فاطمة يوسف موسى عبد الرحيم - لصوص وحرامية

اتصل سالم ابن "الحجة رمزية" بأمه:" أمي، ساعديني رح أموت جوع ما عندي أكل، وما معي أجار الغرفة رح نام في الطريق" ، لطمت خديها على ابنها المحتجز في"تركيا" فهو يكمل تعليمه الجامعي هناك، لأن جامعات الوطن للأثرياء فقط، لقد أملت أن ينال أفضل تعليم وحلمت أن يتولى منصبا مرموقا بين أهل بلدته، كانت الأمور تسير على ما يرام لأن خاله يساعده من بلاد الاغتراب في بعض النفقات.
لكن اليوم تزامنت المصيبتان بوقع مؤلم على الفقراء حيث حلت الأزمة الاقتصادية على لبنان واختفاء الدولار من الأسواق وتوقفت البنوك عن صرف أموال المودعين وتبعتها جائحة كورونا العالمية.
اليوم ابنها الوحيد الذي ضحت بشبابها لأجله في مأزق عصيب، أخذت تسعى بصبر دؤوب لتدبير مبلغ من المال بالليرة لانقاذ ابنها، فباعت الحصص التموينية التي تصدقت عليها الجمعيات الخيرية، وباعت دجاج الحوش وتنازلت عن البيض مرغمة، واستدانت من "البيك البقاعي" الذي طلب منها الخدمة في قصره مقابل الدين، وأعطاها المختار مبلغا مقابل تجهيز مؤونة عائلته السنوية، ومنحتها الجمعيات الخيرية قروضا مؤجلة، وتصدق أهل الخير عليها ببعض الوريقات النقدية، واكتمل المبلغ المطلوب، ولما حولته للدولار ابتلع جشع الصراف ربع قيمته الحقيقية، لكنها رضيت بالموجود لعله يؤمن عودة الابن الضال أو سد عوز جوعه، حملت المال فرحة الى "مكتب الأمانة" الذي يعمل على تحويل المال الى بلاد العالم، طمأنتها جدرانه المزدانة بالآيات القرآنية ونصوص انجيلية، وكلام صاحب المحل المعسول، وقفت عند "الكونتر"، وقالت بثقة " بدي أحول ألف دولار لابني في "تركيا"، هاي عشر ورقات نقدية من فئة المئة" ابتسم بمكر وأخذ المبلغ "تكرمي، حجة"، تناوله وأسقطه في شق خفي في الكاونتر يسميه "بؤرة الشيطان"، وأظهر لها بخفة حاو مبلغا آخر قد ناوله له الموظف خفية، قائلا "حجة، أنت مضيعة لأنك أعطيتيني عشر ورقات نقدية من فئة العشرة دولار" أصابها الذهول، وأقسمت له أنها عدتها مرات وهي عشر مئات، وسردت عليه ممن استدانتهم لتؤكد له يقينها وأنها لم تخرف، فلم يصدقها، غادرته ودمعها على خدها وقلبها يذوب حسرة على احتياج ولدها، قدمت بلاغا في مركز الشرطة عن عملية النصب التي قهرتها، وسردت على الشرطي ما حصل معها، لكن مكالمة هاتفية موجعة قطعت السرد الصادق، إذ قال الشرطي للمتكلم "بتوعدني إن طنشت شكوتها رح تكون حصتي محفوظة"، فقال الشرطي "حجة، ما عندك دليل، روحي شوفي وين ضيعتيهم" اعتراها صمت الخيبة، وأدركت أن هذا زمن القرصنة، وضجت في أذنيها نداءات الناس "كلن لصوص وبيتخبوا ورا حرامية"، خرجت باكية تندب": يا ويل الأمة اللي ضيعت الأمانة"، وجلست على الرصيف ومدت يدها "لله، يا محسنين".



* هذه القصة من وحي الأزمة الاقتصادية اللبنانية.





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى