أمل الكردفاني - مومس تحت التمرين.. قصة

- لا شيء يمكن أن يقال.. إنني لن أرتكب نفس الخطيئة في حق نفسي مرتين. هكذا سأعتبر نفسي حمارة. سأهتم بحياتي الخاصة.. أقصد الخاصة جداً أكثر من ذي قبل.. سأعيش حياتي.. سأبحث عن عمل.. سأقاوم السقوط فأنا امرأة قوية..
- إنك تكررين ذات الكلام ولا تفعلين شيئاً..
- (تبكي) لماذا تعاملينني بهذه القسوة يا جدتي..
- ليست قسوة.. بل حقيقة نفسك التي لا تدركينها..أنت لم تخلقي إلا كربة منزل..
- ولكن أين هو المنزل يا جدتي؟
- لأنك تخافين من الرجال رغم أنك فلاحة بنت فلاح.. لذلك فالرجال يخافونك أيضاً.. إنك لا تعطيهم إنطباعاً بأنك أنثى.. لذلك يهربون منك رغم أنك لستِ قبيحة إلى هذه الدرجة.. "سوما" ابنة جارنا شاحبة ونحيلة وتزوجت من ذلك الجزار قرب زاوية الزهور في أوهار القرية.. أما أنت فكلما هرب منك خاطب أعدت قول كلامك نفسه ثم لا نرى طحيناً بعد سماع الجعجعة..
- (تبكي) وماذا أفعل يا جدتي.. تربيت لأخدم ستة ذكور من إخوتي.. محا الجميع شخصيتي الأنثوية ثم تزوجوا جميعهم وتركوني.. فكيف استردها..
- سهل جداً..
- كيف؟
- عليك أن تجربي العهر..
- (بجزع) جدتي؟!!!
- أنا جادة.. (تخرج من تحت ثديها رزمة نقود) خذي.. سأبعث بك إلى المدينة في مشوار وهمي.. هناك مارسي العهر مقابل المال.. مرة أو مرتين على الأقل لتستردي أنوثتك.. ثم عودي.. فقط كوني حذرة ولا يراك أحد من القرية.. جربي أن تشعري بفخذيك المعطلتين هاتين.
- لا.. مستحيل.. ماذا تقولين يا جدتي.. لقد أصابك الخرف.. أأعمل في الدعارة؟!!!
- يا بنيتي.. لا يوجد شيء اسمه دعارة.. هذا مصطلح صكه المجتمع وعالم الذكور.. إن الجسد في النهاية جسدك.. ما الفرق بينك وبين لاعب السيرك الذي يتشقلب ليدفع له آباء الأطفال ثمن طعامه وسكنه.. الدعارة كلمة مصنوعة لمجتمعات لا أخلاقية تختلق قيماً أخلاقية مزيفة.. استمتعي بجسدك.. وفي كل الأحوال فأنت لن تستمري في العمل للأبد.. المهم أن تكسري حاجز الرجال هذا.. هيا.. هيا جهزي نفسك.. ارتدي رداء داخلياً جذاباً يفضل أن يكون أسوداً ومطرزاً بالزهور..
...

- هيا هيا.. محطة البقعة.. بخمسة جنيهات..
- أريد أن أصل لهذا العنوان..
-سيدتي أنا مجرد محصل نقود أمي لا أعرف القراءة..
- وأنا كذلك..
- إذاً اسألي ذلك العجوز الذي يبيع الجرائد..
- حسن..
...

- أنتِ لستِ دُرية..
- كيف ذلك يا سيدتي؟
- أنتِ منذ اليوم درة..
- وما الفرق؟
- هناك فرق لن تعرفيه إلا بعد أن تكوني محظية لكبار المسؤولين في الدولة ورجال الأعمال..
- حسنٌ..
- في البداية ستتمرنين مع بعض الشباب على المهنة.. أجر بسيط ولكن بخبرات أكبر.. هؤلاء الحثالة سيعاملونك كحيوانة..عليك أن تكوني كذلك بالضبط..
- لم أفهم..
- لن تفهمي شيئاً.. هذا العالم يا درة ليس طيباً.. ويجب أن تتعلمي القسوة لتتمكني من أكل عيشك... سأرسلك مع بطة إلى شقة بعض العزاب وهي ستحميك ولكن لن تكون معك إلى الأبد..
- طيب..
...

- هذه درة.. الفتاة الجديدة الجميلة..
-لا بأس بها.. اسمعي يا بطة.. أرجو فقط أن لا تكون من النوع كثير الاعتراض.. أنا لا أحب ذلك في الجنس..
- ستفعل ما تامره بها ولكن لا تضربها..
- تعرفين أنني لا أضرب بلا سبب..
- سمعتِ يا بطة.. يجب أن تستجيبي لكل رغباته..
- طيب..
...

- يا إلهي.. أنا ارتعش من الرعب.. كيف سأخلع ملابسي.. لا .. يجب عليَّ أن أغادر.. يجب أن أغادر على الفور.. ولكن ما هذه الاصوات خارج الغرفة؟ يبدو أنهم يتشاجرون.. يا إلهي انقذني.. بطة تصرخ.. هذا صوتها.. الشباب الثلاثة يتلاكمون.. يضربون بعضهم.. ماذا أفعل.. عليَّ أن أهرب ولكن إلى أين.. أنا لا أعرف أحداً في هذه المدينة..بل لا أملك حتى مالاً..
- هيا أخرجي أيتها الفتاة المنحوسة.. علينا أن نهرب..
- أين بطة؟
- لا وقت لديكِ سأهرب فالحقي بي إذا شئتِ..
- سآتي معك على الفور..
....

- يا إلهي كيف سنهرب من هذه النافذة الصغيرة..
- إنها ليست نافذة.. إلتزمي الصمت لأن البوليس يداهم الشقة الآن.. لا تثيري أعصابي..
- حسناً يا سيدي..
- سيدك؟! .. طيب..
...

- كم شوارع المدينة واسعة.. والرياح باردة..سيارات غريبة..بنايات شاهقة.. فتيات جميلات...
- إلى أين سأذهب بكِ.. لقد ورطت نفسي بجلبك معي.. كان علي أن أتركك تلقين مصيرك..
- ....
- حسنٌ.. أنا لا أعلم منزل القوادة التي تعملين معها..هل تعلمين؟ لا تكتفي بهز راسك وقولي شيئاً فلن نظل ندور في حلقة مفرغة..
- أرجوك لا تتخلى عني يا سيدي الشاب..فأنا لا أعرف شيئاً في المدينة..
- سنرتحل عبر القطار.. ستقطعين تذكرتك لوحدك وسننام في القطار..
- أين سيذهب القطار؟
- لا أعرف.. المهم أن ننام.. لقد تعبت.. ضربني ذلك الكلب على صدغي ورأسي يدور.. لا تنظري لي هكذا.. لقد كان يرتدي خاتماً فضياً وهو الذي جعل اللكمة مؤثرة..أما هو فليس قوياً ليسقطني أرضاً.. كان محظوظاً فقط..
- أنا آسفة..
- لا شيء تتأسفي عليه..الآن خذي هذه النقود واشتري تذكرة ساقف خلفك واشتري تذكرتي لوحدي.. لا أريد أن تثور شبهات حولنا..
- حسنٌ..
...

- إلى أين تريدين الذهاب يا آنسة؟
- ءءء؟
- أين تريدين الذهاب لأقطع لك التذكرة؟
- ولكن إلى أين يذهب القطار؟
- يا آنسة..ألا تعرفين إلى أين تودين السفر؟
- أعرف
- حسنٌ..إلى أين؟
- ماذا؟
- يا آنسة.. هناك طابور من الناس خلفك.. إذهبي وحددي وجهة سفرك ثم عودي إلي..
- يا آنسة ليس لدي وقت لأنتظرك حتى تشتري تذكرتك فأنا مغادر إلى المنطقة الغربية.. ولدي حفل غنائي هناك يجب أن أصل إليه..
- نعم نعم.. تذكرت أنا أيضاً ذاهبة إلى المنطقة الغربية.. كم النقود يا سيدي..
- آه.. حسنٌ.. إنها خمسة وسبعون جنيهاً..
- تفضل..
...

- كاد أن يكتشفك لولا تدخلي..
- نعم.. كان تدخلك ذكياً..
- وأنتِ أيضاً كنتِ ذكية حين التقطتِها بسرعة..
- كنتُ محاصرة..
- وعندما يحاصر الإنسان فإن عقله يعمل بقوة مضاعفة..
- هل أنت مطرب؟..
- لا.. ولكن هذا ما خطر لي في تلك اللحظة..
- وماذا تعمل؟
- لا شيء تقريباً..
- لا شيء؟
- نعم لا شيء.. أنا مشرد.. لقد فصلوني من الدراسة قبل أشهر ولذلك طردوني من الداخلية..
- لماذا فصلوك؟..
- حماقاتي.. حماقاتي التي تجعلني لا أفهم نفسي.. والأسوأ أنني لا أستطيع تخيل مصيري لو استمررت على هذا النحو من الإندفاع العاطفي..
- هذا مؤسف..
- هيا فلنصعد إلى القطار..
- إنها مقصورة جميلة..
- إنها كذلك فعلاً..
- إنك تتاملها بإعجاب..
- بالتأكيد.. إنها مبطنة بخشب لامع وأريكتها بالقطيفة اللازوردية.. تبدو كقطارٍ إنجليزيٍ قديم... والنافذة قابلة للفتح.. سنعبر الأرض الزراعية ثم الصحراء قبل أن ندخل عاصمة المنطقة الغربية.. هناك تنتصب تماثيل رائعة..
- حقاً؟!!
- حقاً.. ألم تزوري المنطقة الغربية؟
- لا.. لم أخرج من قريتي منذ مولدي..
- يا إلهي.. لقد ضاع نصف عمرك..
- ولكنني لا زلت صغيرة لم أتجاوز التاسعة عشر..
- هذا مجرد مجاز.. ما اسمك؟
- درية..
- حسنٌ..
- وانت؟
- أنا ثائر..
- حسنٌ..
- ها قد تحرك القطار.. عليَّ أن أنام قليلاً فراسي لا زال يدور.. وأشعر بقليل من الحمى..
- حسن..
...

- لماذا لم توقظيني؟
- ولماذا أوقظك؟
- لارى الطبيعة الخضراء..لقد مرت وانتهت فرصتي..
- ماذا في الطبيعة الخضراء..إنها مكررة ومملة..نفس الاعشاب..نفس الاشجار والترع..
- ماذا تقولين؟!! الطبيعة مكررة؟ أتمزحين.
- لا أمزح..لقد عشت فيها طوال حياتي.. إنها رتيبة ومملة ولا حياة فيها.. لا وجود للإنسان.. بل هناك فقط حيث تركنا المدينة سترى أثر الإنسان..
- أنتِ فلاحة؟
- والدي..
- أيها المساكين.. المدينة هي التي تتغذى على عرقكم..إن الراسماليين يسرقون ما تصنعونه..
- ماذا تقصد؟
- أنتم البلوريتاريا.. الطبقة المسحوقة.. التي يتم دهسها تحت الأحذية الجلدية اللامعة..
- نحن لسنا مسحوقين..ماذا تقول أنت؟
- أنتِ لا تفهمين شيئاً.. هذه الوحشية التوتاليتارية لن ترغب في أن تعرفوا حقيقة واقعكم..
- لم أفهم شيئاً.. يبدو أنني من سينام..
- لن تهنئي بنوم طويل فبعد نصف ساعة سنصل إلى محطة الوصول..
- ساغفو قليلاً..
....

- إنه هناك.. إنه هو
- يا إلهي .. لقد رأوني..
- ماذا تقصد..
- إيقِ هنا.. قد أتأخر ..مع ذلك لا تغادري المحطة..
- أين ستذهب..
- إن البوليس السري يلاحقني..قد أرسل لك رسالة مع صديق..
....

- علي أن أتجه إلى المنارة القديمة.. إنهم يتبادلون أماكن مراقبتهم..لماذا لم يقبضوا علي إذاً؟.. هذا الزقاق ضيق قد يحاصرونني فيه سادخل إلى المعبد المجاور للنهر وأخرج من الجانب الآخر حيث شاطئ البحر.. لماذا أشعر بأنهم سيقتلونني اليوم.. ولكن لا.. سأختبئ في المعبد..
- قف.. قلت لك قف وإلا سنطلق النار عليك..
- إنه يدخل إلى المعبد..
- راقبوا المعبد من كل جهاته.. يجب أن لا تثيروا شبهة المصلين..يكفينا مشاكل مع منظمات حقوق الإنسان..
....

- يا سيدتي.. ليس لدي ما أفعله لك..
- ولكن زوجي لم يعد منذ يومين وانا لا أعرف أحداً هنا..
- إذاً عودي من حيث أتيتِ..
- ولكنني لا أملك نقوداً..
- كل المتسولين لديهم نفس هذه القصة..غيروها قليلاً..
- لست متسولة يا سيدي..
- وأنا مجرد شرطي حراسة في هذه المحطة الكئيبة ومرتبي لا يكفيني أنا وعيالي لآخر الشهر..
- ولكنني سأموت من الجوع والبرد..
- يمكنك أن تتسولي مباشرة خارج المحطة..أما هنا فممنوع..
- يا سيدي أنا لست متسولة.. الا تفهم ما أقول..
- لا يهم.. الخلاصة أنني لا أملك لك شيئاً..
...

- مدينة أخرى واسعة..رغم أنني أتضور جوعاً.. لكنني ساذهب إلى البحر فربما منحني بعض الصيادين طعاماً..
...

- يا أبتي.. لا يمكنك أن تطردني من بيت الله..
- يا بني.. بيوت الله للصلاة وليست للمشردين..
- لست مشرداً.. أقسم لك..
- إذا عد لبيتك..
- ولكن.. ولكنني لا أستطيع..
- لا أملك وقتاً لتشرح لي.. بصراحة لا أملك مزاجاً حتى لاسمع أي قصة لأحد.. غادر على الفور..
- سيقتلونني.. أنت لا تفهم..
- أولاً ابعد يديك عن تلبيبي.. ثم أخرج فورً.. لا تعرض معبدي لخطر عصابتك..
- لا أملك عصابة.. إنهم البوليس السري..
- هذا أدعى لأن تخرج فوراً.. لا أريدهم أن يشتبهوا في طائفتنا ويغلقوا المعبد..نحن أقلية في هذا البلد..
- سيدي..
- أخرج فوراً..
....

- قليلٌ من الطعام..
- أنت جائعة؟
- لم أتذوق طعاماً منذ يومين..
- آه يا فتاة.. إنك أجمل من أن تتضوري جوعاً ليومين كاملين..
- هذا ما حدث..
- اسمعي.. هل ترين ذلك اليخت..
- نعم.
- إن ملاكه أثرياء.. ولحظك الطيب فهم مجتمعون داخله الآن أطلبي منهم عملاً .. فللأسف أنا لا أطبخ وأنا في البحر..لكنني أستطيع أن أقلك إلى اليخت..
- هذا جيد..أشكرك..
- هيا.. يا لهذا العالم الظالم..
....
- إنهم في كل مكان... سأسلم نفسي.. يا إلهي..الفتاة.. ماذا تكون قد فعلت الآن؟.. إنني أسلم نفسي لكم..
- أستدر للخلف ويداك لأعلى..
- حسنٌ..
...

- لقد رفض رجل الدين استقبالك..لأن الملائكة أخبرته بأنك نجس..أيها اليساري القذر.. لماذا أنت صامت.. أين نعيقك اليومي في الجامعة وبطولاتك الصوتية.. نعرفكم جيداً.. إن أمك هي الوحيدة التي تعلم والدك الحقيقي.. أو ربما لا تعلم..فقد نام معها المئات كل يوم..
- آه..
- هل يؤلمك الصفع.. أنت لم ترَ شيئاً بعد.. لدينا الشرس ذو القضيب الفولاذي.. ستستمتع كثيراً.. ولكن ليس قبل أن تخبرنا بكل شيء.. والآن.. دعني أدخن سجارة من سجائر الإمبريالية.. والآن.. أوووف.. والآن.. ما المخطط الذي وضعه حزبكم لقلب نظام الحكم.. نعلم أنك قبل أسابيع التقيت به في منزل صديقك الداعر الذي ينفق أموال والده المهاجر على النساء.. بالمناسبة.. من هي تلك الفتاة التي هربت معك.. هل عشقت مومساً باسم الحرية..هاهاهاها.. تحرياتنا عنها جارية وسنعرف أين تختفي بسهولة.. يبدو أنها الحمامة الزاجلة التي تنقل الرسائل المشفرة..أنظر.. هذه رسالة مكتوبة داخل علبة السجائر.. الأرنب البري قفز من النافذة.. ودخل إلى الدغل الشائك ليأكل الموز.. ما هذه الحماقات.. اللعنة.. مشكلتكم أنكم تعتقدون بأنكم أذكى من العالم كله.. أليس كذلك؟.. ها.. لماذا أنت صامت.. هيا تأوه قليلاً..تأوه وابكِ كالنساء حتى نمنع عنك الرجل ذا القضيب الفولاذي..
- ليس لدي ما أقوله.. أنتم تعرفون كل شيء..كل شيء..
- ولماذا تصرخ.. ها.. على أي حال..أنت صيد تافه..نحن نبحث عن الصيد السمين.. الأرنب الذي دخل الدغل الشائك ليأكل الموز... ستخبرنا به؟ أليس كذلك؟ ربما كنت تفضل الاغتصاب فأنت مخنث في كل الأحوال وربما سيسعدك اغتصابك..
- آه.. آه..
- تحدث ووفر على نفسك تعذيباً مؤلماً..
- سأتحدث..سأتحدث..
...
- إنها تصلح يا عزيزي..
- بالتأكيد.. لا زالت تفاحة طازجة..
- هذه النوعية من البشر محظوظة جداً..الآلهة منحتهم القدرة على الإنجاب كالأرانب..
- كلما كان الإنسان فقيراً بائساً كلما منحه الله ما يكمِّل به نقصه..الولادة ثروة الفقراء..
- وأما أنا الثرية زوجة الثري فأكتفي برؤيتك تضاجعها وتنجب منها..
- الدنيا لا تمنحنا كل شيء.. والآن يا صغيرتي.. ما رأيك.. هى خمسة ملايين لتفعلي ذلك.. وبالقانون.. سأتزوجك وستنجبي..سأطلقك وتغادري بدون الطفل..
- ولكن.. ولكن..
- ألستِ جائعة؟
- إنني أتضور جوعاً..
- اسمعي يا فتاتي الصغيرة.. هذا العالم في هذه اللحظة يعج بالقصص المأساوية.. اللحظة التي أدللك فيها لتقبلي الزواج مني هناك من يتعرضون للإغتصاب وسلخ الجلد.. إنني أوفر لك الأمان.. المال.. المال هو أمان كل إنسان.. أمانه العاطفي وأمانه الجسدي.. هل ترين هذه اللوحة المعلقة هناك.. نعم.. إنها لوحة بيعت بالملايين.. كل من اشتراها لا يفهم في الفن شيئاً.. فليس من المهم أن يكون الفن مفهوماً.. لأن المال هو الذي يجعل كل شيء مفهوماً حتى اللغة الصينية.. نحن نرفع الفنان المغمور ونحن من نحطمه في لحظة ما.. نحن من نحدد إذا كان ذلك العمل فناً أم مجرد تفاهات.. نحن الذين نشتري النقاد الفنيين ليقولوا للعالم بأن هذا الهراء إبداع لا مثيل له.. ودعيني أقول لك سراً.. نحن من صنعنا أعداءنا.. نحن نصنع الأعداء ليستمر الصراع.. ونحن نستفيد من إستمرار الصراع.. لأننا نملك المال.. لذلك أنصحك بقبول العرض...فهو لن يتكرر مرة أخرى.. سيتربى طفلك بين أبوين ثريين عطوفين..وتنالين أنتِ المال..
- إن عرضكما هذا في حد ذاته جريمة يا سيدي..فكيف ستكونا عطوفين وأنت وزوجتك مجرمان؟
- لا شيء في هذا العالم اسمه جريمة.. الجريمة هي القرار الذي يمس مصالحنا والذي نضعه نحن داخل أوراق نسميها قانون.. الجريمة بحث عن تحقيق مصلحة تتعارض مع مصالح الآخرين بشكل سافر..هنا يحكمنا ميزان القوة والقوة تتأسس على السلطة والسلطة تتأسس على القدرة على الإنفاق..
- أنا لا أفهم شيئاً مما تقول لكنني جائعة وأريد طعاماً..
....

- والآن..نحن لا نعتقل شخصاً إلا لأحد سببين..إما ليخرج مدمراً تماماً أو ليعمل معنا..
- سأعمل معكم..
- إن الإجابات السريعة نزق..
- ليست سريعة..كل مافي الأمر أنني فهمت حجمي بالنسبة إلى العالم..
- ها ها ها.. لست بطيئ الفهم كما كنا نعتقد..
...

- والآن يا سيدي.. أشكرك على الطعام ولكنني أرفض عرضك بالزواج.. غير أنني سأقبل النوم معك وبدون مال ولو انجبت فلكما الطفل أيضاً..
- لم افهم.. هل ترفضين علاقة شرعية ومالاً وتقبلين بخطيئة الجنس المجاني.. إن عاهرة تحت التمرين لن تقبل بذلك؟
- إن العطاء بلا مقابل ليس خطيئة يا سيدي..
- ما رأيك يا عزيزتي؟
- أرى أنها حرباء ولديها سر ما..
- لا يبدو لي ذلك..
- والآن يا سيدي.. متى سنبدأ؟
- لماذا أنت متعجلة إلى هذا الحد أيتها الفتاة؟
- اتركيها فهي تمن علينا الآن..هيا سنشرع الآن وعلى الفور..
- يبدو أنك أيضاً متلهف عليها..
- ها قد بدأنا نغير..
- هة.. ليست غيرة .. حسناً سأغادر اليخت وأترككما لشهر العسل.. أرجو ان تنجزي بسرعة أيتها الفتاة..
....

- رباه .. لم أشعر من قبل بمثل ما أشعر به الآن .. إنك دسمة العطاء..
- حقاً؟
- والأغرب من كل شيء أنها المرة الأولى لك..
- .......
- .......
- هل تعرفين؟
- ماذا؟
- أنا لا أملك مليماً واحداً..
- كيف هذا.. واليخت..
- لا اليخت ولا أي شيء.. إن عائلة زوجتي تملك كل شيء.. وربما تملكني أنا نفسي.. بعد عدة أشهر سيتم تتويجي رئيساً للوزراء كأصغر رئيس وزراء في العالم.. كنت أعتقد بأنني أملك كل شيء.. لكن بعد أن رأيتك أدركت بأنني بعت نفسي للشيطان.. قيدت حريتي بعبودية المال والسلطة.. هل تعرفين أنني أحببتك من أول نظرة..
- حقاً؟
- نعم.. وبعد هذه الليلة لا أريد أن تبتعدي عني..
- وزوجتك .. ألم تكن تحبها؟
- ولا للحظة.. لقد كنت أول الدفعة في كلية القانون وكانت معجبة بي.. أسرتها تدير الدولة بأكملها عبر نفوذ فولاذي.. لم أشعر أبداً بأنني رجل حقيقي إلا معك أنتِ.. كنت ..كنت.. إنني أهذي..
- إنك رجل حقيقي لو اتبعت عاطفتك..
- حقاً؟
- نعم.. أرى ذلك.. أنا لست متعلمة بما يكفي لأنصحك..
- التعليم هو من دمر حياتي.. لو كنت فلاحاً بسيطاً متزوجاً من فلاحة جميلة مثلك.. أحبها وتحبني ل..
- لما كنت ستعرف قيمة الحرية؟
- نعم..
- حسنٌ..ماذا ستفعل الآن..
- سأهرب معك إلى قريتكم..
- أنت خيالي..
- بل هذا ما سيحدث.. سأبيع سيارتي وألحق بك إلى هناك وأتزوجك إذا كنتِ تقبلين بي..
- وزوجتك..
- ستدخر كل نفوذها لتدميري.. لذلك سأهرب إلى قريتكم واتخفى كفلاح بسيط..
- أنت تمزح؟
- لا.. أقسم لك..
- ولكن هذا يبدو كالمسلسلات التي في التلفزيون.. إنه مضحك..
- هل ترين أن حبي لك مضحك؟
- لا.. ولكن.. ولكن جدتي هي التي ستضحك..
- جدتك؟
- نعم.. أرسلتني جدتي إلى العاصمة لكي أمارس الدعارة..
- حقاً؟
- نعم.. قالت بأنني يجب أن أتعلم التعامل مع الرجال لأتمكن من اصطياد زوج..
- مدهش؟
- وأنا كذلك اندهشت.. إنها امرأة عجوز ولكنها شيطانة..
- بل تمتلك كرامات سماوية..
- كيف ذلك؟
- لقد رأت ببصيرتها أنك ستلتقين بي لو غادرتِ القرية؟
- أتؤمن بهذه الأشياء؟
- كان والدي يؤمن بها.. والآن فقط بتُّ أؤمن بها..
.....

- والآن أيها الشاب الثوري..هل عرفت ما هو دورك؟
- نعم أيها العميد.. سأخترق القوى الثورية بل وسأقودها ضد النظام..
- من المهم أن تدرك بأننا سنحميك باستمرار..
- نعم سيدي..
- إن الخطة دقيقة جداً.. فأنت ستكون رئيس الوزراء القادم كممثل للثوار.. ومع ذلك فلن تتوقف عن مناكفة الحكومة..
- كل السيناريو الذي أعدته شركة دينكز محفوظ في قلبي قبل عقلي..
- ممتاز.. أنت محظوظ.. ليس فقط لأن بصيرتك تفتحت في الوقت المناسب..ولكن لأن المرشح لرئاسة الوزراء فقد عقله وفرَّ هارباً مع فتاة فلاحة..
- فلاحة؟
- نعم.. كم أشفق عليه.. ففي الغالب سيتربى ابنه الوحيد يتيماً وفقيراً..
- إنه أحمق بالفعل..
- بالتأكيد.. والآن.. اسمح لي بأن أناديك بسيدي.. يا سيدي..
- بكل سرور..

(تمت)
  • Like
التفاعلات: نقوس المهدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى