مصطفى الحاج حسين

* ناصية الاغتراب.. كانَ إسمكِ صارية أيامي أبحرتُ خلفَ أمواجِ دمي وتوغَّلتُ في احتباس نزيفي أرنو إلى عطشٍ يروي احتراقي ناشدتُ شبابيكَ الظّلام أترعتُ في صحارى المدى وأنا أصفّقُ لشطآنِ النّضوب عاشرتُ الموتَ ألفَ عامٍ لأقترب من بوّابةِ صمتكِ المهتوك وحملتُ الجّحيمَ في بُحَّةِ شروقي وصارَ السّرابُ...
* القلم كائن مشاغب في يد الكاتب والشاعر مصطفى الحاج حسين، فهو لا يدعُكَ تتركُ حرفاً يغيبُ عنكَ إنْ أنتَ أردْتَ أن تقرأ شيئاً ممّا يسيل من أجله. فالحروف تتقافز، والحركات تتراقص، وعلامات الترقيم تُزاحمُ بعضَها بعضاً، فتدخل النصّ ولا تتركه إلاّ بعدَ أن تمرّ عليه كلّه؛ فمهما كنتَ في حالة تعب...
مصطفى الحاج حسين. مجموعة قصص: (الإنزلاق) * الإنزلاق.. ما إن وصلت الحافلة، حتّى تدفقت جموع الركاب للصعود من كلا البابين، ثمّة عدد من الفتيان الأشقياء، تسلٌقوا أطرافها وتسلّلوا من نوافذها. اتخدت مكاني في المنتصف، وقد أمسكت يسراي الكرسي، المشغول بامرأة ورجلين، و كانت يمنايّ...
* لَبَنُ الجَمرِ.. ...بَلْ كَانَ النَّهرُ يَتَدَفَّقُ مِنْ رَمَادِ نَزِيفِي والضَّوءُ يَدلُفُ مِنْ ثُقُوبِ وَجَعِي إلى عُمقِ المَوجِ الخَشِنِ يَدِي على السَّحَابِ الأجرَدِ تُضَمِّدُ لَهِيبَ الأفُقِ والنَّدى يرسُمُ لِلفَجرِ الدُّروبَ والشَّمسُ عَالِقَةٌ في خَوذَةِ العَسكَرِ مَوتٌ يُسَابِقُ...
* خاصرةُ النّشوة.. أحاولُ أن لا أظهرَ ما عندي من حزنٍ بعدي أتمسكُ بأذيالِ الوقوفِ وما زلتُ أوزعُ على لغتي الأجنحةَ وأخفي في سرداقِ غصتي بكاءَ أقفاصِ الخطا اللائبةِ تنوءُ لهفتي بأثقالِ دهشتِها وتموءُ الهواجسُ في دمي أبحثُ عن فضاءٍ بحجمِ الخيبةِ وعن أرضٍ تتسعُ لأوجاعي رماني الأفقُ بأسوارِهِ...
أعلنت وزارة الترببة مسابقة لتعيين مدرّسين للّغة العربية، فسارع "تحسين" وقدّم أوراقه.. لقد مضى على تخرّجه سنتان وهو دون عمل. كان عليه أن يخضع لفحص المقابلة في العاصمة،وحينما عاد كان متفائلاً ، لأنّ اللجنة الفاحصة سرّت من أجوبته، ومما ضاعف من سروره، إعجابها بقصيدته التي ألقاها على مسامعهم.. ذلك...
* عناقيدُ البهجةِ.. حينَ لامستْ روحُكِ أدغالَ تشرُّدي تفجَّرَ نبضي بالمدى المعطَّرِ تفتحتْ آفاقُ أمواجي تدافعتِ البروقُ في دمي صارت لغتي حمماً منْ ندى وتدلَّتْ عناقيدُ البهجةِ من آهتي السّحابُ يتوغَّلُ في ترابي الضّوءُ يستحمُّ بأنفاسي الكونُ أخذَ يتوسَّعُ بحنيني الشّمسُ انصهرتْ بقبلاتي...
أكفَّن انتظاري وأدفن وقتي وأشيّع نبضي وأمشي في جنازة أحلامي حاملاً دمعتي إلى مثوى بسمتي المسفوحة الأفق والمثقلة أقدمها بالدْروب وأنا أضجُّ بذاكرةٍ يقضمها الفأر ويصقلها ساطور النّسيان أنا جثّةُ الماء رفاة النّسمة رميم الشّعاع تراب الصّعود وبرق الزّوال أمسكتني الفواجع من ياقة دمي ومعصم صوتي وأذيال...
أسكنُ موتي كفني عقاربُ السّاعةِ والزّمنُ ترابٌ الشّمسُ عظامُ النّبضِ والرّيحُ وتدُ الذّكرياتِ يؤرجِحُني الدّمعُ يغطّيني الخوفُ وينهشُني القلقُ ويقرأُ الجدارُ اخْتناقي أنا خرابُ النّدىٰ رمادُ البسمةِ نعشُ الوردِ ودربُ الانْهيارِ يتسلّقُني السّقوطُ يدقُّني الوجعُ وتسابقُني الهاويةُ إلى قِـمّةِ...
صوّري لي قبرَكِ لأصوّرَ لكِ قبري أحسدُكِ أنا لقد مِتِّ في بلدِكِ وأنا دُفِنْتُ في بلادِ الاغترابِ هنا الميّتون لا يكلّمونني لا لأنَّهم يجهلونَ لغتي بل لأنهم كانوا منذُ البدايةِ غيرَ مرحِّبين بلجوئي إليهِم أنتِ محظوظةٌ حتماً لكِ أصدقاءٌ في المقبرةِ وكلُّ الأمواتِ يتْقِنون لغتَكِ حدِّثِيهِم عنّي...
قتلي ليس صعباً بإمكانِ أيِّ مسلحٍ سلْبُ حياتي وممكنٌ لأيِّ غادرٍ أنْ ينتصرَ عليَّ بطعنةٍ مباغِتةٍ بظَهري ويستطيعُ كلُّ مَن كان مسنوداً التّخلصَ منّي بطرفةِ عَين وقد أموتُ بسببِ سوءِ فهمٍ لغبيٍّ أحمقَ كنتُ أريدُ له الخيرَ ما أسهلَ أن يقتلَني الجاهلُ وما أسرعَ أن أموتَ على يدِ حاسدٍ أو غيورٍ...
تحتَ أنقاضِ حزنِنا لا نعثَرُ على دمعةٍ حانيةٍ تنتشلُنا كلُّ مَن يعنيهِ أمرَنا ماتَ وبُتِرَت روحُهُ لم يبقَ حولَنا إلا قَتَلةٌ ومحتلٌ بحاجةِ أرضِنا وفي عوزٍ إلى بحرنا َولهُ مشاريع في سمائنا ونحنُ لامكانَ ليدفنوا تاريخِنا ولا ندري بأيِّ مكانٍ نركنُ أونكْمِلُ موتَنا دونَ أن نعوِّقَ المنتصرَ...
أعترفُ لكم يا حكامَنا بخيانتي فأنا مثلُ أبي أحبُّ فلسطينَ مثلَ أمي أتمسَّكُ بشرفي مثلَ أخوتي لا أبيعُ وطني وقد تكونُ خيانتي لكم إيمانَ جَدِّي بعزّةِ العروبـةِ نعم.. خنتُكم وأفتخـرُ فما عادت سجونُكم ترهبُني ولا اسْمُ كلابِكم يدبُّ الذعرَ بقلبي خنتُكم.. وهتفتُ لغَـزةَ خنتُكم.. وتعاطفتُ مع أهلِها...
من صمتِكم نستمدُّ الهلاكَ حكامَ رقابِنا الجبناء تزرعون الموتَ في حقولِنا لينهشَ العدُوُّ بيادرَنا وراياتُكم ترفرفُ بدمِنا وتزيّنُ أوسمتُكمُ الأشلاءَ حكامَنا والبغيُ مسارُكم شعارُكم أن نولدَ ونموتَ أذلّاءَ تصفِّقُ لكم دموعُنا وحناجرُنـا المقطوعةُ تهتفُ لكم بدوامِ البقاء نحنُ أمّةٌ أكلَها...
أصابعُكِ المثمرةُ بالهمساتِ والمورقةُ بالمدى والممطرةُ بالنّدى والمتدفّقةُ الضّوءِ ترسمُ على صفَحَاتِ قلبي أناهيدَ الدّروبِ لتمضي أشرعتي صوبَ القبلةِ الطّافحةِ بالشّطآنِ وبالمرجانِ الحميمِ تنثالُ الأغنياتُ من أصابعِكِ تتهادى أعاصيرُ البوحِ ويتدفَّقُ رحيقُ الابتسامةِ عذراءَ النقاوةِ طاهرةَ...

هذا الملف

نصوص
275
آخر تحديث

كتاب الملف

أعلى