محمد علي يحيى "سيزيف" - ما تبقى لي من الحياة..

في الصباح
قبلما تروِّج إذاعة أمدرمان أكاذيب الصباح
لترويع الفراشات في الحديقة الخضراء
دعيني أحبك!.
في المساء
عند الثامنة بتوقيت غرينتش
قبلما تطل دودة التلفاز
لتقرأ نشرة الأخبار عن سقوط قتلى و جرحى
في انفجار قنبلة بقرية خضراء
دعيني أحبك.
تعاليْ ..
تعاليْ أيتها الخفيفة
مثل نسمة باردة في الصباح
ادخلي هنا ..
في المسام مثلما يخترق الماء التراب ..
تعاليْ هنا،
على قلبي
الذي أعددته لك منذ أعوام..
الأعوام الخوالي
حين كنا نلعب"البلي"مع الأطفال
و نرقص على إيقاع الطبل
ثم نغني مع الطيور:
"يا طير غنّي غنّي".
من خلف السماعة الهاتفية تسألني الآنسة سين:
أتُحبُّني؟!
مثلما قصف الأمريكان هيروشيما
و تعاون الجار مع الأتراك على الاستعمار..
وسقط قتلى في دارفور
برصاص النظام
تسألني الآنسة"سين" و قد نفد صبرُها:
"تتعمد الهروب مني.. اه قد خيبت ظني.."
الخيبة يا صغيرتي
أن أشتري جوز حذاء لقدم واحدة
قدمي التي التهمها قنبلة غرنيت جائعة
ألقتها يَدُ جنديٍّ شقي..
العالم يا عزيزتي توقف منذ مدة
عن زراعة الحدائق و القهوة و الحقول
في الأمس قرأت:
"أمريكا تصنع سلاحًا قادرًا على تدمير قارة إفريقيا"
آهٍ يا صغيرتي
لم يتبقى ثمة جمال هنا
سوى عينيك
و صوتِكِ الذي كلّما شعرتُ بالخوف
ارتديتهما مثل تميمة بيضاء..
تعاليْ نجلس سويا
نتبادل القُبلات
و الحديث
نرسم على وآدي قريتنا
خطى أقدامنا العارية ..
تعاليْ أيتها الموسيقى
يا رقصة التلغو الهندية
يا زهرة حديثة النمو على جُثَّةِ قريةٍ مقصوفة
تعاليْ مشيًا على الأقدام
لا تركبي المواصلات
كي لا تموتي بحادث سير.
لا تاتي بقارب
كي لا يسيل لعابُ القراصنة عليك..
لا تأتيني بطائرة أيضا
كي لا يخطفك الملائكة
في السموات
و تقعين ضحية الشبه بالحوريات.
تعاليْ كما يأتي المطر إلى الحقول
الحقول المحبولة قمحاً و خضار
تعاليْ شفَّافة مثل رصاصةٍ على صدغ البشير..
كيف لا أحبك أيتها الآنسة
أنا الذي دست الآن على لغم لعين
و لا أرى في حضرة الموت شخصا سواك!.

# سيزيف

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى