تهامة رشيد - اشتياق....

أشتاق لرائحة بيتنا المظلم
في الطابق الارضي من بناء مظلم بثلاث طبقات
أشتاق لصحن "أم جهاد"وهي تمدّه لنا بصعوبة من الفتحة التي تفصل بيتنا عن بيتهم
صحنها كان نظير الجوع
وانتظار أمي التي لاتعود قبل ثمان ساعات طويلة
وكنا نأكله رغم الفارق بالطعم بين طبخ أمي وطبخها
أشتاق لتلك الفسحة السماوية
التي كانت تغمز خجلة من تلك الفتحة ذاتها
الفتحة هي ثلث الشباك الذي سددناه
لئلا يشاهدنا أولاد أم جهاد ونحن الفتيات الثلاث بسن الزهور
....
المؤجّر قسَم شقّته لاثنتين لا تعرفان معنى الحشمة
فكان شباكا مشتركا..وحائطا مشتركا
الشباك يطل على صالونناومنورهم..
والحائط يطل على جنينتنا ومنافع بيتهم الصغير كبيتنا..
كانوا أحدى عشر شخصاً
وكنا سبعة..
لكن ضيوفنا كثر
وضيوفهم -عدا الجيران-صفر
وكانت سهراتنا تستويهم
فتسهر بنتاهم الاصغر لتسمع نقاشات
عن السياسة والافلام السينمائية
وتحرر المرأة...
وتُسر لي (رابية)في اليوم التالي بأنها كانت تسمعنا وكأنها تشاركنا السهرة..
...
أشتاق لحواراتي المنقطعة بضربة من يد امي وضحكة من فم ابي..
فلقد تجاوزت الخط الاحمر بنظرها كالعادة
...
أشتاق لهروبي لحديقة(الأندلس )أو كما نسميها(حديقة الصنوبر)
لكثرة اشجار الصنوبر فيها..
أشتاق لهروبي من عتمة البيت لضياء الحديقة ومعي كتابي وكأس المتة ورواية أخفيتها بين دفتي كتابي
وكنت لا أتجاوز العشر سنوات
أعيد قراءة مقاطع حميمية اعجبتني عن لقاء ابطالي المفضلين لأحفظها غيبا وأتخيلها
وكلّهم روس(او سوفييت ) كما كانوا حينها..
....
أشتاق لتفوقي في كل المواد
ومدح أساتذتي..
وغيرة جميلات الصف مني
وتعلق الصبيان بي
لأنقّلهم في المذاكرات
فهذه السنة انتقلت لمدرسة مختلطة
وهي افضل من مدرسة الاشتراكية حيث دوام للصبيان وآخر للبنات..
..
أشتاق لأيامي الحزينة في ثانوية طلال ياسين
حيث فصلونا ثانية فللذكور مدارسهم
....
أشتاق لرقصنا ولهونا نحن البنات المراهقات
في الثانوية
ونكتات فاتن واعتدال
وكتابتنا للشعر على باب الصف
......
أشتاق لرائحتك يااللاذقية
حيث الملح
والبحر
والرطوبة التي توجع مفاصلي
أشتاق لمشواري على الكورنيش الجنوبي
واحتفاظي برائحة الملح لليوم التالي دون اغتسال
....
أشتاق لباقة ورد جورية
قُدمت لي على تخوم المينا
عند حديقة المنشية
.....
أشتاق لضابط الأمن وهو يتربص بالعشاق
عند صخرة اذكريني
في اللاذقية
تلك الصخرة التي تغزوها الامواج
من فتحة جميلة
افترشها عاشقان هاربان
يتبادلان قبلة خاطفة وخائفة
والضابط قد يحلو له تهديدهما أو قد يترك
لنفسه فرصة التأمل
والتعرف على قبلة عاشقين
فهو لم يقبل إمرأته يوما
وصاحبته لاتترك له فرصة لذلك
وأحيانا قد يثور
عندما يرى ان الفتاة هي التي تبادر لذلك
أشتاق لهذه السخافات التي كنت شاهدة عليها لعدة مرات..
...
أشتاق للبحر بكل حالاته
وأكرهه
لأنه لا يستطيع زيارتي هنا
فهو لا يغادر مكانه
لذا اسميته ملك الزمان
...
أشتاق لتوصيات اختي الكبرى
وتعليمي كيف اتصرف وكانني لاأفقه شيئاً
.......
أشتاق للمّتنا في ذلك البيت
رغم وفاة امي
وضياع البيت
.........
أشتاق للجيران
للحديقة
للرائحة
لملح البحر
....
الشيء الوحيد الذي لا أشتاقه
هو التحايل للعيش
فلا زال
لا زال حاضراً وبقوة أكبر
أطمئنك أمي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى