صابر رشدي - كرسي على المقهى

المقهى مزدحم، الكراسي الموجودة بالشارع تغص بالزبائن، بينما هو يجلس بعيدأ، منزويا في أبعد نقطة، وحيدا، ومندمجا في متابعة العالم حوله بنظرات ساخرة. عندما رآني قادما، أشار لى حتى آراه، دائما ما يكون بجواره مكانا فارغا. إنه يوفر على حيرة البحث عنه بين البشر المتواجدين هناك.
كان يطالع رواية لأحدهم، تعلو ملامحه تلك الابتسامة المشحونة بكثير من المعاني التي عليك تفسيرها، فهو لايورط نفسه في تاويلات صريحة وجارحة.
- هل قراتها؟ سألني.
- ليس لدي وقت لإضاعته، العمر قصير. أجبته.
- ستندم كثيرا، إنها الرواية التي فاق عدد من كتبوا عنها عدد من قرأوها!
هاهو يوجه أولى ضرباته اللاذعة، لقد صك العبارة التي ستلاحق الرواية وترافق مسيرتها اذا ما جاءت سيرتها على الألسنة، كتمت ضحكتي، إنه الشر الجميل الذي يتصف به، تكسير عظام بكلمات قاصدة ومقتصدة، يصعب ان تغيب في النسيان أو يقوم أحدهم بتحويرها.
الراوية كانت لواحد من هؤلاء الذين يديرون مكاتب الصحف الخليجية. والتي تعطي مكافآت مجزية مقابل النشر فيها. يستغل المسئول ذلك حتى الثمالة. بداية من إكراه من يسلمونه نصوصهم للنشر على متابعته على السوشيال ميديا بالإعجاب والتعليق والمشاركة. و توجيهم لكتابة المقالات عن أي عمل أدبي له وإلا امتنع عن التعامل معهم.
- المشكلة انه يصدق مايدبجونه عنه. قال.
- العوز قاس يا صديقي. قلت
على أي حال، هذا نموذج سائد، فهذا الكاتب ليس وحده من يقوم بذلك، فهى ظاهرة مؤسفة، لكنها لم تشفع لأحد.
لقد القى الرجل القنبلة ثم توارى بعيدا عن التفجير وعن الدخان، تكفيه البدايات، سيستمتع بمسارات الحكاية، كأنه ليس مخترعها، يتابع الثرثرات كمواطن طيب، وقد يتمادى في الدفاع عن الرواية بطريقة مستفزة. حتى يخرج الإنفعالات الكتيمة، ليصطاد المنافقين ويعرف من هوالجاهل ومن هوالمثقف.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى