فتحي عبد السميع - الإبريق ورنّة الخلخال.. شعر

إلى فلاية كنت أضعها أمامي عيني
وأنظر إلى الشمس عبر ثقوبها الطويلة



سقطَ الجدارُ الطينيُّ
فتناثرت من شقوقه المهشّمة
خصلاتٌ من شعر أمّي
جمعناها في كيسٍ
وألقيناها في النيل.

تجلسُ بين طيورها المنزليةِ
وتسرّح شعرها
قماشةٌ بيضاء على حجرها
وشمسٌ حانيةٌ ترفرفُ حولها .
لم تكن أمّي بحاجةٍ لما هو أكثر
من ماءٍ وفلّايةٍ
لتجدّد أعيادها.

أسنانُ الفلّايةِ حادةٌ
وكثيرًا ما تخدشُ الجمجمة
يؤلمني وجه أمّي وهو ينقبض
تؤلمني صرخاتها الصغيرة
وهي تهوي إلى سابع أرضٍ
دون أن يسمعها أحدٌ.
لكنّ أمّي مدرّبةٌ على احترام القسوة
والصبر على تعثّر الفلّاية
في الشّعر المنكوش.
ينقبضُ وجهُها كثيرًا
لكنها تؤمن بالتحولات
وها هي الفلّاية
تصابُ بعدوى شعرها الناعم
وتصير ماءً.

يبدأ العيدُ
حين تلين مشية الفلاية
وتدخل الشمس بين أسنانها الرقيقة
لتشربها الجذور.
تبالغُ أمّي في تسريح شعرها
وهي تغنّي لرنّة الخلخال
أو لإبريقٍ على الباب
تغنّي وتنظر
بين آونةٍ وأخرى إلى طيورها
طيورها مرآتها .

ثمًةّ فرحة تسري في البيت
وهي تجمع الشّعرَ المتساقطَ
كما تجمع البيضَ في طرحتها
أو تحمل الكتاكيت في مهدٍ من الجريد

لا تتركُ شعرةً على الأرض .
بحرصٍ بالغٍ
تنزع الشّعرَ المتراكمَ في الفلاية
تلفّه في حجابٍ
وتدسّه في شقٍ
تخاف من خطوةٍ شريرةٍ
تمرُّ فوقه وتجلب الصّلع.
لا تحرق الحجاب
حتى لا تعلق في ضفيرتيها إلى الأبد
رائحة الشياط.
يمكنها فقط
ترك الحجاب في النيل
ليظلّ شعرها عفيّا وناعما.



* من ديوان «أحد عشر ظلا لحجرٍ».


موقع ك ت ب

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى