بدوي الدقادوسي - حين بكت سيارتي.. قصة قصيرة

تحول الأمر لشرخ يصعب التئامه.وترك ندوبا على وجه علاقتنا الأسرية زاد من دمامة وجهها. البداية همس بين ابنتيّ.سرعان ما تحول لصوت عالٍ.يطالب بضرورة تغيير هذه السيارة نشعر بالإحراج أمام أترابنا اللواتي يركبن أحدث الموديلات. تساءلوا في استنكار ممزوج بالعجب: لم تصر على الاحتفاظ بها؟ حين تكون الإجابة صعبة الفهم لبعد المسافة بينك وبين السائل يكون الكلام ثرثرة تزيد الهوة اتساعا . كيف أحدثهما عن ارتباط وعن عشرة.كنا نخرج والحزن رفيقنا أشكو لها فتصغي بألم وشفقة نجوب الشوارع ينبعث منها صوت فيروز حتى أفرغ شحنة همي نعود هي تتألم أسفل البيت لأجلي وأنا أتألم أعلاه .صحوت من شرودي على صوت أمهما تقول في لهجة ساخرة : أبوكم يعشق القديم ولاتهون عليه العشرة . عشرون عاما تحملني لحيث أشاء ومتى أشاء لاتمتنع ولا تتمنع مهما كانت ظروفها الصحية . حين اصيبت بنزيف يصاحب دورتها الشهرية يستمر لأسا بيع وهنت وضعفت همس صاحبي في أذني :لم لاتتزوج؟ نظرت إليه في دهشة :وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ وهل يكون جزاء من تفانى في خدمتي حبا أن أبيعه لأن به علة لايد له فيها؟ أشعر بغيرتها حين تمرق السيارات الفارهة الشابة مسرعة تتهادى بأضوائها الباهرة وكشافاتها الامعة ومؤخرتها الانسيابية فما يكون منها إلا أن تنتفض في رشاقة ابنة العشرين ترفل في وشيها كأنها خرجت من مصنعها بالأمس وحين تتساقط السيارات الجديدة على جانب الطريق وقد نّحاّها راعيها جانبا ورفع غطاءها بحثا عن عطبها وطلبا للمساعدة تنظر لي بسعادة وفخر فابتسم وأبادلها النظرات باعتذار صامت . اليوم وفي رحلة عودتنا من خروجة نهاية الأسبوع تخطى الأمر مرحلة الشجب وانتقل لحيز الإضراب فلقد رفضت البنتان الركوب معي وركبن مع صديقتهما سيارتها الجديدة المكيفة. أصبح لزاما عليّ أن أخرج اليوم على الشعب بقرار حاسم لأن صمتي يزيد الشرخ اتساعا فإما أن أذعن أبيع إرضاءً للشعب أو أعلن التحدي . على العشاء كانت الأيدي تمتد في تراخي وزهد وشرود وصمت قطعت الصمت بقولي: سأبيع السيارة غدا وأدفع ثمنها مقدما لسيارة جديدة والله المستعان على الأقساط الشهرية .سمعت دوي التصفيق والهتاف منبعثا من ميدان التحرير .. في الصباح حاولت تشغيلها لم تدر .تعلوها الأتربة وكأنها موؤودة .ذهبت لمن طلبها ...ركبها فتح غطاءها دار حولها ثم اعتذر وانصرف . جلست أمام عجلة القيادة في ذهول مهموم شارد جربت إدارتها فدارت كان صوتها حزينا .انطلقت بها للورشة طلبت منه ترميمها وتنجيد فرشها .التمس مني أن أمهله يومين . الولاد في البيت يعدون الساعات في انتظار السيارة الجديدة .تسلمتها في الموعد كانت تلمع كأنها عروس خرجت من (الكوافير)توقفت أمام مول ضخم تأملت الفاستين والأطقم الداخلية وقمصان النوم الزاهية اشتريت مجموعة أطقم ذات ألوان زاهية عدت للبيت تأمَلَتها فقالت لي :تخيّر لي أنت طقما أرتديه خرجتْ من الحمام صعب أن تعرف انها هي.رشيقة ينساب شعرها الجميل عادت عشرين عاما للوراء وفي الصباح انطلقنا جميعا لم يصدقوا أن هذه سيارتهم القديمة.


من مجموعة الرجم على اعتاب الحياة/ دار النابغة للنشر والتوزيع


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى