمل... و هذه أمّ تنظر إلى السّماء بعينين غارقتين في البكاء مكحّلتين بإثمد الأسى و هي تقول باستعطاف : « يا إله الكون أنعم علي قرّة عيني برحمتك و جنّتك و أنزل عليّ صبرا جميلا كصبر أيّوب » و تلك أخت صابرة على قضاء الله مؤمنة بأنّ الأجل محتوم و الرّزق مقسوم فهي كانت تخفّف من حزن والديها مستدلّة بآيات من القرآن الكريم و بأحاديث نبويّة شريفة . أمّا عليّ فقد أحسّ بقلبه ينتحب في أعماق صدره فعضّ على شفتيه متوجّعا متحسّرا ثمّ قال كلاما تزلزلت له الأرض و من عليها : « مات الّذي كان يواسيني عند البكاء بكلام لطيف رقراق و قبلات مفعمة بالودّ و المحبّة و قطع من الشّكلاطة اللّذيذة و لكنّ روحه مازالت حاضرة ، حيّة ترفرف أمامي في الأفق كالحمائم البيض . اطمئنّ يا شقيقي فأنا سأطالع ما بمكتبتك من كتب
و مجلاّت و سوف أكون بمشيئة الله أستاذ عربيّة أنيق المظهر لي كسوة جديدة و محفظة جلديّة و سيّارة فاخرة رصاصيّة اللّـــــون »
لا أظنّ أنّ عائلة طارق ستفرح بهدايا العيد حتّى و لو كانت نفيسة فهي بالنّسبة إليهم حقيرة خسيسة لا قيمة لها إذا لم يسلّمها طارق إليهم بنفسه و هو في قمّة فرحه متهلّل الوجه، منبسط الأسارير.
كيف سينقضي عيد الفطر بالنّسبة لهذه العائلة المنكوبة الّتي قوّض الموت أخد أعمدتها و خلّف في مهجتها أسى
و حسرة و سعيرا متأجّج النّيران لا ينطفئ لهيبه ؟ هل سيضطرّ الأب للعمل في الأيّام القادمة متناسيا مرضه العضال فلعلّ الكرسيّ المتحرّك سيشجّعه على ذلك ؟ سيكون الأب بين المطرقة و السّندان في وضع لا يحسد عليه : الاستسلام إلى المرض سيذلّــــــــــه و يذلّ من معه و سيزيد في هوّة الفقر و الخصاصة و يحرمه من متعة العيش . أمّا العمل حتّى و إن كان يسيرا سينهك جسمه العليل و يهدّه هدّا و لكن سيمكّنه من الإنفاق على عائلته و هو موفور الكرامة، مرفوع الهامة ، شامخ شموخ الجبال الرّواسي . هل ستحتفظ الأمّ بشهادة الأستاذيّة في اللّغة العربيّة الّتي تركها ابنها في محفظته ؟ قد تمزّقها إربا إربا كما مزّق الموت قلبها و تلقي بها في مزبلة التّاريخ فهي لم تنقذ ابنها في أحلك الظّروف و ظلّت مجرّد حبر على ورق لا حول لها و لا قوّة فكم تمنّى طارق أن يكون أستاذا أنيقا له كسوة جديدة و محفظــــة جلديّة و سيّارة فاخرة رصاصيّة اللّـــــون و لكن طاله الموت و هو في غفلة من أمره فهو بعد بضعة ساعات سيكون في كفن أبيض مسجّى على حصير من الحلفاء فوق نعش من الخشب ينتظر عمليّة التّأبين و الدّفن في جنازة حاشدة . من الأفضل أن تحتفظ أمّ طارق بهذه الشّهادة النّفيسة في مكان لافت للنّظر بالمكتبة لأنّها تعدّ مفخرة لهذه العائلة الفقيرة و كنزا لها لا تعادله كنوز الأرض فهي رمز للاجتهاد و المثابرة و التّضحية في سبيل طلب العلــــم و الرّقيّ بالإنسان إلى أعلى مراتب المعرفة . سعى طارق سعيا حثيثا أن تكون له وظيفة تنسيه في شبح الفقر و وحشيّة البطالة لكن الدّولة لم تقم بتشغيله شأنه شأن العديد من أصحاب الشّهائد العليا الّذين يعدّون بالآلاف . أيّها الشّباب الغُيُرُ على الحرية و الكرامة و التّشغيل احملوا مشعل النّضال و سيروا على درب المجد ، على درب الثّورة منتصبي القامات مرفوعي الهمم منشدين الأبيات التّالية لشاعر الثّورة أبي القاسم الشّابي :
« رُوَيدَكَ! لا يخدعنْك الربيــــــعُ
وصحوُ الفَضاءِ، وضوءُ الصباحْ
ففي الأفُق الرحب هولُ الظــــلام
وقصفُ الرُّعودِ، وعَصْفُ الرِّياحْ
حذارِ! فتحت الرّمادِ اللهيــــــــبُ
ومَن يَبْذُرِ الشَّوكَ يَجْنِ الجـــراحْ ».

تعليقات

أ
أستاذ سي عبدالفتاح:لقد قرأت جل قصصك المنشورة في هذا الموقع الرائع وأغرمت بتعابيرها القوية وباستعاراتها العفوية الجميلة الملائمة للسياق، ولا أخفيك أنني استمتعت وتلذذت بكل هذا....إلا أنني عندي ملاحظة خفيفة أود أن تجيبني عليها نحو:
[ــ الانتقال الى وصف معيشة أسرة طارق بجزيئاتها بدون أن تعايشها ،ألا ترى معي أنه من الأفضل لوتم هذا على لسان طارق؟ فلو جررت طارق في الحوار لهذا فحتما ستجعل المتلقي لايحس بتعسف الأنا بمناوراته في اقتناص أوضاع الفقراء وإسقاطها على أسرة طارق.] تحياتي أستاذي الكريم.
 
أعلى