باقر جاسم محمد - أقنعة المسرح

نظرت إلى الساعة الجدارية المعلقة إلى اليمين. كان الوقت الساعة السابعة إلا عشر دقائق. إذن لم أتأخر فالموعد في السابعة. وها أنا الآن أقف في طابور من المدعوين أمام الباب الداخلي المؤدي إلى القاعة التي ستشهد الحفلة التنكرية. كان المكان يسبح بالأضواء التي تأتي من مصابيح وضعت في أماكن غير ظاهرة. وكانت الموسيقى تصدح راقصة وصاخبة. كنت أراقب من هم في الأمام وعلى وشك الدخول، فأراهم يتقدمون نحو ثلاثة أشخاص ينظمون عملية الدخول, وهم يرتدون أقنعة لم أتبين ملامحها من مكاني الذي يبعد عنهم حوالي عشرة أشخاص. وكانوا هؤلاء الثلاثة ضخام البنية حتى ليمكن القول أنهم عمالقة. وكانوا يرتدون زياً رسمياً متشابهاً. فيدور حديث خافت بين من يوشك على الدخول وهؤلاء الثلاثة. ثم يختار قناعاً من فوق طاولة وضعت إلى الجانب الأيمن من باب القاعة، ويضعه على وجهه ويدخل. لم أستطع أن أفهم ما كان يدور من كلام حتى وصلني الدور، فتبينت ملامح الأقنعة التي يرتدونها. كان أحدهم يرتدي قناعاً ضاحكاً، والثاني يرتدي قناعاً باكياً، والثالث يرتدي قناعاً يعبر عن الحيرة. قال أحد العمالقة بلهجة محايدة:

ـ أرتد أحد هذه الأقنعة.

قلت:

ـ كيف؟

أجاب ذو القناع الضاحك:

ـ العالم مأساة دائمة.

أضاف ذو القناع الباكي:

ـ العالم مهزلة أبدية.

وأضاف ذو القناع الحائر:

ـ العالم كتاب مفتوح.

حقاً إن الأمر يثير الدهشة، ترى ما الذي يقصدون؟ أشار ذو القناع الضاحك إلى ثلاث مجموعات من الأقنعة موضوعة على الطاولة المغطاة بقماش مخملي أخضر، كأنه يحثني على الإسراع. نظرت إلى الأقنعة. كان الأول يمثل وجهاً ضاحكا، والثاني يمثل وجهاً باكيا، والثالث يمثل وجهاً حائراً. أضاف ذو القناع الباكي:

ـ لك الحرية في الاختيار.

قلت في نفسي: "لي الحق في الاختيار. فأي الأقنعة سأختار؟ هل أختار القناع الحائر؟ فأنا حائر حقا! لا، لا. سوف أختار القناع الباكي، فما أشد حزني على احتلال بلادي، وعلى القتل والتدمير الذي نعيشه كل يوم. ولكن، ولكن يقولون أنها حفلة تنكرية. ليكن، سأختار القناع الضاحك." مددت يدي وأخذت القناع الضاحك ووضعته على وجهي. قال العملاق ذو القناع الحائر:

ـ تفضل من هنا.

و فتح الباب الأسود الكبير فدخلت إلى ممر معتم ثم انعطفت إلى مكان الحفلة. كان المكان يغص بالمدعوين والقائمين على الحفل الذين ارتدوا جميعا الأقنعة. وكان بعض المدعوين منشغلاً بالحديث في حين انصرف بعضهم إلى تناول عصائر ومشروبات متنوعة، واكتفى آخرون بالجلوس صامتين. أما القائمون على الحفل والمسؤولون عن إدارته فقد انصرفوا إلى متابعة ما يدور، وتوجيه مساعديهم حين الحاجة. وحين أعدت النظر وحدقت بهم جيدا، اكتشفت أن المدعوين نساء ورجالاً يرتدون القناع الضاحك. أما منظمو الحفل والمسؤولون عن إدارته فقد كانوا يرتدون القناع الباكي. وثم اكتشفت طفلا يجلس منفرداً في أحد الزوايا. وكان هو الوحيد الذي يرتدي القناع الحائر.


الحلة
الجمعة 26 ـ30/ 8/ 2008م

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى