مجدي جعفر - حكاية الولـد والبنت..

لم يدُر بخلد الولد أبداً - أن البنت قد تضيق به يوماً - لأنه يختلف عن بقية الناس ، وأحبته ، هكذا قالت له منذ زمن بعيد ، وأضافت وهما في ناديهما الأثير المطل على النهر ، أنه ملأ قلبها حُباً وحياتها همساً وفرحاً وعطراً وأهداها الولد ورداً وفلاً 0
في دفاتر الشعراء غاص الولد يبحث عن دُر الكلمات ، وفى كتب التاريخ سافر ، ولأن الولد شاعر 00 كان 00 بادي القلق ، بادي التوتر ، مهموماً ، قالت له البنت ذات مرة : أحببتك لأنك شاعر ومميز ، تحمل في قلبك الصغير هموم العالم، ولأن الولد كان كثير التجوال في جذور الأحداث ، باحثاً عن الحقيقة ، والبنت حلوة وشهية ،طرية وندية ، هامت وجداً بالولد، وسبحت في عذب كلماته 00 وحلقت بجناحيه في دنياه الوردية ، وتمنت لو تبقى في دنياه لا تغادرها إلا لآخرة تلقى فيها الله 00
مشت البنت مع الولد ، ومعهما مشت الحكايات وانتشرت ، وبكلام الناس عبئت ، وطال الوقت ، والبنت ملت الانتظار ، والولد في هموم الوطن غارق ، وفى مشاكل العالم سابح ، وفى عينيّ البنت يجد المرفأ ، وعلى صدرها يرسو ويغفو قليلاً ، ومن شفتيها ذاق الشهد ؛ قال الولد وهو يفرك يدي البنت :
= عقد المؤتمر الدولي للسلام ضروري .
قالت البنت :
- عقد القران أكثر ضرورة لقطع ألسنة الناس .
= الدولة الفلسطينية ضرورة لإيواء الفلسطينيين بعد طول تشرد.
- إيجاد الشقة ضرورة لتأوينا بعد عناء الانتظار الطويل .
= الأكثر ضرورة أن يتوحد العرب .. كما توحدوا في أكتوبر .. ليصبحوا قوة مؤثرة .
- من الضروري جداً أن تتوحد كل جهودنا للبحث عن حل لمشكلة الجهاز .
= ثمرة الانتفاضة ينبغي ألا تضيع هباء ولابد أن تتوج بالدولة الفلسطينية .
- ثمرة الحب ينبغي ألا تضيع هباء و لا بد أن يتوج بالزواج .
= مشاكل الشرق الأوسط أساسها مشكلة فلسطين ، فلابد من تحرك عربي واع ومنظم ومدروس .
- مشكلتنا أساسها ضيق اليد وعُسر الحال ولابد من إعادة النظر. .
= نعم .. لابد من إعادة النظر في علاقتنا الدولية .
- حسناً .. لقد تأكد لي أن علاقتنا أصبحت مستحيلة ..
وكأنه كان في سكرات حلم وبدأ يفيق
= ماذا تعنين ؟
- أعنى أن كلاً منا في واد ، اتسعت الهوة بيننا ، وتباعدت المسافات .
= أشعر بك بجواري .. وفى قلبي .
- تماماً كما إسرائيل بجانب فلسطين ،
وفلسطين في قلب العرب ..
= ألبون شاسع بين التشبيهين .
- بل إنه عين الصواب ..
= يقيناً أحبك ..
- كما يحب العرب فلسطين .
= أنت أنشودتي في الصباح والمساء .
- فلسطين في صدر نشرات الصباح والمساء ، أنشودة العرب ، وأولى القبلتين .
= هل تَشُكِين في حبي ؟
- شك بلغ ذروة اليقين .
= إلي هذا الحد !!
- نعم ..
= وما الذى جعلك تشكين في حبي لدرجة اليقين ؟
- سنوات العمر التي انقضت أحلاها دون أي بادرة أمل منك جاوزت العقد الثالث ، وتجاوزت كلام الناس ، وتعاليت على نصائح الأهل والخلان ، وتركت " عرساناً " يعتبرون فرصاً في هذا الزمن ..
= أي زمن يا فتاتي ..
قاطعته قائلة :
- أرجوك كف عن الشعر ، لقد صرت أبغضه .. سلب قلبي ولبى ، سرق بصري وأذني وحواسي .. سرق سنوات عمري .. هل بنت القوافي بيتاً .. هل أعادت فلسطين ..؟ هل ..؟
وهل..؟
= هل جننت فتاتي .. ؟
- حقاً جُننت يوم أن استسلمت لمعسول كلامك ، وغفوت في رأسك ملتذة بجنون أفكارك .
= والحل !!
نظرت إلى يدها اليمنى كما نظر ، واغرورقت عيناها كما اغرورقت عيناه .
وقال بصوت مبحوح :
= أليس هناك حل آخر .. ؟"
استجمعت بعض قوتها ، وبهدوء دست في يده خاتم الخطوبة ، وهمت بالانصراف حاول أن يستوقفها ، ولكنها أخذت تعدو ، وتعدو ، وكأنها تريد أن تستدرك ما مضى ، حاول أن يعدو خلفها فاستوقفه الجرسون قائلاً : الحساب يا بيه !!
( كُتبت هذه القصة في ثمانينيات القرن الماضي ونشرت بجريدة الجمهورية المصرية )

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى