محمد بشكار - رسائل الكفران (الجزء الثاني والثلاثون)

1
أحْقَر تَشْويهٍ للسُّمْعة هو الذي يتعرَّض له في زمننا قوس قزح، هذه الهِبة الطبيعية التي تُزيِّن بحزامها المُلوَّن خصْر السماء، لمْ يَعُد أحدٌ يتجرَّأ على ارتداء القُمْصان التي تَحْمِل رسم قوس قزح، لم تَعد صوره المحفوفة بألوان الفرح، تصلح جسرا لبث الأشواق بين الخليلات والخِلَّان، أسَفِي على قوس قُزح سقط من جميع الأعين وهو بريء من كل خطيئة وليس عارا، أما المُتَّهم هُم أولئك الذين أفسدوا الطبيعة واتخذوه للشذوذ شعارا !
2
من لا عجينة في كرشه يتجشأ من القلب!
3
لِلمقْرُوئية ثلاثة أعمار، عمرٌ نقرأ فيه قصص الأطفال التي تُنمِّي بذرة الحلم، وعمْرٌ نسْتهلِكه في قراءة الروايات والتجارب الملحمية الضَّخمة، وهذا العمر الثاني الذي يتوسط المهد واللحد، يجعل المرء يُفرد ملء الشغف مع الأوراق المسطورة أجنحة الخيال ليحلِّق عاليا، أما العمر الثالث فنقْضيه في قراءة نتائج التحاليل الطبية!
4
ما أكثر من تدْفَعُه الحماسة والحَمِيَّة إلى أنْ يندلع رافعاً أقوى الشِّعارات، وحين ينتبه لِينْظر من بقي حواليه في زمن الانبطاح، يكتشف أنه كان يرفع مع شعاراته النِّضالية الأصبع !
5
ما زالتْ عبارة أحد النُّقاد المغاربة الكِبار تَرِنُّ في أذني، قال لوْ كنتُ مكانكَ ناشراً في جريدة، لأصدرتُ كل شهر كتاباً، أجبتُه بل بالعكْس بسبب هذا المكان الورقي أُحارَبُ في بعض دور النشر الذين غسلوا أياديهم من حِبْر الشِّعْر، لأنِّي رفضتُ أنْ أصير لعبةً في الأيادي القذِرة التي أفْسَدتِ الثقافة في البلد، صَمتَ النَّاقد طويلاً وحين وصله المَغْزى انتفض كَمنْ نطَحتْه مَعزى وقال ساخراً، إنَّ من لا يَسْتغِلُّ مهْنته كما تستغلُّ العناكب خيوطها لتسلُّق المناصب، يَصْدُق عليه القول المأثور: جزَّارٌ ويتعشَّى باللَّفْت!
6
إلى كل مَنْ عُيِّن حديثا في منْصب المُدير أو الوزير، حذار من أزْلام الأمْس، إنَّهُم بالبراعة الكافية لِيصْنعوا على مقاس كلِّ الظُّهور بَرْدعةَ الحمير!
7
حين تتصدَّر الرَّداءة الواجهة تُصبح الخَلْفية أنْظَف!
8
مَنْ اختار أنْ لا يكون مِلْكيّة خاصة لأحد، يَدْفع أقْسَى الضَّرائب، ولكنَّه بالمُقابل لا يُباع ولا يُشْترى في صفقات الجراد العلني !
9
ليس فظيعا أن تجُوع بالبطن إذا عوَّدْتَ النَّفْس على الكفاف والعفاف، إنَّما الأفْظَع أنْ تكون جائعا بالطَّبْع والتَّطبُّع، عجبي من أين لهم كل هذه الأشداق ليأكلوا في نفس اللحظة من جميع الأطباق!
10
مُوضةُ الفتيان والفتيات هذه الأيام في الصيف والشتاء، صندلةٌ بلاستيكية بجوارب تغطِّي نصف الساق، وهذا لا يقْترِفه حتى رعاة الأغنام السارحين في سهوب البراري، لا أعرف من جعل الرأس موضع الأقدام وأفسد الذوق العام !
11
لا تجعل قلبك كتابا مفتوحاً أمام أنظارالجميع، ثمة من لا يُحْسِن القراءة ويُفْسد المعاني !
12
كنتُ أحسب أنَّ الحلزون الذي صام في قوْقَعتِه حيناً من الدَّهْر، استجمع طيلة هذه المدة أفكارا لا يُضاهيه أحدٌ في فرادتها، ولكنه فوجئ حين استيقظ بكل الحلازين كانت تفكر بنفس تفكيره الرياضي، أيْ التَّزحْلق بين أرجل المشاه، مسكين هذا الحلزون لم يكن يحسب أنَّ كل بني فصيلته الرَّخْوة ستخرج يوم خروجه ويضيع بين الأشباه !
13
تعامُل المرأة مع بنات جِنْسها يخْتلفُ عن تعامُلِها مع الرجال، فهؤلاء في نظرِها يَسْري عليهم ما يَسْري على الأطفال!
14
الكتاب كالبشر كِلاهُما قابلٌ للتَّجْليد، ولكن لا أعرف أيَّهما أحَقُّ بالجَلْد!
15
ثمة من يفْتعل في زمننا الحِداد لِيصْرِف عنه الأحْقاد !
16
ليس المُهِم أن تشْقى كثيرا لتقطف مِن الثمار قليلا، ولكن الأهَمَّ أنْ تبقى أنقى !
17
علَّمَتْني التَّجربة الطويلة في الاستهلاك التي أودت بجيبي إلى الهلاك، أنْ أختار المقهى غير الغفير بمُحْتَسِي الكؤوس الذين يضمِّدون بالبُنِّ الرؤوس، أولئك الذين يحْترفون جريمة قتل الوقت، ليس لأنِّي أنْأى بنفسي هرباً مما هو اجتماعي، بلْ فقط لأجْل الظَّفْر بالعيون السُّود لرشْفةِ قهوةٍ مُعْتَبرة، ذلك أنَّ صاحب المقهى الذي ضمن الزَّبائن الكُثُر وأصبحوا في جيب النادل مُجرَّد بقْشيش، يُكوِّر ويُعْطِي للأعور، أمّا مَنْ كان في مقهاه يَنُشُّ الذباب، فهو يُمْسِك آلة عَصْر القهوة كما يُمْسك الرُّبان بالدَّفة خوفاً من الغرق في الزبد، لكن لا أحتاج للتأكيد أني قريبا سَأُغادر هذه المقهى أيضاً، فقط أنتظر أن تمتلىء بالزبائن حين تنْطلي على الجميع الرَّشْفةُ بخَدَرِها اللَّذيذ !
18
الطبخ تذوُّقٌ ومَعْرفة وليس مُجرَّد تحريكٍ للمِغْرَفة !
.................................................
افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم الخميس 9 يونيو 2022.




1654846784349.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى