د. أحمد الباسوسي - عائدة من السماء

عادت سعاد من المدرسة، قالت لامها "لقد صعدت الى السماء اليوم يا امي"، سعاد طفلة في الصف. الرابع الابتدائي بالمدرسة الحكومية القريبة من المنزل، الوجه الخمري الصغير الجميل بدا شاحبا متعرقا، يونيفورم المدرسة عليه آثار الشقاوة والتهدل الواضح، انفلتت ابتسامة من الأم وهي تنصرف الى شواغلها من دون اهتمام أو تعليق. سعاد لحقت بامها، اعادت الكلام من الأول " لقد صعدت الى السماء اليوم يا امي". ما تزال ام سعاد تنبش في خزانة الملابس عن القطع التي تحتاج الى الغسيل، ثم انصرفت الى المطبخ تتابع اجراءات الطبخ، سعاد لحقت بامها ثالثة امام موقد الغاز، للمرة الثالثة اعادت نفس الكلام لكن بصوت أعلى محتجا على التجاهل " لقد صعدت الى السماء اليوم يا امي". تبرمت الأم، رمت نظرة غاضبة للطفلة الثرثارة، غمغمة على السريع " طب حمدالله على السلامة ياحبيبتي روحي غيري هدومك عشان تاكلي لقمة وتعملي واجباتك". سعاد مصرة على ان تحكي، والأم ليس لديها وقت ولا دماغ للاصغاء الى خيالات الأطفال. حدث قبل ثلاثة ساعات بالتمام أن دق جرس المدرسة العتيق الذي اكل الصدأ حوافه، يعلن بداية الفسحة، محروس الفراش انصرف في اتجاه باب المدرسة بعد ادائه المهمة الغبية التي يكلفونه بها عن طريق رنات الهاتف المحمول لأحدهم في مكتب سكرتارية المدرسة. تدافع الاطفال كالمعتاد، دائما هناك فرحة، سرعة، تهور، اندفاع بأقصى قوة للخروج من الممر الضيق حيث تنفتح أبواب فصول المدرسة عليه الى درجات السلم الرخامية ثم الى الفناء. بنيان سعاد الهزيل القصير لم يحتمل قوة التدافع من زملائها وزميلاتها. اختل توازنها، انحشرت داخل السلم في رحلة الهبوط، سقطت على الأرض، عشرات الاقدام الصغيرة دهستها من دون دراية ولا رحمة، تركوها وحيدة، ملقاة فوق المربع الرخامي العريض على أحد قلبات زوايا السلم من دون حركة ولا نفس. المدرسون الهابطون خلف الأطفال انخلعت قلوبهم، منهم من احاط بالطفلة يتحسس جسدها ونبضها، ومنهم من جرى مذعورا يخبر ناظر المدرسة والاسعاف، ومنهم من تسلل خلسة الى حال سبيله وكأن المسألة لاتعنيه. عشرة دقائق بالتمام ماتت فيها سعاد، أو هكذا بان الأمر، علامات الموت التي يدركها بعض الذين تحلقوا حولها في جزع تم تداولها على السلم أمام جسد سعاد المسجي، أو داخل مكتب الناظر الذي ترك كل ما كان يشغله وطار خلفهم. أمر بسرعة ابلاغ الاسعاف، تلاعبت الفئران داخل رأسه الصلعاء، توقع ان تنقلب الدنيا فوق رأسه بعد لحظات، قال شهود الواقعة المتوجسين من سيل الاتهامات القادم، الطفلة ماتت مدهوسة، عيونها شاخصة، لايوجد نفس، ولا نبض، اطرافها باردة، ومتهدلة. حملها مدرس التربية البدنية بين يديه في خفة، طاف بين حجرات المدرسين بحثا عن مكان مناسب ترقد فيه مختفية عن أعين التلاميذ، انتهى به الأمر الى غرفة الناظر، استنامها باريحية على الكنبة الجلد الكبيرة المواجهة لمكتب الناظر المكلوم المرتبك والمتوجس مما سوف يأتيه من الخارج من مشاكل لاحقا، الارتباك والقلق يضربان اركان الغرفة التي غصت بالمدرسين والمدرسات. طالب الناظر الجميع بالخروج فورا عدا وكيلة المدرسة السيدة امتثال التي التبستها الأزمة واعجزتها عن التصرف والنطق، وكذلك المدرس المسئول عن فصلها. التلاميذ في الفناء ما زالوا يصدرون ضوضاء لاتتناسب مع القلق الجاري في عروق الجميع سواء داخل غرفة الناظر أو خارجها، وكذلك لاتتناسب مع كل هذا القدر من الارتباك الذي يشل تفكيرهم. الدقائق تمر ثقيلة، وحادث الطفلة المسجية من دون حراك ولا نفس خلق غلالة رهيبة من القلق والتوتر والعجز لايمكن احتمالها. أمر الناظر وكيله بسرعة انهاء الفسحة ودق الجرس ايذانا باستئناف الدراسة. كذلك أمر ان يذهب كل مدرس الى فصله حالا قبل ان تأتي سيارة الاسعاف ويراها الاطفال. أخيرا بدأت روائح الهدوء والتفكير تلوح بشذاها، انحدرت الأمور بسرعة. عدة دقائق أخرى ثقيلة مضت، تم اخلاء الفناء، غلقت فصول المدرسة على الاطفال ومدرسيهم مع تجنب الاشارة الى الحادث حسب التعليمات. حطت سيارة الاسعاف بهدوء ومن دون صوت داخل الفناء، اندفع شابين بسرعة نحو غرفة الناظر بحسب البلاغ، فتحوا الباب، تملكتهم الدهشة والاستهجان، كان الرجل يجلس على كنبته وقد برقت اساريره من الارتياح والفرح، وبجواره وكيلة المدرسة تضحك وقد اتسع فمها الى آخره، ومدرس الفصل ردت روحه واستعاد حيويته وابتسامته. كانت سعاد تجلس بينهم على الكنبة، ظهرها مستند باريحية على مسندها، وساقاها مفرودان الى منتهاهما حتى الحافة، بدت في وضع اتكاء مريح. وجهها الصغير كان غارقا في المياه التي سكبوها فوقه لحظة الموت، عيونها تبرق من الدهشة والاستغراب. تحسس أحد الشابين نبضها، رفع ما بين جفنيها يطالع بؤبؤ العينين، تحدث معها مستفسرا عن اسمها واسماء والديها واخواتها واسم اليوم وتاريخه، وهذا الوقت من النهار، طلب منها السير في الغرفة بحركة بطيئة ثم سريعة، وتحريك ذراعيها وساقيها للامام وللخلف، ادهشت اجاباتها وحركاتها جميع من كانوا بالغرفة. حاول الناظر تبرير سبب استدعائهم الفوري الملهوف، لم يلتفت الشابان لكلام الناظر، فقط انسلا من الغرفة مؤكدين ان الطفلة طبيعية جدا، ربما تعرضت لحالة اغماء بسيطة بسبب الانيميا ونقصان في سكر الدم، اوصوا قبل ان ينصرفوا بضرورة فحصها طبيا. أمر الناظر بسرعة ارسال الطفلة الى فصلها واعتبار كأن شيئا لم يكن، طلب من المدرسين والموظفين عدم الحديث في هذا الأمر نهائيا، قال انه سوف يتحدث مع ولي امرها بشأن الفحوص الطبية المطلوبة. هكذا انتهت مسألة سعاد عند هذا الحد. كذلك أمر الناظر المدرسين بضرورة تنفيذ التعليمات الخاصة بتنظيم خروج الاطفال من فصولهم وتطبيقها بدقة لمنع تدافع الاطفال، "الحمدلله ربنا سترها علينا المرة دي مين عارف ممكن يحصل ايه بكرة"؟. خرجت سعاد آمنة من فصلها في نهاية اليوم الدراسي، اختفى كل شيء من رأسها، لم تعد تذكر الحادث ولا حتى الدروس التي حضرتها. بعد الظهر وصلت الى المنزل، اشتعل رأسها فجأة بتفاصيل غريبة لا علاقة لها بحادث السقوط والدهس، بل بامور اخرى غريبة. كانت ملهوفة لأن تحكي عن هذه الأمور التي حدثت معها، كأنها مدفوعة بقوة داخلية غير قابلة للسيطرة لأن تفضفض وتقول، حامت حول امها عدة مرات، الأم ليس لديها وقت للغو الاطفال، لكن سعاد مدفوعة بقوة جبرية داخلية لأن تقول " امي صدقيني لقد صعدت اليوم الى السماء ورجعت". اخبرت أخوها الأكبر العائد توا من كليته، وكذلك اختها الكبيرة العائدة من مدرستها الثانوي، ليس هناك أحد متشوق لأن يجعلها تتم كلامها، طاردتهم وهم يبدلون ثيابهم، وهم يفتحون موبايلاتهم ينقرونها باصابعهم، واصلت معهم حتى باب الحمام، لا أحد متشوق لسماع تلك الأخيلة. في المساء جاء الأب بوجه متجهم، لم ينتظر حتى يتجمعون حول طاولة الطعام مثل المعتاد، عيناه قلقة حزينة، سأل عنها بمجرد دخوله من باب الشقة، استدعاها على الفور، تفحص هيئتها، احتواها في حضنة بقوة، بغريزتها المدهشة ادركت انه يعرف كل شيء، أخبرته بوجه يفيض فرحا وسعادة، "لقد صعدت اليوم الى السماء يا ابي"، ابتسم رغم طابع القلق الغالب، اعد لها جلسة مريحة بجواره، عيناه تتفحصان جميع خلاياها، طلب منها ان تخبره كيف حدث ذلك، قالت بصوت مرتفع " وجدتني اطير الى السماء، كأني أسبح في البحر ولكن الى فوق، نتف صغيرة وكثيرة من الثلج الأبيض تحيط بي من كل جانب، شعرت كأني أطير داخل فضاء واسع من القطن الأبيض شديد النصوع، كل شيء حولي كان جميلا ورائعا يا ابي، كنت فرحانة، العب واضحك مع الأطفال حولي، كان هناك وجوه لرجال ونساء تنظر نحوى لا تنطق ولا تنفعل، جامدة، لا تبين ملامحهم جيدا، من يكونوا هؤلاء؟، ظللت اتصاعد، لم انشغل بشيء سوى متعة الصعود وجاذبية الألوان والاضواء، طائر أو حيوان كبير، ظهر فجأة أمامي، جناحيه كبيران جدا، يضربان الهواء بقوة وينظر نحوى، عيناه كانتا حانيتان وهما تتفرساني، لم يكن له ريش مثل الطيور على الأرض، عندما اقترب مني استدعاني بصوت هادئ وحاني، ناداني باسمي، طلب مني ان اصعد فوقه، اكتشفت ان ظهره مخلوق من الجلد لونه رمادي غامق مثل جلد البقر، له اذنان كبيران، واربعة سيقان، وبطن كبيرة، ضخمة مثل عجل البقر، كان هذا الكائن كبير الشبه من البقرة تجلب لنا الحليب، لكنه في هيئة طائر يمشي في السماء. ركبته أخيرا بعد ان كاد ان يحل بي التعب، مشينا في السماء، هناك شوارع وعربات تجرها الخيول والحمير والبغال، وسيارات ووجوه رجال ونساء من دون ملامح، كانوا يتسكعون، منتشرون في كل الاركان والزوايا. لم يهتم بنا أحد، وجوه جامدة واجساد بلاستيكية خالية من الحياة والمنطق، وأغبرة دخانية رمادية اللون داكنة تتصاعد وتنتشر على مساحات كبيرة، والسنة نيران رهيبة تبتلع الأشجار وحقول الذرة ومزاع المانجو، بلغ سمعنا أصوات فرقعات مرعبة مصحوبة باصوات بشرية مقهورة تستغيث من تلك الطيور الكبيرة ذات اجنحة لاتتحرك وتحلق في السماء، وتلقي حمولات رهيبة من قنابل وذخائر القتل والدمار التي تأكل الأخضر واليابس، اخبرتني البقرة الطائرة اثناء التحليق عن ذلك الرجل الذي قتل المرأة بعد ان ضاجعها توا، لم أفهم هذه العبارة يا أبي، لكن البقرة الطائرة تملكها شعور جسيم بالحسرة والبؤس والتقزز على مشهد الدمار والخراب من تحتنا. قررت ان ترتفع الى أعلى، غادرت طبقة السماء الأولى الى الثانية، كنت مذهولة من الأضواء المتداخلة والألوان التي تشيع انقباضة في النفس، الفضاء متسع لكن حزين، تعجبت من كل هذا الهدوء والموسيقى التي تجلب الشجن والدموع، وقرص الشمس الذي استحال فجأة الى وجه بشري دائري جميل، أعرفه يا ابي، انه وجه خالي، كان يبتسم مثل عادته كلما رآني قبل ان يتركنا ويأخذه الموت فجأة، كان يغمرني بالحلوى والشيكلاته وأكياس بطاطس الشيبسي كلما هللت عليه. كان عطوفا وحنونا، فرح عندما رآني، غمرني بالقبلات، طالبني أن اخد بالي من نفسي، وهكذا أوصى البقرة الطائرة ان تحميني من الأشرار،. لم أفهم ذلك أيضا يا ابي، هل يوجد أشرار في السماء؟!، رغبت في المكوث بجانبه فترة أطول، هزت البقرة الطائرة رأسها بغضب وطارت الى أعلى. اخترقنا طبقات السماء الواحدة تلو الأخرى، كنت اتسمع الى عزف موسيقى قادم من اركان الفضاء، وأحيانا استشعر الموسيقى وكأنها مبعوثة من داخل جسدي الذي يسبح من دون تعب، رحلة رائعة يا أبي، لم استمتع برحلة مثلها. ليتك كنت معي، اعدك واعد امي ان اصطحبكما معي في الرحلة القادمة، ربما تكون قريبة. في الطبقة التالية من السماء كان هناك رجل يطلي وجهه باللون الأحمر والأبيض والأسود، ويلبس بدلة حمراء ويضع طرطورا فوق رأسه، مثل بهلوان السيرك القومي الذي رأيناه العام الماضي، كان يرقص بخفة، يتمايل مثل راقصات التليفزيون، يخرج لسانه للجموع التي كانت تحيط به، رغم ان الغضب كان يفضح عيونهم وحركاتهم، لكنه كان مستمتعا بكل مايفعله من حركات وما يقوله من نكات سخيفة. سألت البقرة الطائرة عنه، غمغمت، قلبت وجهها مستاءة ومشفقة على المتحلقين حوله. طارت في السماء تبحث عن طبقة أخرى كانت تقطنها امرأة شابة فائقة الحسن والجمال، استدارت نحوي، ابتسمت لي ابتسامة جافة، منزوعة الحياة، احتوتني بذراعيها، شرعت في سحبي من فوق بقرتي الطائرة واخفائي في حضنها، لم اتردد في الصراخ، كانت عبارة عن عروس مصنوعة من البلاستيك والألوان البراقة. لكنها كانت مصرة على نزعي من فوق بقرتي وتردد "انا امك ياسعاد، انا امك ياسعاد"، الصرخات المتتالية انفلتت مني رغما عن ارادتي، انها لا تشبه امي يا ابي، انها امرأة كانت تريد اختطافي، اركان السماء رجعت صراخي، المكان كله اصطخب بصراخي المتتالي خوفا من تلك المرأة التي تريد اختطافي، هل يمكن ان يخطفوني من حضن امي يا ابي؟. البقرة الطائرة ابتعدت بي، حلقت الى أعلى. كنت خائفة، مرعوبة، بمجرد ان ابتعدنا استعدت هدوئي، ابتعدت البقرة في السماء أكثر، طالعنا حشود كبيرة من الخلق يتحلقون في دائرة كبيرة حول شاب بشرته بيضاء، متهندم في بدلة انيقة سماوية بلون السماء وشارب مقوس خفيف، منتوف شعر الوجه والجبهة، يقف على طاولة خشبية صغيرة، اصابعة تعبث باوراق كوتشينة تقليبا وترتيبا وتفنيطا. يرسم ابتسامة خفيفة للجموع ثم يأخذ نقودهم ويضعها في جيبه. تطلع نحوي بابتسامته الباهتة، طلب مني المكوث بجواره ومساعدته وسوف يغرقني بالمال. انقبض قلبي من ايماءاته، اشاراته، وابتسامته الميتة ومن حركات اصابعه على ورق الكوتشينة، وحشود الناس الطيبين الذين كانوا مستغرقين معه وفي حركاته وضحكته الغامضة. طلبت من البقرة ان نغادر هذا المكان على الفور، قلبي لايستطيع تحمل النظر الى هذا الشاب المحتال. طارت البقرة في الحال، اخترقت طبقة اخرى من السماء. لمحت من أعلى مساحة كبيرة مصبوغة باللون الأسود، طالعتني البقرة في استغراب، لم تنتظر طلبي منها بالاقتراب، توجهنا نحوهم، ملايين من النسوة متشحات بالسواد، عيونهم غاضبة، قلوبهم مفطورة بالحزن وخيبة الأمل، رايت الفقر ينضح من خلاياهم واسمالهم، يرددون كلمة واحدة هي " خدعنا هذا الرجل، خدعنا هذا الرجل". لم أفهم ذلك يا أبي، من هو هذا الرجل المخادع؟. بقرتي لم تهتم بالشرح، يبدو انها كانت قد تعبت. صوت النسوة الغاضبات كان يزلزل المكان رغم عجزهم وقلة حيلتهم البادية في حشدهم الضخم. طلبت من بقرتي ان نتريث قليلا ريثما نتعرف على الموضوع، لم تهتم، تحركت بسرعة بعيدا عن تلك البقعة السوداء. أخبرتني عن نهاية الرحلة وضرورة عودتنا حالا الى الأرض. في رحلة العودة سمعت صوتا غامضا يخبرني انه سوف تكون هناك رحلة أخرى، واننا سوف نكون معا،. من الآن سوف اجتهد في دروسي وأكون الأولى على المدرسة لأحصل على هذه الرحلة مرة أخرى". صمت الرجل قليلا قبل ان يحتويها في حضنة ويضمها بقوة. صمت الأم التام اشاع حالة من التوتر والقلق استغرقت المكان، سعاد تجلس وسطهم مثل ملكة تملك رحلة سحرية وحالة مدهشة من التشويق والجاذبية امتلكتت بها عقول والديها، ذلك حادث يندر تكراره، انها الآن مصدر الكلام والحكايات الغريبة. المرأة الأم اعقدتها الدهشة، سقطت فجأة في بئر من الحوادث غير المفهومة وغير المعقولة ولا المطمئنة، لم تستطيع ان تنطق، انتظرت ان ينطق الرجل الذي حضرا توا بذلك الوجه المتجهم وتلك الحالة من الخوف والارتباك. لم ينطق الرجل، طفق يمسح باصابعه شعر سعاد ووجنتيها، وتتسع ابتسامته كلما ضحكت الطفلة. القلق والاضطراب يتلبسانه بقوة، أخبرها بعفوية انها لن تستطيع الذهاب الى تلك المدرسة منذ الغد، سوف يحول اوراقها الى مدرسة أخرى مستواها أفضل حتى تتمكن من ان تحرز المركز الأول. احتجت سعاد بقوة لاتريد ان تترك زملائها، حاولت الزوجة الاستفهام بعد ان استشعرت الخطر. طلب من سعاد الانصراف والاستعداد للذهاب للمدرسة الأخرى حتى يتسنى لها الذهاب في رحلة سماوية أخرى. في هذه اللحظة هدأت سعاد، غادرت الغرفة في هدوء. ادركت الأم ان مكروها جسيما حدث، اخبرها الرجل عن الاتصال الهاتفي الذي تلقاه من صديقه قبل قليل يستفسر فيه عن حالة سعاد بعد ان تم دهسها في المدرسة بواسطة التلاميذ وفقدت الوعي واشاعوا انها ماتت، هكذا اخبره ولده عمرو زميل سعاد في المدرسة ويدرس في الصف السادس الابتدائي.
د. احمد الباسوسي
اغسطس 2018

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى