فوز حمزة - قبل الفراق.. قصة قصيرة _

سألته وأنا أشعر بالخوف ينمو داخل جسدي:
- هل تدرك أننا لن نكون معًا بعد اليوم؟
لم أسمع أي إجابة منه فسمحت لنفسي بالبكاء، الحياة تصبح قاسية أحيانا.
نهضتُ من فراشي بعد أن سحبت يدي من تحته وسرت خطوات صوب النافذة التي تجمعت فوق زجاجها كمية من البخار رسمت فوقه دائرة بجانبها دائرة ثم واحدة أصغر.
كانت السماء ملبدة بالغيوم و القمر من بينها يوشك على الرحيل بينما الضباب يغطي أسطح المنازل والبنايات. كانت الساعة الأولى من الفجر.
حملتني أفكاري المشوشة لعالم آخر، شعرت بالظلام يسود تلك الأفكار عندما وجدت نفسي أتساءل:
هل هو مدرك لما سيحدث بعد قليل؟
رغبت في معرفة شعوره قبل الانفصال، لكن عدلتُ عن الفكرة حينما أدركت ان الشعور حالة لا تصيبه أبداً.
قطعتْ الممرضة سيل الأفكار المتدفق من رأسي حالما دخلتْ الغرفة. استلقيتْ على ظهري بناءً على طلبها، فموعد حقنة تنظيم الضغط قد حان.
قلت له بعد أن خرجت: تبدو غير مبالية بما سيحدث لنا!
أن الرد ليس سهلا على مخلوق مثله. أقنعت نفسي بهذا السبب وأنا أعيد يدي لأضعها تحته. على الرغم من احتضاره إلا أنه كان دافئا، ذو عبق خاص ولون مميز. تمنيت لو أنني أقبله بكل ما لدي من شعور، أدركت تلك اللحظة كم أنا غبية؟!
لم أدرك أهمية وجودة إلا عندما حانت لحظة فراقه.
بينما امسكه بيدي الشمال مددت ذراعي اليمين للمرضة لتقوم بسحب الدم منها، أغمضت عينيّ غير راغبة بالتفكير بما سيحدث لي بعد قليل.
أقنعتني نفسي بأنني سأكون تحت التخدير. قلت لنفسي: إنك حقا جديرة بالثقة، تمنحيني ما أحتاجه دائماً.
تناهى إلى سمعي صوت خطوات قادمة باتجاه الغرفة، إنها الممرضة راديسلافا، طلبت مني ترك سريري ومرافقتها لغرفة العمليات، كنت أسير خلفها وكأن سحب من دخان كثيف شديد السواد يحيط بالمكان، الغرفة كانت آخر الممر على يمينه.
الغريب أنني ابتسمت في وجه الطبيب وسألته بالبلغارية: كيف حالك دكتور ماركوف؟
لا أدري لمَ فعلت ذلك؟ ربما لأبدو أمام نفسي قوية.
ابتسم ولم يرد عليّ، بل التفت لطبيب آخر وقال له مستغربا: لا يبدو عليها الخوف!
خلعت قميصي و أستلقيت على السرير، ساعدتني إحدى الممرضات على ذلك، وجوه كثيرة كانت في الصالة لم أستطع تمييز أصحابها إذ سرعان ما غبت عن الحياة.
كانت النافذة هي أول شيء يقع بصري عليه حينما استرددت وعييّ. رؤية المطر يهطل تبعث على الحزن.
بعد دقائق طويلة، حينما عرفت أن كل شيء أنتهى، أدخلت يدي في أعلى قميصي أبحث عنه.
كنت أعرف أنني لن أجده مع ذلك حزنت كثيرا حينما وجدت بدلا عنه لفائف طبيبة مربوطة بعنقي تحتها قطع شاش بيضاء.
سألت ممرضة لم أرها من قبل وأنا أحدق في صدرها الكبير:
- هل تم كل شيء بنجاح؟ على الرغم من معرفتي بما حدث إلا أني كنت أريد سماع صوتها لأكسر هذا الصمت المخيف.
استغربتْ من سؤالي، لكن ذلك لم يمنعها من أن ترد بابتسامة:
- نعم كل شي على ما يرام . لقد تم استئصاله!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى