د. وفاء الحكيم - في حضرة الشيخ.. قصة قصيرة

هل كانت روحي - متيقنه تماما- أنه حين يأتي ليقرأ لي سأشفى؟؟؟ أم أن هذا الجزء الهمجي المجهول من جسدي كان يتوق لهذا الفعل المغلف بورق المراوغة!!!
يتعالى صخب الاستعداد لمجيئه ، وكأن الأمر لا يعنيني أقف شاردة انظرعبر النافذة لساعات ثم اعود لأحاول ان ألملم فتافيت روحي المبعثرة والمتناثرة على الفراش ، المنضدة ، وأجندة المحاضرات .
احس كأنني قطعة من زجاج سقطت -دونما قصد - فتهشمت وتناثرت شظايا على اولى درجات سلالم العشق . أحاول ان اجمع بقايا في كيس "بلاستيك " وأضعها جانبا .
اوغلت في الهدوء فافتضح امري ، وتألمت كثيرا حين أجهدني عراك الفراق ولم افق الا وقد سقطت في هجمة الحبور الازرق ، وتهت في الضوء الغامض ثم اخترت الصمت طريقا وعرفت عن الكلام . ولم ينجح الاطباء في التقاطي من هذه الدائرة أكانوا عن عمد يضيعون علي فرصتي لأبرأ وظل أشرب واشرب من ماء الوجد الذي لن اتذوق طعمه مرة أخرى؟؟؟
:استعدي حضرة الشيخ وصل
افقت من شرودي على صوت غامض وحركة غامضة فرحت اغوص بدوري في دوائر متقاطعة من احاسيس غامضة ،سمعت خطوات الاقدام التي تخطو فحاولت ان استبين ههمهماتها المصاحبة لكني لم استطع فوضعت شالا على رأسي وخرجت إليه. رحت اتحرك بوهن ، القي التحية وأجلس علي اقرب مقعد أغض الطرف عن كل المرئيات أراها وكأنني لا اراها ... تنحنح ثم أمرني أن اقترب لأجلس بجانبه .
جلست ، عائدة من حوائط الفراغ حولي إلى المسند الوديع ورائي ورفعت رأسي إليه. كم كان أنيقا يرتدي بدلة رمادية و " كرافت " رمادي يلتمع حذاءه كما يلتمع فص خاتمه في عيني وعلى رأسه طاقيه بيضاء . أمرني بالاقتراب ،اقتربت هادئة والشال لا يستقر على رأسي يتوتر هابطا اسحبه ويتوتر عاليا يغطي جبهتي وعيني . كم احسست بالدوار من تلك الرائحة النفاذة التى تأخذني للبعيد ، البعيد الذي هناك حيث النكهة الأولى ..تلك الباهظة التكاليف والمحرقة . أحسست باغتراب شديد واعتراني ما يشبه الزلزلة حين نواجه الاغتراب معنى مقيما بذاته داخل ذواتنا . سألني : ما بك فلم أجب
: اتأتيك نوبات بكاء ؟
: أحيانا
: أتنامين بهدوء ؟؟
: نعم
: أيوسوس لك الشيطان ؟؟
أجبته بثبات
: لا
قال : أأحببت؟؟
فانهمرت دموعي في صمت . اقترب زاحفا وأنا جالسة ، مد يده وأنا هادئة وراح يقترب أكثر وأكثر . مد يده على رأسي فانزلق الشال ووجدت يده تحتضن الرأس وتجاهد ان تحتويها وتلامس خلسة حدودها ، تتعثر في بدايات ومفارق الشعر المرتعش من فعل مباغت ومنتظر ، عيناه تقتربان بتحفز وإصرار أن تتلاقى بعيني وأنا في تمرد حالم لا أود التوغل في عمق لا أعلمه .شفتاه تقتربان من يمين وجهي إلى شمالي _ يكاد يلمس أرنبه انفي _ يحافظ على تلك المسافة الباردة بيني وبينه خاليه ، ثم يأتيني عن شمالي ، شفتاه تصنع في أذني مجرى للصوت مخالفا لما عندي ، يده سكنت على رأسي بينما شفتاه تهمسان في داخل اذني . راح يقرأ ويقرأ ثم بدأ في التثاؤب ثم عاد يقرأ وانا اصغي السمع لهمسه، ارحل نحو البعيد وتسافر بي رائحته إلى هناك ويقفز بيننا السؤال : هل ستتركني وترحل أبكي واتوسل اليك أن تأخذني معك ولا تتركني في عمق الجب وحدي .وقف امامي منتصبا وانا ازددت اجهادا وازداد وجهي احمرار كأنني سافرت وعدت ثم جلس من الناحية الاخري واقترب نحو اذني الاخرى وأعاد كره القراءة . تنتفض مسبحته حين انظر اليها ، كل الاشياء تنتفض حين ندركها ونسقط المعرفة رويدا رويدا للدرجة التالية . يعلو صوته وتزداد النبرات وضوحا، ويتكاثف عرقه غزيرا بينما أمعن انا في هدوئي. : هل تحسين شيئا ؟؟ : لا ، لاشيء : هل كانت القراءة مختلفة في نفسك ؟؟ أجبته بعيوني المتكررة وروحي التواقيع للهروب دوما من الهاله الكاذبة وحضرته الفاضحة: لا اختلاف كأنني اسمع من الراديو الترانزسستور الموضوع على فراشي ، : أيهما ؟؟؟؟ فاجأني بغرور رجل يسيطر علي آماد بعيدة يجمعها ثم يسقط في وهم انها ملكه . اجبته : الراديو طبعا الصوت أجمل وأكثر صفاء ومعرفه بمواضع الوقف والوصل . صمت كثيرا وازداد توتره احسست أنه يود لو يمد يده ليضربني ثم يسقطني ويقف منتصرا أمامي واحسست بكراهيته العميقة لي بينما كنت اخرج بهدوء من سيطرته محلقة في فضاء كوني آخر لا يملك ادنى سيطرة عليه . أمرني أن اضع الشال على رأسي اغطي به صدري وجانبا بطني وخصري ! وضعت الشال على كتفي فبان له شعري فأراد ان يسافر فيه ... بينما كنت كعبه يرتد عنها الملحدون. ظل يتثاءب ويتثاءب ثم دمعت عيناه ، يداه تتوسد كتفي ثم تنزلق على نفور ثدي تعبره خائفة ، ثم تستكين علي طرف ساقي يقرأ ويقرا يثبت الشال على ظهري ثم يعاود القراءة كأنما يريد أن يقرأني كلي وكلما امتدت يده ازداد الاغتراب ايغالا في و كلما تثاءب احسست بقشعريرة لاذعة ، رأسي يؤلمني ، جسدي يؤلمني ، كل مواضع يده تؤلمني وكأننا _ أنا وهو _ عاشقين متباعدين يلتقيان في حضرة الشرود ، يقتربان حد التماس ليفترقا . : الآن الديك رغبة في البكاء ؟ اجبته بتحدي : لا . ( هل اوهمتك ذاتك بأنني سافتح لك مراكب السفر لتسافر في متاهاتي ثم تعود بالتفاسير والتأويل والمتون ؟؟؟ ) : ايعتريك صداع ؟ : بعض الشيء . لملم هزيمته مرتبكا ومحاولا تصنع الابتسام مهمها: الحمد لله ليس بك شيء فقط تعوذي من الشيطان وواظبي علي الصلاة وخرج مرتبكا وقد فقد هدوءه وانا نهضت من مقعدي الملم بقاياي الداكنة كأن كل جزء من جسدي قد تقطع الاف القطع ثم عاد محاولا الالتئام فلم يلتئم كلية . كم احسست بحمل ثقيل احمله على كاهلي لا ينفلت مني ويسقط ولا اطيقه فاتحرك به وسمعت وقع خطوات خروجه وابتعاده . عدت الى النافذة أتأمله هادئة بينما عربته في الخارج منتظره ، يسترق النظر نحو النافذة، يتلصص على ، كنت ألملم شتات جسد لم ادر ماذا الم به ؟؟! كأنني ارتديت جسدا علي جسدي غريبا وخانقا وله قوانين أخرى منفلته من عقالها ، أود لو اناديه ليعود يقرأ لي من جديد تتهاوي دموعي من جديد بينما حشرجة صوتي تعترف بهزيمتها الساحقة امام تواجده المسيطر .

د. وفاء الحكيم


* من المجموعة القصصية ( قطرة عالقة )
** نشرت عن دار الادهم للنشر ٢٠١٣
*** ونشرت القصة في جريدة اخبار الادب عام ٢٠٠٣
  • Like
التفاعلات: خالد الشاذلي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى