أمل الكردفاني- خط النهاية- قصة قصيرة

يتقطر العرق من جبهته، وتزحف الحبيبات المالحة إلى عينيه، لكنه يُخمد الألم بدعكهما بأصبعيه. يستمر في العدو..
إنه لم يلتفت أبداً للخلف.. أبداً.. ذلك أنه لم يهتم أبداً بما يفعله العداؤون الآخرون. في الواقع كان يخشى خط النهاية أكثر من العدائين الآخرين.
- في خط النهاية ينتهي الحلم..
سأله الصحفي:
- ليبدأ حلم جديد؟..
- لتبدأ رتابة جديدة..
حذاؤه الرياضي يمس طرف خط النهاية.. لم يحاول أبداً الدخول برأسه كما يفعل العداؤون الآخرون..
- عند خط النهاية كان ينتابني التردد.. أشعر بأنني كنت أعدوا وراء وهم..شيء لا قيمة له..
- لذلك لم تكن تبتسم؟
- كيف أبتسم وأنا لم أجد شيئاً..
- لماذاً كنت تستمر في المشاركات؟
- كنت أبحث عن معنى ما.. في الواقع كان المجهود البدني يُعطني إحساساً بأنني بذلت جهدي نحو مسؤولية ما..
- والميداليات؟
- كانت تمنحني القدرة على التذكر.. تذكر أنني ظللت أبحث عن شيء ما.. وأنني لم أجده.. كصائدي كنوز السفن الغارقة في المحيطات.. وما أوسع المحيطات..
أبداً لم يلتفت إلى الوراء.. لأن الزمن لا يتراجع إلى الخلف.. إنه يمتص كل شيء كثقب أسود يبتلع المجرات.. كان يرى كفيه ترتفعان وتنخفضان أثناء عدوه.. يبدوان مضحكين..مثل أرجوزات مسرح العرائس. وهناك جماهير من الأطفال تضحك بغباء وبراءة سخيفين.. وامتداد المضمار البرتقالي تحت قدميه يهرب إلى الخلف..رجل بلا ملامح يرفع علماً كرقعة شطرنج ويسقط وراء المشهد دائماً.. هناك طفلة أخرى تضحك بهستيرية وتمد ذراعيها القصيرين نحوه كلما اقترب منها، ثم تسقط خلف المشهد دائماً، هناك أيضاً امراة صارمة الملامح وقد تخفي طيبة خلف ذلك الوجه الحديدي، أو خوفاً ماً أو مزيجاً من الطيبة والخوف.. تسقط بدورها خلف المشهد دائماً..
فما حاجته إلى الإلتفات إلى الخلف.. إنه يفقد إحساسه بجسده ويصبح مجرد كاميرا تسجل المشاهد.. أحيانا يسمع أصوات الجماهير..ضحكاتهم.. وهمهمات أحاديثهم العرضية.. يبدو أنهم يتسلون جيداً.. يقضمون الفشار والفول ويملأ بعضهم فمه بالطعام ويمضغه ببطء وهو يتأمل في العدائين بعينين حائرتين..
يطفو جسده في الهواء.. ويرى خط النهاية.. حيث ينتهي بحثه رغم أنه يرغب في المزيد والمزيد من العدو.. لكن لكل شيء نهاية.. والنهاية لا شيء سوى خط سخيف.. لا معنى له..

(تمت)
  • Like
التفاعلات: أمل عمر أبرهيم

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى