عبد الله البقالي - رجل بلا خيارات 2

حين وقفت امام الطبيب اول مرة، أحسست ان شيئا ما غير محمود العواقب سينضاف لحكاية متاعبي الصحية. اذ من الوهلة الاولى شعرت اني امام مصارع اكثر مما احست اني امام طبيب. بنية جسمانية هائلة. كتف هرقلي، ورأس ضخم اصلع يشبه تماثيل المقاتلين القدامى. و عيناه حين ينظر للمرضى تفيد انهم ليسوا بالنسبة له سوى نقط متناثرة عليه الربط بينها من اجل رسم مسار ثرائه.

محادثاته عبر الهاتف التي كانت تقطع حبل حواراته مع المرضى كانت في الغالب مع اشحاص من وسطه، او اطباء مثله. و دائما كان الحصول على المال هو الشاغل. مرة قال لمتصل وانا اجلس قربه: " احنا ما وصلناش حقنا من الصابا"

سألت نفسي: هل انا امام طبيب ام اقطاعي؟

نموذج مختلف عن ذلك الطبيب الذي تحتفظ به الذاكرة. و الذي هو في الغالب رجل كهل، غزا الشيب رأسه. يضع نظارات طبية و يتحدث في الغالب بصوت خافت مطمئن. ملامحه تعبر عن السكينة و الثقة.

حين دخل غرفة العمليات، كان يبدو متسرعا و يرغب غي ان ينهي العملية في اسرع وقت ممكن ليذهب الى مقصورة عيادته من اجل استقبال الزبائن. وكان أول ما فعله لدى دخوله، هو انه القى نظرة علي متوقعا ان ان يكون التخذير قد فعل فعله. غير انه اندهش وتضايق وهو يراني في كامل الصحو. تحدث الى الممرض المكلف بالتخذير ثم اتجه صوبي لمعرفة المدى الذي بلغه التخذير: كم سيجارة دخنت هذا الصباح؟

احبت: لا ادخن قبل الفطور. و انت نصحتني ان احضر دون تناول تلك الوجبة.

استدار جهة الممرض وقال بغضب: " زيدو". ثم غاب. ليظهر بعد مدة. سألني من جديد: كم سيحارة في اليوم تدخن عادة؟

اجبت: حسب الاحوال النفسية، لكن في العالب ادحن علبة كاملة.

استدار جهة الممرض وقال: "زيدو"ثم انصرف.

في المرة الثالثة بدا عليه القلق وقال لي: هل سبق ان تناولت مخذرات؟

_ نعم.

_ و تناولت الكحول؟

_ نعم.

انتابته نوبة غضب شديدة وعقب: انت دايرها من " السطاش" ؟

انفعلت وقلت له: لسنا هنا بصدد درس في الاخلاق. انا ازودك بالمعلومات لتعرف كيفية التصرف.

غضب ونادى الممرض: " زيدو".

حين عاد بعد لحظات قال لي: اي كلية سنخضعها للعملية؟

قلت: الكلية اليمنى.

عقب: لدي اقتراح آخر.

_ ماهو؟

_ ان نؤجل ذلك ونفتح الكلية اليسرى.

نظرت اليه غير مصدق وقلت: هل يعني ذلك اني لم اكن بصدد عملية مستعجلة كما اوضحت لي؟

غضب الطبيب غضبا شديدا وقال للمرض" زيدو و دوزي لو" ثم انصرف.

كان وعيي يتلاشى و تركيزي يتراجع. و مع ذلك لم افقد الوعي بما كان يدور حولي. لقد كنت اسحب الى الداخل وكأني انجر الى هوة عميقة تبتلعني. و يبدو ان الطبيب حضر هذه المرة دون ان الحظ وجوده. و حين تم دفع العربة التي تحمل معدات العملية التي يبدو انهم يخفونها عن اعين المريض مثلما يحدث مع الاضاحي ايام العيد، استشعرت ذلك من خلال اصوات تلك المعدات التي كانت ترتطم فيما بينها بسبب ان ارضية غرفة العمليات كان بها حفر. و ذلك ما نبهني ودفع بي الى فتح عيني. و استطعت ان ارى نظرات الطبيب المرعبة وهو ينظر الي، و احمد الله كونه لم يكن يملك بندقية و الا لكان قد سددها اتجاه رأسي...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى