جميلة شحادة - هدية الفالنتيْن..

غامتِ الأشياء أمامها، وخيَّم الصمت على الغرفة لفترةٍ قصيرة من الزمن، بعد أن سمعت الطبيب يخبرها وزوجها بنتائج التحليلات المخبرية، وبما أظهرته صور الأشعة السينية. تنبَّهت منار لصوت زوجها وهو يسأل الطبيب بصوت تخنقه العبرات، تلك العبرات التي لمعت في عينيه العسليتين، وكادت أن تنهمر على خديْه.
- وما العمل الآن؟ هل ستُجرى عملية جراحية لاستئصال الورم؟ سأل ماهر الطبيب بصوتٍ خفيض، وكأنه يسأل نفسه البائسة.
- لا بدَّ من القيام بذلك. أجابه الطبيب، وتمهل قليلا قبل أن يتابع كلامه:
- لكن المشكلة لا تكمُن بإجراء العملية؛ وإنما بإيجاد متبرع.
في اليوم التالي، ذهبت منار الى الشركة التي تعمل فيها سكرتيرة. توجهت مباشرة الى مكتب مديرة الشركة ومالكتها، وقدمت طلب إجازة لها من العمل لمدة شهر.
منار، امرأة لم تتخطَ الثلاثين من عمرها. وجهها رائق القسمات من غير سوء، ممتلئ من غير سمنة. جسمها بين الطول والقِصر، وبشرتها حنطية. ورغم الصداقة التي تربطها بتالا، مديرة الشركة ومالكتها، منذ ايام الدراسة الثانوية، إلا أنها لم تخبرها عمَّا كان في أمسها. لعلها لم ترغب بأن تفسد على تالا فرحتها وهي تحدثها عن أي الهدايا التي عليها أن تختار لتفاجئ بها زوجها بعد أسبوعين، في "الفالنتاين دي"، أو لعلها أرادت ان تتحاشى عاطفة الشفقة التي قد تبديها تالا تجاهها وتجاه زوجها وأسرتها، منار، ما كرهتْ شيئا في حياتها مثل كُرهها لشفقة الآخرين عليها. منار، نشأت في حضن عائلة غير ميسورة الحال، الأمر الذي حال بينها وبين متابعة دراستها للمحاماة، ودفع بها الى سوق العمل في سنٍ مبكِّرة. فبعد تخرجها من الثانوية ذهبت لتعمل موظفة في شركة والد صديقتها تالا، كي لا تثقل على كاهل عائلتها وتزيد من عبئها الاقتصادي. فمنار قد تميّزت عن بنات وأبناء جيلها بتمسكها بعزة النفس، وبتمسكها بالمبادئ والقيم الإنسانية. وبعد سنتين من العمل، تزوجت منار ممَّن هواه قلبُها.
بدأ مشوار منار الشائك والمضني في بحثها عن حل للمشكلة التي وجدت نفسها وأفراد أسرتها فيها، وبدأ مشوار تالا في بحثها عن هدية لزوجها لتفاجئه بها في الفالنتين دي. عاشت منار أياما صعبة ما بين مرافقة زوجها الى العيادات الطبية والمشافي، وما بين حيرتها وقلقها على مصير زوجها وابنيْها. أما صديقتها ومديرة عملها، تالا؛ فعاشت أياما لا تخلو من الفرح ما بين الترقب لتسلُّمها هدية زوجها في الفالنتين دي، وما بين تنقلها بين المتاجر لانتقاء هديةٍ له، تليق بعنصر المفاجأة.
وأشرقت شمس الرابع عشر من شباط لطيفة، ناعمة. واخترق ضوؤها النوافذ، وراح يغازل أهداب النائمين ويوقظهم ليشهدوا نهارا مليئا بالدفء والمحبة وبهجة العشاق بيومهم، الفالنتين دي. غير أن هذا الضوء، احتجب عن غرفة منار وتالا بانسدال الستائر البيضاء والمعقمة، والتي تفوح منها رائحة الكحول. لقد رقدت منار في سريرها بعد أن تبرعت لزوجها بإحدى كليتها وأعادت له الحياة، ورقدت تالا في سرير آخر، وهي تعاني سكرات الموت نتيجة إصابتها بحادث سير، كانت قد تسببت به وهي تجرِّب قيادة مركبتها الجديدة، والتي أهداها إياها زوجها قبل يوم فقط، من يوم العشاق، الفالنتين دي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى