محمد الكلابي - أحلام الوحش المدفون

تخيّل أن تضع مؤخرتها في فمكَ, تلك المشتعلة حبّاً, تلك التي داعبَتها أصابعكَ و أنت تسحبها من جانبكَ, تلك التي شممت عطرها قبل أن تقربها من فمكَ المملوء بلعاب المدمنين, في هذا البرد القارص و أنتَ تتلذ بطعمها لأول مرّة بعد فراق طويل, بعد نوم عميق, ربّما بعد سبات تصرخ فيه الأحلام لتضاجعكَ من جديد, تبدأ العملية منذ أول ملامسة لشفتيكَ, تبعدها قليلاً لتداعب طعمها في فمكَ بلسانكَ الذي لم يتذوق مثلها لفترة طويلة, تتنهد, تجرّ تلك الحسرة الطويلة لتدع طعمها يثير نشوتكَ, يقشعر بدنكَ, ثم تنفث بقاياها حولكَ, تلك أول سيجارة تتناولها بعد نهار مؤلم و متعب, بعد مشاكل لن تجد لها حلاً سوى ذلك السبات الأحمق الذي كنت تهرب به من كلّ شيء, هذه رفيقتكَ, سيجارتكَ, حبّك و إدمانكَ الذي لن تجد غيره يشارككَ تلك النشوة القاتلة لبرودة الجسد و المشاعر.

بعد أن تنهي الأولى, تسقط على فراشكَ من جديد, تقابل سقف الغرفة لأول مرة, تشاهد النجوم تبزغ من زواياها, تتجمع في المنتصف, ترسم وجهاً مألوفاً لوحشٍ كنتَ قد رسمت ملامحه في مخيلتكَ سابقاً, وحشاً قد تناول قلبكَ قبل فترة طويلة, تشاهده و هو يبتسم يراوغ نظراتكَ بعينيه الناعستين يميناً و شمالاً, يحاول أن ينقض عليكَ بعد لحظة غريزية مهمة, بعد نشوة السيجارة و النظرات, و أنتَ مستلقٍ كالحجارة, يجلس على جسدكَ, يمد يديه على صدركَ, يفتح أزرار قميصكَ الذي لم تقوَ على نزعه بعد نوبة عملكَ الشاقة هذا النهار, تمر أصابعه بسخولة نحو رقبتكَ, تعتقد بأنّه يحاول أن يثيركَ بتلك اللمسات الخفيّة التي تجعل جلدكَ الأسمر يقشعر لأول مرّة على طريقة البدو و الغجر, يصل إلى رقبتكَ و أنتَ قد وصلت ذروتكَ, فيخنقكَ!, يحاول أن يقطع عنكَ الهواء و الحبّ, يحاول أن يقطع عن روحكَ كلّ تلك النشوة و الإثارة, يحاول جاهداً كسر رقبتكَ, تخرج عيناكَ من مكانهما ثم تستيقظ لتجد أنّ سماعة الهاتف السلكية ملتفّة حول رقبتكَ لأنّكَ كنت تستمع لأُغنيتكَ المفضلّة و أنت تحاول الدخول في سباتكَ النهائي, هكذا هي الأحلام يا صديقي, تقتات على ذكرياتنا لتقتلنا بها, لتقتل حتى نفسها بها, فنحن نحلم بما نشتهي لا بما نستطيع تحقيقه, و ها قد مات حلم آخر من أحلام الوحش المدفون في جسديّ، ثم تدخن الثانية و ما يليها في العلبة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى