سيد عبد العال سيد - محاكمة العصفورة.. قصة قصيرة

يلتقط القش والورق من الأماكن البعيدة كي يبني العُش فوق غصن الشجرة ثم يضع القشة علي القشة حتي يكون بنيانا عالياً، يستظل به من حرارة الشمس وبرد الشتاء بينما هي جالسة علي البيض حتي يفقس .. سأمتْ من القعدة الطويلة حيث لم تجد من يؤنس وحدتها وهو يخرج صباحاً يطوف حول الأشجار من أجل أن يلتقط حبة قمح ويعود في المساء.. تنفض ريشها من التراب وتتلفت حولها تراهُ نائماً علي ريشة حمام يغط في النعاس الثقيل.. تتسلل علي أظافرها إلي خارج العُش كي تتنفس رائحة الزهور، يطرب أذانها صوت يغُرد في الغصن المجاور استهواها هذا الصوت العذب فطارت إليه تراهُ محلقاً بجناحيه في الهواء يهز رأسه يمينا ويساراً وهو يرقص بحركات عجيبة ثم يلف حولها وهي تبتسم له .. يصطحبها أعلي الشجرة دون تردد منهما ثم تعود مبللة الريش إلي عُشها، تراهُ واقفا أمام الباب قلقاً يتساءل بلهفة: أين كنتِ؟.. ردتْ: أبحث عن قطرة ماء كي أروي الأرض التي جفت.. ضحك بسخرية وهو يهز رأسه مما زادها غيظاً ولم تستطع صبراً فانقرتهُ في جناحه الأيمن فسال منهُ الدم، لم يتحمل مقاومة ضربات منقارها فأصيب بكسر في ساقه وأصبح جليس العُش.. وراح يجول في ميدان لبه المضبب بسحب كثيرة ماذا أفعل؟.. هل أبقي هكذا؟ أم أرفع الأمر إلي مجلس العصافير، فغلي الدم في عروقه النافرة وخطا إلي المجلس وهو مصاب يحكى عن عصفورته التي وقعت في بركة الطين.. أحستْ بالخوف الشديد ثم فرت من عُشها الممزق وراحتْ تبحث عن العصفور المغرد، تراهُ واقفاً بجوار اليمامات يزقزق لهن وهن يضحكن فهوي إليها محدقاً في وجهها الحزين تحكي له عن قسوة عصفورها.. صمت طويلاً ثم نأي بوجهه عنها بعيداً أحستْ بذلك التحول الذي ظهر بينهما وتركتهُ وهي تبكي إلي أن دخلت قاعة المجلس ذليلة.. تنظر إلي الواقفين من العصافير المختلفة وهم يضحكون.. تقدمت بضعَ خطوات إلي المنصة تخر الدموع علي وجنتيها، حاولتْ أن تفك رباط الصمت بصوتٍ وئيد: ضيق الحاجة يا سيدي الرئيس وسوء المعاملة.. ردَ بصوتٍ عالٍ: كدابه وفرت لها كل ما أملك من طعام وسعادة لكنها سارت خلف هواها العليل.. أنتبه كبير المجلس وتهامس مع مساعديه ثم وضع زجاجة حبر على المنضدة محكمة الغلق وقال لها: أفتحي هذه الزجاجة.. أمسكتْ الزجاجة وهي ترتعد، حاولتْ أن تفتح غطاء الزجاجة لكنها لم تستطع .. قال: حاولي مرة أخري.. فتحت الزجاجة.. أشار بيده إلي حارس الجلسة بوضع العصفورة في قفص العزل.. تفجعت كثيراً وصارت تصرخ عالياً.. بينما هو يعود إلي العُش مسروراً يراعي البيض ..

ــــــــــــــــــــــــــ
سيد عبد العال سيد - مصر




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى