عبد الجبار الحمدي - خطوط كف يدي

ليلة ماطرة، كنت مرهقا نفسيا، خلتني سأغرق في شبر من دموع السماء التي شاركتني سوء طالعي... خرجت محتذيا وساوس الشيطان الذي ختل بين جنبات صدري يوسوس لي قائلا: إنها الخطيئة الكبرى لقد باعتك في سوق نخاسة الرجال، ابدلتك برجل عرفته مسبقا إنه يا صديقي كيد النساء... الصدمة التي احاطت بي جمدت جميع حواسِ بالكاد أغلقت فاهِ الذي فغرته الدهشة!!! أسئلة كثيرة هطلت في كل ركن من رأسي تحمل علامات الاستفهام صنارة صيد في مياه راكدة... شرعت اطوف على الأرصفة أحاور خطواتِ بهل وكيف؟ والأهم لماذا؟؟ كان تسارعها هربا من الاجابة هو نصيبك... إني أحبها جدا، عاهدتني على أن نكون معا والى الابد، أقسَمت بكل المواثيق التي أعرف بأنها أحبتني أكثر مما احببتها... لكني لم اصب بالعمى كانت تستمتع بالجلوس إليه، الضحكة التي دوت كانت كافية لأن تشرح كم هي منسابة منساقة نحوه، لم اتفرس في وجهه جيدا، اللعنة لِمَ لم ادخل وأقضي على الشكوك في رأسي؟ من يستطيع أن يفسر لي اي جنون يمكنه أن يقنعني بأني كنت في حالة وهم؟ كيف لي ان اهرب من أول صدمة عن مواجهتها؟ لا اعتقد أني أملك الجرأة على المواجهة.. بل لا احتمل ان اتلقى ضربة ثانية على رأسي، فتجربتي الاولى كافية تلك التي ادخلتني دهليز الشك وفقد الثقة بأي إمراة... لقد كذبت عليَّ العرافة التي قرأت لي خطوط كف يدي، هي من أخبرتني بأني سأعيش التجربة مرة ثانية لكن في هذه المرة ستكون المرأة بعيدة كل البعد عن الشك أو أنها تقارن بتلك التي خدعتني اول مرة، وها هي تفند ما قرأته العرافة في خط الحب حين سألتها اريد منك ان تقرأي حقيقة الامر هل يمكن لرجل مخدوع ان يكرر تجربة الحب؟ أظنها اخذت وقتا كافيا حتى باحت وقالت: سيكون لك حب آخر من إمرأة كانت قريبة منك حتى في محنتك الأولى، شاركتك احداثها لكنك لم تضعها في حساباتك، هي إمرأة عادية لم تتوقع هي الأخرى بأنها ستحبك او تكون انت الرجل الذي سيكون شريكا لها في حياتها...

كانت الطريق طويلا فُقِدت الجلبة منه، تعرى الشارع من الناس، كشفت عورته بأنه وحيدا يستحم دون إرادة منه... لعلي الوحيد الذي قام بفرك سطح ظهره وانا أضرب بقدمي تلك البقع من البرك المائية الصغيرة حتى افرغ شحنة الحنق التي اصابتني... يسمعني أذم واسب واشتم كل النساء اللاتي لا هم لهن سوى الخداع، لِمَ يمارسن العهر مع من لا يرغب بهن كشريك حياة؟ لماذا يسعين الى التسابق في كسب علاقات توردهن النميمة والشك؟ سأذهب الى العرافة سأقول لها في وجهها أنها مخادعة مثل كل النساء فها هي من قلتِ عنها ستذوب معي وهي تحرق خيط الحب لتضيء لك حياتك كما الشمعة... سارعت بإحراقِ بلهب فتنتها و أودت بي نحو الهاوية... لكن دعيني اصحح لك القول بأنها الهاوية نفسها...


  • قارئة الكف: يا إلهي ماذا كنت تفعل يا....
  • لا عليكِ فقط أريد منك أن تعيدي قراءة خطوط كف يدي لتقعِ على السبب..
  • قارئة الطالع: عن اي سبب؟ وأن أي شيء تتحدث؟
  • في المرة السابقة حين قرأتِ طالعي قلت لي بأني سألتقي بإمرأة كانت في محور حياتي غير أني لم أشعر بوجودها فقد كنت هائما بغيرها.. وبعد ان خسرت من احببت بسذاجتي أو استغفالها لي واستغلالي... لا اريد ان اتحدث عنها إنها تصيبني بالكآبة وربما الجنون...
أخبرتني عن تجربة ثانية سأخوضها وتصبح هي من ستكون شريكة لحياتي أليس كذلك؟

  • قارئة الطالع: أجل هي كذلك، وذاك ما قرأته في خط الحب عن كف يدك، شعرت بالغرابة!! فقد كانت خطوط يدك الأخرى عميقة الألم، فتجربتك السابقة أحدثت تصدعا كاد أن يُهَشِم مرايا الثقة كلها التي أفسمت انك ستكسرها، ولولا بصيص كان بعيدا في مرآة حياتك لما أبقيت على أي صورة انعكست ذات يوم بداخل عقلك ونفسك... إنك لاشك متشظي بداخلك؟ لم تجد السكينة أو الوئام حتى اللحظة... هيا أجلس وقص لي معاناتك
  • لقد خانتني هي الأخرى، فبعد خروجي من عندك وبعد أن قرائتك خطوط كف يدي أبهرتني بمعرفتك أدق أحداث تفاصيل حياتي التي مررت بها... والواقع كنت لا أؤمن بكل العرافين أو قارئي الطالع، لكنك لمست أوتارا ما ضرب أحد عليها من قبل ولم أُسمِع آهاتها لأي أحد، كأنك كنت ترسمينها مفاتيح لسلم معاناتي برتم حزين... كما قلت لك خانتي من احببتها بعد أن تعاهدنا على الثقة، الحب وكيوبيد كانا شاهدانا على ذلك العهد، لقد حددنا موعد الإرتباط لكني الليلة وجدتها مع رجل غيري وهي تضحك كأن الملائكة احاطت بها تخيلتها وهي محاطة بالاشبينات حولها وهي تمسك بباقة الورد يصرخن فرحا بأن ترميها ليتلقفنها عل طالعهن قريب كي يرتبطن بمن يحبن... الدهشة ألجمت لساني، شلت حركتي، لم يكن لدي وسيلة سوى الهروب من مواجهتها بخيانتها لي...

  • قارئة الطالع: اعطني كف يدك واصمت لبرهة...
قلبت بصرها بين خطوطها المبتلة، قطرات الماء ترائت لها تدفع بالشك كمياه آسنة أفرزتها هواجس و ساوس شيطان الشك... تجرف القطرات بكل تشظيات الصور التي تساقطت في لحظة خوف من مواجهة... مسحت بمنديل كف يدها وأزالت نياشين الوسوسة ثم ضحكت هههههههههه، عذرا يا ولدي إني ما ضحكت إلا لأني رأيت أنك ستعيش حياة سعيدة جدا مع نفس المرأة التي شككت بها، ها هي امامي أراها بثوب الزفاف تمسك أنت بيدها يملئك شعور بأنك أمسكت السعادة بين يديك... آه لو ترى ما أراه لسارعت في التو الى الجري نحوها والإعتذار منها في شكك فيها، الأفضل لك بأن لا تخبرها بشكك فذلك سيهز ميزان الثقة بينكما... أكبح وسوستك بل خذ ممحاة الحب وأمحي كل المفردات التي لم تكن على السطور، امحق الحواشي فما هي سوى افكار ناتئة أليس كذلك؟؟؟

  • لكن ماذا تعنين؟؟ هل أنا على خطأ و وقعت في بئر الشك؟ هل يعقل أني صدقت وساوس صدري أم إنها بقايا تلك التجربة؟
  • قارئة الطالع: هي كذلك يا بني... لحظة أنتظر إني أراها قريبة منك ربما لمحتك حين وقفت متجمدا، تبعتك دون أن تشعر أقسم إني أراها بيننا الآن..
كانت الصدمة الثانية بالنسبة له... ها هي تقف أمامه مبتلة بشكل غير ملامحها، شعرها المبعثر، ثيابها... حتى كحل العيون تمرد وراح يسير بعيدا عن جفونها الناعسة... بادرته قبل أن يلم شتات نفسه... لم ذهبت؟؟ دعني اصحح لم هربت؟؟ ألم أقل لك بأني سألتقيك واعرفك على أخي الذي كان مسافرا وعاد الليلة؟ ام تراك كالعادة نسيت...

  • الذهول والاحراج جعلاه يطأطأ رأسه محرجا وهو يمسك بيدها مقبلا إياها قائلا: إني آسف لقد نسيت ثم خرج بها دون ان يلتفت الى قارئة الطالع وهي تقول له أمسك عليها إنها عتبة دارك التي قُسِمت لك.
القاص والكاتب

عبد الجبار الحمدي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى