سي حاميد اليوسفي - عاشقة فلسطين..

جلست عائشة تنتظر مسلسلها المفضل.. لم تصدق ما سمعته في الأخبار.. بقيت تحملق في شاشة التلفاز.. منظمة فلسطينية صغيرة تمتلك أسلحة بدائية، تفعل كل هذا بأقوى جيش في الشرق الأوسط.. الجيش الذي سمعت بأنه يحارب وهو نائم فوق الفراش، أو يشرب القهوة في الصالون، تقع له كل هذه البهدلة..
رغم ذلك لم تُخف فرحها.. لأنها اعتادت أن تنتصر للضعيف والمظلوم.. تكره المعتدي المتغطرس الذي يسلب الناس حقوقهم حتى لو كان شقيقها..
لم تكره اليهود.. عاشت معهم في المغرب، وتعرف بعضهم جيدا.. في الحقيقة تعاملت مع فقرائهم في الملاح.. اشترت منهم الحلوى والقماش.. بدوا لها أناسا طيبين مثلها.. لكن عندما هاجروا، والتقوا باليهود القادمين من شرق أوروبا أو غربها، ربما أصابت بعضهم عدوى الصهيونية..
سمعت مرة والدها وهي طفلة يتبادل الحديث مع الفقيه سي العربي.. وقع ذلك منذ زمن بعيد..
قال والدها:
ـ العرب واليهود أبناء العم.. أليس جدهم واحد هو إبراهيم عليه السلام؟
رد عليه سي العربي الفقيه:
ـ ولكن اختلفا في الدين. الإسلام يقول بأن إبراهيم عليه السلام كان سيضحي بابنه إسماعيل، وهم يُكذّبون ذلك، ويقولون بأنه كان سيضحي بإسحاق..
منذ ذلك الوقت والحرب تدور بين الطرفين تارة في الخفاء وتارة في العلن..
نسيت بأنهم أبناء العمومة.. اليهود والعرب أيضا نسوا نسبهم..
والدها كان يحب الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات.. رأته يصفق له، وهو يخطب في الأمم المتحدة.. لا زالت تحتفظ ذاكرتها ببعض العبارات من هذه الخطبة.. كانت تلعب مع أخيها الأصغر وتهدده:
ـ غصن الزيتون في يد، والبندقية في يد.. عليك أن تختار..
بعد ثمان سنوات رأت والدها يبكي مع الفلسطينيين عندما خرجوا من لبنان.. لم يتناول الطعام في ذلك اليوم.. سمعته يقول لأمها.. ليس لي نفس.. اجلسي مع الأطفال.. ظل يَقلِبُ الموجات في المذياع.. بين الفينة والأخرى يشتم مذيع الأخبار في هذه الإذاعة، فينتقل إلى أخرى... التلفزيون في ذلك الوقت كان يقطّر مثل هذه الأخبار التي تثير غضب الناس بالمليلتر..
كبرت عائشة وتزوجت، ومات الوالد.. شغل البيت وتربية الأبناء والعناية بالزوج، أخذ كل وقتها.. تجلس في المساء أمام مسلسل تركي، تُنسي به تعب وشقاء اليوم.. لم تعد تهتم بنشرات الأخبار.. شغل البيت وحاجات الأطفال لا تنتهي..
اليوم عندما أشعلت التلفاز وجدت نفسها أمام نشرة الأخبار.. انتبهت إلى موجة القمع التي اجتاحت أغلب بلدان أوروبا بمنع وتهديد كل من يحمل علم فلسطين، أو يتضامن مع شعبها بالسجن، بدت مثل الحمقاء.. كل الجمعيات الحقوقية عندنا في البلد تتعلم من الغرب.. كل المؤسسات الحقوقية الكبرى في العالم يسيرها غربيون..
قالت لنفسها:
ـ الحمد لله عندنا لم يمنعوا أحدا من رفع العلم الفلسطيني، أو المشاركة في المظاهرات والمسيرات المؤيدة لفلسطين، أو كتابة تدوينة يستنكر فيها الناس الجرائم الصهيونية..
قالت لصديقتها فاطمة في الهاتف:
ـ والله يا أختي فاطمة دخت.. لم أعد أعرف من أصدق؟! اختلطت علي الأمور.
أجابتها فطمة:
ـ إذا أردت أن تكتشفي وحشية الحركة الصهيونية، ونفاق الغرب، افتحي صفحة الشيخ غوغل، وابحثي عن مذابح الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين، وستفهمين كل شيء..
في المساء عندما انتهت من عملها المنزلي، فتحت هاتفها، وقالت باسم الله، ودخلت إلى صفحة الشيخ جوجل.. كتبت مذابح الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين..
قلبت عشرات الصفحات.. مئات المذابح.. عشرات العصابات الصهيونية المدججة بالسلاح.. صعقها ما قرأت.. تاريخ طويل من الدم الفلسطيني المهدور.. تهجير جماعي لعشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني..
سألت نفسها بمرارة:
أين كنت يا عائشة كل هذه السنوات؟!
تعجبت من صمت العالم عن كل هذه الجرائم! كيف نام الناس كل هذه الأعوام قريري العين؟!..
في الليل لم تنم جيدا.. في كل مرة يخرج إليها كابوس.. ترى عصابات مدججة بالسلاح تهجم على هذه القرية أو تلك.. تغتصب النساء والفتيات.. تذبح البشر والغنم والكلاب.. تستيقظ مذعورة.. تغسل وجهها.. تخاف العودة الى الفراش..
هيأت الفطور لزوجها.. لم تكن لها نفس لتناول الطعام.. في وقت الغذاء أوالعشاء لم تشعر بالجوع.. في الليل خافت أن تعود إلى الفراش.. نفس الكوابيس.. عصابات برؤوس حيوانات مفترسة، وأجساد آدمية تغتصب وتذبح، والدماء تجري كالأنهار..
أخذتها غفوة قصيرة، فصرخت مذعورة:
لا لا يا جوجل تمة خلل في جهة ما!.. يجب أن يقف هذا العالم على رجليه!.. لا بد أن يبعث الله نبيا جديدا يوقف هذا العالم على رجليه!..
مراكش 16 أكتوبر 2023

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى