عبدالوهاب محمد يوسف - سِفر في متاهةِ الحرمان!.. شعر

إلى/ صديقي الشفيف جداً ، أدامس ، مرة أخرى
في متاهةِ مشافهتي التي لا تخلو مِن لعانةٍ بالطبع!!


صِدقاً ، أجدني الآن ، ممتنٌ جداً إلى الحرمان ،
ذلك الحرمان الذي دفع بي نحو سحيق الأدب والكتابة!
الحرمان مِن المرأة/الجنس ، مِن المال ، مِن السعادة ،
مِن مساعدة الآخرين ، ومِن تقديم شيء جميل للحياة ، التي يعتبر الحرمان مِن أشد سماتها بروزاً .
كانت الكتابة ، عندي ؛ تعويض عن الحرمان الذي يكتنفني ، منذ أن تفتح وعي على الحياة ،
كانت عزاءً عن سعادةٍ أفتقدتها بشدة ،
وكانت عزلة أيضاً عن حياةٍ لم أقبض على جدواها!
الكتابة ، في بعض مِن معانيها ، هي بحث عن المعنى ،
بحث عن جوهرِ إنسانٍ ، وعن معنى أعمق للحياة .
وفي أكثر صورها تجليّاً ، هي بحث عن ذاتنا الضائعة ،
( ليس الأنا طبعاً ) ،وسط متاهة المُسايرة ، التي لم نزل
ننساق معها بلا وعي أو بوعي منّا .
بالطبع ، رغم أن الكتابة قد تكون في كثير أحيانٍ ، رحلة بحثٍ مضنيٍّ عن الذات ، ولكن قطعاً ، هي ليست كتابة موجّهة نحو الذات ، هي كتابة مِن أجل الآخر ،،،
هي إبحار نحو الخارج لا الداخل!
وبذا يكون ، المبرر الساذج الذي فيما معناه ، نحن نكتب لأنفسنا أو مِن أجل أنفسنا ، هو مبرر مردود .
ومِن الصحيح أيضاً ، أن ذلك لا ينفي ، بأننا في بعض فتراتنا الكتابية ، نكتب مِن أجل أنفسنا فقط .
وبما أن الإنسان ، دائماً وأبداً ، في حاجة ملحة إلى محفز أو دافع قوي جداً مِن أجل فعل أمر ما ، أي يكن ذلك الأمر ؛ كتابة ، حب ، أو حرفة يدوية ، فإنه بغياب ذلك الدافع قد لا يستمر طويلاً في فعل ذلك الأمر ، لأن المجانية/ اللا مقابل ، هي تنافي نزوات الإنسان!
الكتابة هي حالة كليّانية لا فردية ، الكل وليس الجزء .
نكتب ، لأننا نريد أن نقول شيئاً للآخر ،
أن نعبّر عنه ، حتى ولو مِن خلالنا ، أن نجده فينا .
كل شخص في الحياة لديه شيءٌ يريد أن يقوله للعالم
شيئاً خاصاً وعاماً في آن ، شيئاً يرى فيه التفرّد ،
يرى فيه الخصوصية ، وصور الآخرين كذلك .
الكتابة هي لوحة تزخر بطيفٍ مِن الألوان ، لا سطوة فيها للونٍ على الآخريات ، وهُنا تنبع جماليتها .
لا أحب الذين يختزلون الكتابة في الذات ، ومِن أجلها ،
فهي ليست كذلك بأي حال!
ذلك الإختزال ، بالنسبة لي ، ما هو إلا ضرب مِن الشطط ، وتسويغ بليد للوهم والخديعة .
بل هو في حقيقته تسويق لأدب رديء جداً مِن جهة ،
ومِن جهة أخرى ، تسويغ لفردانية سالبة وسافرة .
للأدب ، وكذا الكتابة ، غاية نبيلة جداً؛ روحية ، عقلية
وجودية وجمالية وأخلاقية أيضاً .
لا يجب أن يحيد الأدب عن الطريق ، أي غايته .
وبما أن الكتابة هي نتوجاً وتعبيراً للأدب ، يجب عليها ،
هي أيضاً ، أن لا تحيد عن طريقها وغايتها .
يجب أن تكون الكتابة موجّهة نحو هدف أو غاية ،
وليست ضرب مِن سراب أو حرث في الفراغ!
الكتابة العبثية ، أي التي لا غاية لها ، التي لا معنى لها ،
هي أشد أشكال العدمية قتامةً ، هي عدميةٌ سالبة!
هي جنوحٌ نحو الهاوية ، قفزٌ في الجحيم ،
هي موتٌ مؤلمٌ جداً ، موتٌ لا جمال فيه!
لكن هذا لا ينفي بأنني عدميٌّ لعينٌ ، لا قطعاً ،
فأنا عدميٌّ ومتشائمٌ أيضاً ، بل وكلبيٌّ أيضاً!
ولكنّي عكس هؤلاء العبثيون الأنذال ، الذين يبيعون الناس بضاعة الفردانية الفاسدة ، التي لا تصلح حتى للرمي إلى مكب نفايات مِن أجل التدوير!
نحن الآجيال الجديدة الذين وجدنا أنفسنا في غفلة منّا داخل سفينة البشرية المثقوبة ، في لج الأمواج التي تتلاطم وتهدر بلا توقف ، والبحر الذي ينذر بالغرق ؛
في خضم هذا المأزق الوجودي ، وهذا المصير الذي يكتنفه المجهول ، علينا أن ننزع نحو عدمية جديدة ،
عدمية أكثر إشراقاً وأقل قتامةً ، عدمية خلّاقة!
عدمية لا تزال تحاول معالجة ثقب السفينة المنكوبة ،
مِن أجل إنقاذها ، والركّاب الذين على متنها .
عدمية لم تستنفد بعد ، ولم تفقد ثقتها بالكامل ، في هذا الإنسان الخرائي ، الذي بحاجة إلى تطهير وتعقيم ، حتى يغدو إنساناً جميلاً يصلح للحب والحياة!
لستُ مخبولاً يرزح تحت وطأة جنون سافر ، يحلم بعصا موسى ، قطعاً ، لستُ كذلك البتة ،
لستُ متفائلاً ، كفتاة عادية ، تحلم بفارسها المِقدام ،
لكنّي لا أزال ، أرى بصيص أمل في إنقاذ السفينة مِن غرقها الوشيك ، أو على الأقل الموت على الضِفاف!
أنني أكتب لهدف ، لغاية ، أكتب مِن أجل الإنسان ،
رغم أن ثقتي فيه قد اهتزت بصورة مخيفة جداً ،
ولكنّي أكتب مِن أجله ، ومِن أجل الحياة أيضاً ،
أكتب مِن أجلنا ، ومِن أجل الأجيال الآتية .
يتخللني بعض التشاؤم ، في أوقات متقطعة ، وذلك لأنني أعرف أو أتوهّم " بأن تغيير العالم عبر الكتابة هو فعل ميؤس منه ، بل حرث في المحيط ، ليس إلا " .
ولكنّي لا أزال أكتب ، كما مِن قبل ، أو ربما بصورة أكثر عمقاً وصدقاً وتشاؤماً أيضاً ، لكنّي بشغفٍ أكتب!

28/11/2019


عبدالوهاب محمد يوسف ( عبدالوهاب لاتينوس)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى