محمد مصطفى العمراني - نهاية الأحلام!

لم يصدق عبد السلام أحمد ما رآه بعينيه .!
فرك عينيه ثم تحقق مرة أخرى فإذا بالبئر التي يكمل حفرها في العام الماضي قد صارت مليئة بالنفط .!
مد يده فتأكد من السائل الأسود ، الفرحة التي غمرته جعلته يجري نحو منزله وينادى أولاده ليهرع الجميع إلى بئر النفط .
واحتار ماذا يفعل :
ـ هل يبلغ السلطات أم يكتم الخبر ليستثمر هذا النفط لمصلحته فقط ؟!
ـ وإذا بلغ هل ستعطيه الحكومة حصة منه أم أنه لن يستفيد شيء ؟!
ـ لكن كيف يستثمره لوحده ؟!
النفط يحتاج شركة بأجهزة وفريق كبير وو
وقطع نجله تساؤلاته بالقول :
ـ لابد من إبلاغ المديرية .
أقتنع الجميع بضرورة إبلاغ السلطات فمهما حصل سيكون لهم من النفط نصيب ، على الأقل سيتم توظيفهم بشركة النفط وهي تدفع بالدولار .
بعد ساعات كانت أربعة أطقم من المديرية قد فرضت طوقا أمنيا على البئر ومنعت الاقتراب منها .
أبلغ مدير المديرية المحافظ ، ولكي يأخذ الأمر بمحمل الجد فقد بالغ حتى جعلها آبار من النفط ، وبدوره أبلغ المحافظ الصحافة التي بدورها زادت على الشبر أذرع ، وهكذا لم يأت المساء حتى توافد المئات من أبناء المناطق المجاورة إلى المكان .
ولأنه لا يوجد فنادق ولا مطاعم فقد ذبح عبد السلام أحمد رأسين من أغنامه وجهز العشاء للعساكر ولمن حضر من الشخصيات الهامة .
قام عبد السلام وأولاده بخدمة الناس بكل حب وسرور تداعبهم أحلام الثراء والمناصب ، قال لنفسه :
ـ لن أرضى بأقل من منصب مدير فرع الشركة و10 ألف دولار راتب وسيارة آخر موديل و20% من حصة البئر للمنطقة بإشرافي .
حدثوه بأن المحافظ سيأتي في اليوم الثاني لرؤية بئر النفط ، سيأتي ومعه الصحافة والتلفزيون طبعا ، وعليه فلابد أن يستعد .
من الصباح الباكر لبس أفضل الثياب لديه ، أرسل أولاده لبيع مجموعة من الأغنام ، وشراء المواد الغذائية وقام بذبح مجموعة أخرى لغداء المحافظ .
أتصل ببعض أقاربه الذين جاؤوا ونصبوا خيمة كبيرة وفرشوها .
انتظر الجميع وصول المحافظ لكنه لم يأت ، انتصف النهار ولم يصل ، مضى الوقت فهاج العساكر وطالبوا بالطعام تم تقديم الطعام لهم .
عند العصر سمع الجميع ضجة كبرى ولاحت في الأفق طائرة هيلوكوبتر هبطت قرب المكان ونزل منها المحافظ وحراسته وطاقم كبير من الصحفيين .
لم يصدق عبد السلام أحمد أنه يصافح المحافظ شخصيا ، لقد كان يشاهده في التلفاز واليوم يقف بجواره ويتحدث معه .!
لقد قرص نفسه عدة مرات حتى تأكد أن ما يحدث له حقيقة وأنه لم يكن يحلم .!
أكد المحافظ على ضرورة أن يشاهد بئر النفط أولا ثم يتناول الطعام بعد ذلك .
بعد مشاهدة البئر وتناول الطعام أنصت الجميع للمحافظ الذي قال :
ـ طبعا المادة نفطية لا شك في هذا ولكننا ...
صمت المحافظ فصمت الجميع وتطلعوا إليه باهتمام فقال :
ـ لكن لابد من نزول لجنة خبراء من وزارة النفط .
ثم أضاف :
ـ وزير النفط صديقي ، كنت معه في اجتماع قبل شهر ولولا أنه مسافر خارج البلاد لما تأخر عن الحضور .
أخرج هاتفه وأتصل بنائب وزير النفط الذي أكد على حضوره صباح اليوم التالي وبرفقة لجنة خبراء .
كان عبد السلام أحمد مرتبكا وهو يتحدث أمام الكاميرات عن اكتشافه لبئر النفط ، تمنى أن يكون لديه تلفاز حتى يشاهد نفسه في التلفاز وكيف سيبدو ؟
في تلك اليوم توافد المئات لمشاهدة الطائرة التي جاء بها المحافظ ، لم يعد أحد يقترب من البئر ، الجميع تحلقوا حول الطائرة التي كان وصولها إلى المنطقة حدثا لم يسبق له مثيل .
تحولت المنطقة إلى طوفان من البشر حتى جاء العشرات من الباعة ، يبيعون القات والمشروبات والسجائر .
في اليوم الثاني باع عبد السلام أحمد مجموعة من أغنامه لشراء القات والمواد الغذائية ، وذبح ما بقي منها لإطعام العساكر والشخصيات الهامة ، لم يعد يهمه أمر الأغنام ، لقد جاء زمن النفط والدولارات والمناصب .
قبيل الظهر وصلت طائرة تضم وزير النفط ولجنة من الخبراء ، شاهدوا البئر وقاسوا محيطه وقطره ثم ذهبوا إلى الخيمة للغداء .
بعد الغداء قال نائب الوزير :
ـ لابد من وجود لجنة فنية متخصصة من شركة النفط للتأكد من المادة .
بعد اتصالات بالوزارة ورئاسة شركة النفط والمحافظ ورئاسة الوزراء تم تكليف لجنة فنية للنزول العاجل إلى المنطقة مزودة بأجهزة كشف وتحليل المواد النفطية .
في اليوم الثالث لم يكن لدى عبد السلام أحمد إلا ذهب زوجته فباعه وأشترى القات والمواد الغذائية والذبائح والشاي وغيره لإطعام المسؤولين واللجان والعساكر .
قبيل الظهر وصلت طائرة جديدة تحمل اللجنة الفنية التي ستفحص المادة .
شاهدوا البئر وأخذوا عينة من النفط لفحصها ، لم يطل الأمر فقد أظهرت النتائج أن العينة عبارة عن مادة الديزل المستعمل " ديزل حارق " .
فكر نائب الوزير ثم فتل شاربه ثم هز رأسه قائلاً :
ـ بعد الغداء نعيد الفحص لنتأكد .
تمت إعادة الفحص فإذا هي فعلا مادة الديزل الحارق .
صدم أحد الخبراء الجميع حين قال :
ـ قد يكون البئر عبارة عن كمية من الديزل الحارق تم سكبها في هذه الحفرة .
شعر أحمد عبد السلام بأن قلبه يكاد يهوي بين قدميه عندما سمع هذا الكلام لكنه تماسك .
وقطع نائب الوزير كل قول :
ـ نشفط المكونات إلى براميل فإذا استمر تدفقها فإنها بئر نفطية ، أما إذا انتهت ونضبت وظهر التربة جافة فإننا سنكون أمام حفرة ملئت بكمية من مادة الديزل الحارق .
وأضاف :
ـ الله يستر ، إذا لم تكن بئر من النفط فهي فضيحة كبرى .
وضحك وهو يقول :
ـ من سيسكت صحف المعارضة ؟!
بعد أن تم شفط كمية من الديزل ملئت البرميل الأول ظهرت التربة جافة .
واصلوا الحفر لأمتار فإذا هي تربة عادية جافة .
تأكد للجميع أنها كمية من الديزل سكبها مجهول في البئر ومضى .
أحمر وجه نائب الوزير وتوترت أعصابه ولم يدر ماذا يصنع فوجد نفسه يصرخ بمدير الناحية :
ـ تبلغونا أنها آبار نفط تسيل وثروات كبيرة ، جعلتمونا نلغي اجتماعاتنا ونأخذ طائرات من العاصمة ونجي إلى هنا ، وبالأخير يطلع لنا برميل ديزل حارق .!
ـ طيب لو جاء الرئيس ؟!
ظل يرددها وهو يلملم أغراضه فيما لزم الجميع الصمت .
وأضاف وهو يغادر :
ـ المواطن الذي بلغكم يحاكم بتهمة البلاغ الكاذب وإزعاج السلطات وتعطيل المؤسسات وتبديد إمكانيات الدولة .
شعر عبد السلام أحمد بقلبه ينخلع ويسقط بين قدميه ، لقد انهارت كل قصور أحلامه دفعة واحدة ، بعد أن باع كل شيء من أجل أن ينال الوظيفة والدولارات والفيلا وجد نفسه أمام كابوس .!
غادرت الطائرات المنطقة ، أسرع العساكر فامكسوا بعبد السلام أحمد ووضعوا الأصفاد في يديه ثم رموا به إلى الطقم وهو مذهولا قد أصفر وجهه وتخشبت لسانه ، غادر الجميع وأنفض المولد عن تلك الأكذوبة التي شغلت الجميع لأيام .!

*****

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى