صباح بن حسونة - عقوق

-[/B] أين زوجك؟
- و هل يمكن أن يكون لها زوج ! تبدو طفلة.
قالت الممرّضة وهي تجرّ سرير المريضة لتدخلها إلى غرفة العمليّات:
-ساقطة أخرى! ما أكثركنّ و ها قد ابتدأت مبكرا.
- لا يمكن أن تلد بشكل طبيعي، قال الطّبيب، رحمها ما يزال صغيرا و الجنين في وضع "الفارس".
-أين أمّك لم أنت بدون مرافقة ؟
-....................
-و والدك أ ليس لك عائلة؟
-............................
تأفّفت الممرّضة و زفرت آهة وهي تنظر إلى الفتاة الممعنة في الصمت . يبدو بطنها أكبر ما فيها. صغيرة كانت، تميل إلى القصر و إلى الهزال لولا بطنها الممتلئ أمامها و الذي يثير استغراب كل من يراها.

كانت تغطّ في نوم عميق بعد يوم حافل باللّعب مع إخوتها. ثمانية إخوة بين إناث و ذكور هي أوسطهم، على أبواب الخامسة عشرة تختصم على أهداب جسدها الطّفولة مع علامات أنوثة بدأت تظهر جليّة للعيان.

كانوا ينامون في نفس الغرفة يفترشون البسط الواحد إلى جانب الآخر و في بعض الأحيان ينام اثنان أو ثلاثة منهم على نفس البساط "رأس وذنب".
يومها عادت من المدرسة متعبة و كان المنزل فارغا،لم تعد أمّها بعد و إخوتها ما يزالون بين الشارع و المدرسة. ارتمت على إحدى البسط تستمتع باتّساعه على ضيقه و سرعان ما غطّت في النوم.

أحاطت بها القابلة و الممرّضات متجهّمات،قالت إحداهن و كانت الأكثر تجهّما و استياء وهي تجهّز الفتاة بغلظة مكشوفة و تتعامل بقسوة مع الجسد الصّغير:

-أين تضعينه و كيف استطعت التقاطه على سنّك هذه ؟ سنوات مرّت فَعلتُ فيها كلّ شيء و لم أقدر على ما قدرتِ عليه أيّتها العاهرة.

تبدو الفتاة كبلهاء فهي لا تحفل بما يحدث لها و لا بما يقال.

تذكر كيف شعرت بجسد يلتصق بها وهي نائمة و لم تهتم بمن يكون، كثيرا ما ينامون أحدهم فوق الآخر و تتشابك الأرجل

و تتداخل الأيادي الصّغيرة دون قصد حتّى لا تستطيع إدراك إن كان هذا جسدا أنثويا أو ذكوريّا..

لن يكون إلاّ واحدا أو واحدة من إخوتها الكثر جاء يبحث عن نومة هادئة هو الآخر. اقترب الجسد أكثر حتى أنها شعرت بثقله فوقها و بيدين تنزع عنها ثوبها الداخلي الصغير فلم تجسر على فتح عينيها لتعرف من يكون من إخوتها. ألجمها الخوف و أسكتتها المفاجأة، شعرت أن ما يحدث هو أمر غير عادي وضعت يديها على فمها حتى لا تنطق أو تصرخ و حتى لا يكتشف أحد ما يحدث لها، لم تفكّر لحظة في الدفاع عن نفسها أو الهروب، حتى هذا الجاثم على جسدها الصغير عليه أن لا يشعر بأنها شعرت به.

طالت الدقائق و كأنها ساعات. كانت تنتظر متى ينتهي كلّ هذا وانتهى ومغتصبها يغادر الغرفة بهدوء كما دلف إليها.شعرت بخطواته تبتعد و لم تستطع فتح عينيها إلاّ بعد أن تأكّدت من خروجه من المنزل و سمعت صوت الباب يغلق..

سارعت إلى غرفة الاستحمام لا تدري ما تفعل.كانت دموعها الصّامتة تسبقها، وقفت تحت الدش تزيل ما علق بجسدها بعد أن خبّأت فستانها وقد علقت بها قطرات قليلة من الدّماء. كانت حديثة عهد بالدماء التي صارت تجدها مرّة كل شهر و قد أخبرتها أمّها أنّ الأمر عادي و أنّها صارت صبيّة مكتملة الأنوثة و عليها الحفاظ على نفسها و أن لا تترك لأي أحد فرصة الاختلاء بها أو لمسها بأيّ شكل كان.و لكنّ الأمر حدث في هذه القيلولة و تعدّى أحدهم عليها في بيتهم دون أن تجرؤ على التعرّف عليه. لا تدري مالذي سيؤلمها أكثر، الفعل أم الفاعل. لا أحد يدخل عليهم منزلهم، غريمها هو أحد إخوتها.. متأكّدة هي من ذلك. هل هو ناصر أم رفيق أم أحمد أم عادل..كلّهم يفوقونها سنّا، هي أكبر فتيات المنزل وهن ثلاثة و الثامن هو أصغر إخوتها من الذّكور و لن يكون هو بأيّ حال من الأحوال.

قالت للأخصائية النفسيّة ردا على سؤالها:

-لم أكن أريد أن أعرف من يكون، حتّى لا أكرهه.

-و لكنّك الآن تكرهين جميع إخوتك.

أصبحت تراهم وحوشا و ترى في عيني كل واحد منهم آثار ما فعله بها فتجنبت الحديث معهم و استكانت إلى الصمت حتى اعتقدوا أنها صارت خرساء..

لم تكن تدري ما عليها فعله، هل تحدّث أمّها؟ هل تخبرها بما حدث ؟ و من ستتّهم منهم؟ قد ينكرون الأمر، أحدهم سيكون كاذبا و لن تدري أيّهم،و لن يصدّقوها و أوّلهم أمّها التي تثق بتربية أولادها و تنتظر أن يبلغوا مبلغ الرجال ليحموها و بناتها بعد أن رمى عليها زوجها كلّ الحمل إثر إصابته بمرض في إحدى ساقيه جعله غير قادر على العمل فلم يعد يهتمّ بعائلته وصار يقضي أغلب أوقاته خارج المنزل وإن كان يعود بين حين و آخر باحثا عن بعض أكل أو بعض نقود يفتكها من ابنه البكر الذي يشتغل في إحدى المقاهي.

لن تصدّقها أمها و لن يصدّقها أحد، سيتّهمونها بالفساد و بتلويث شرف العائلة، قد يضربونها و قد يرمون بها إلى الشارع و لن تجد إلى أين تذهب.لذلك اختبأت في صمتها إلى أن يحدث الله أمرا..

و ها الأمر حدث ! لم تنتبه إلى نفسها و إلى التغيّرات بجسدها إلاّ منذ شهرين..

فاجأتها الأمومة في عزّ طفولتها.

ذات صباح كانت تغيّر ثيابها عندما دخلت أمّها عليها الغرفة فرأت بطنها مكوّرا:

- ما هذا لِمَ يبدو بطنك منتفخا؟

هال الأمر الأمّ وقد سكتت ابنتها و لم تعرف ماذا تجيب فهي نفسها لا تعرف مالذي يحدث لها.

أخذتها من يديها و خرجتا معا إلى الشارع. إلى أين ستذهب بها؟ لا تعرف.. عليها فقط أن تتأكّد ممّا خطر ببالها، عليها فقط أن تتأكد أنّ ما خطر ببالها هو مجرّد وهم و خوف رافقاها منذ بدأت ابنتها تبلغ مبلغ الصّبايا.

ركبتا سيارة أجرة إلى المدينة المجاورة.كانت توالي النّظر من الشبّاك تتابع الأشجار التي تتسابق على حافّة الطّريق كتسابق دقّات قلبها المكسور " ماذا فعلت في حياتي لأعاقب بهذه الطريقة؟ ألست صابرة محتسبة أراعي الله في أطفالي و أشمّر عليهم ساعدي بكلّ ما أستطيعه. تناسيت حياتي كامرأة و تجاوزت عن سيّآت زوجي و تركته على هواه و شغلت مكانه، صرت أبا و أمّا. أمّا ! لِمَ يا الله أريتني بعد كلّ هذا بأسا في ابنتي التي أنتظر؟ كم حلمت بأن أراها تعيش مالم أعشه وتسعد بما لم أسعد به!"

كانت خيوط دموعها السخيّة تتابع على خديها في صمت موجع يوحي بما يعتمل في صدرها، لم تتكلّم طوال الطريق ولم توجّه الحديث إلى ابنتها. لن تقول شيئا حتى تفهم سرّ انتفاخ بطن ابنتها ذات الأربعة عشر ربيعا.

عند الطّبيبة أغمي على الأم ّوهي تسمعها تقول أنّ الفتاة حامل في شهرها السابع. عندما أفاقت كانت البنيّة تبكي والطبيبة تخبرها بأنّ عليها إعلام منطقة الشرطة لأنّ الفتاة قاصر.

رفضت الأمّ أن تعود بابنتها إلى المنزل. مالذي ستقوله لإخوتها و للجيران و لوالدها إن أتى و رأى بطنها، عليها أن تخفيها عن العيون الآن إلى أن تضع مولودها و بعد ذلك سترى ما يجب فعله..

قال أحد أعوان الشرطة :

- خذيها إلى إحدى الجمعيات سيتكفّلن بها و بابنها القادم.

كان الطبيب في غرفة العمليات يجاهد كي يوقف النزيف فقد تعكّرت حالة الأم الصغيرة فجأة وها هي توشك على فقد جنينها.

لم تكن تريد أن تفقده، أنضجتها مرارة التجربة حتى أنها صارت تفكر بما لا يخطر ببال من كان في سنها.. قالت للأخصائية النفسية التي تتابع حالتها في الجمعية:

- أريده أن يبقى وصمة عار على جبين عائلتي.

- أنت ضحيّة وهو مثلك، لا تتحدّثي عن العار.

- أنا انتهيت منذ اللحظة التي وطئني فيها أحد إخوتي عوض حمايتي، أريد أن أحمّلهم ذنبي طوال العمر، أن يروا قذارتهم مجسدّة أمامهم تذكّرهم بهواني عليهم.

واستطاع الطبيب إنقاذها و أن يؤبِّد هذا العار الذي تشعر به.

بقيت ثلاثة أيّام في المستشفى لم يزرها فيها أحد، حتّى أمّها لم تزرها منذ تركتها في الجمعيّة. أرسلوا إليها البارحة ليتحدثوا معها في مصير ابنتها و طفلها الوليد، تقول أنّها متمسّكة به و تريده أن يظلّ معها.

أخيرا عادت بابنها إلى منزلهم،فقد قرّرت الأم أن تتحمّل ابنتها و مولودها و طلبت من الجميع تقبّل الوضع كما هو فأختهم وقع الاعتداء عليها في الشارع ولم تستطع الشرطة أن تعرف الفاعل و سننسب الطفل لنا سيكون واحدا منكم.

ذات غروب، كانت في غرفة أمّها التي صارت غرفتها و ابنها منذ عادت إلى المنزل. بدأ يكبر قليلا و بدأ إخوتها في تقبّله و تقبّلها بينهم و إن لم تكلّم أحدا منهم منذ أن حدث ما حدث..غطّ ابنها في النوم فوضعته على حافّة الفراش و غادرت الغرفة لتغسل ثيابه عندما رأت عصا والدها ملقاة بجانب البساط الذي تنام عليه أختها عائشة و خيالا جاثما فوق الفتاة الصغيرة يرفع عنها ثيابها و يغطّي فمها بيده وهي تتخبّط تحته، فأطلقت حياة عقيرتها بالصّياح.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى