جوهر فتّاحي - لا شيء يدوم، حتّى الذوق...

الحياة، يا لها من لغز عجيب، تسير بنا كرياح متقلبة، تدفعنا إلى شواطئها تارة وتلقي بنا في أعماقها تارة أخرى.

هناك أشياء كانت تبدو لنا أجمل ما في الكون، حتى اعتقدنا أننا لا نستطيع العيش من دونها، وكنا نغرق في بحورها دون وعي، يملؤنا العشق لها. لكن، ومع مرور الوقت، يتغير كل شيء، ونكتشف أن هذه الأشياء أصبحت بلا طعم، مثلما يصبح الطعام البارد بلا لذة، أصبحت قطعة من ماض لم نعد نحتاج إليها، ولا إليه.

تلك الأغاني التي كانت تخلخلنا في لحظات الليل الطويل، وترافقنا في أحلامنا، نضحك على أنفسنا حين نتذكرها اليوم. كم من مرة كنا نستمع إلى تلك الألحان ونحن نغرق في بحر من الذكريات، وكأنها نافذة مفتوحة على عالم آخر. ولكن اليوم، حين نسمعها، نشعر بأننا غرباء عنها وعن أنفسنا، كما لو أنها أقفال ضاعت مفاتيحها وأصابها الصدأ. كانت تلك الأغاني حلمًا، واليوم أصبحت مجرد همسات بعيدة.

أما الأشياء التي كنا نتجاهلها أو نتذمر منها، فإنها تصبح فجأة في قلب حياتنا. مثل كتاب مرمي في رف مهمل كنا نراه ولا نفكر في فتحه يومًا. لكن نصبح فجأة لا نستطيع أن نبدأ يومنا دون أن نقرأ صفحة منه، وكأن كل كلمة فيه تحمل لنا طعمًا جديدًا، وكأننا نكتشفه لأول مرة.

لا شيء يبقى على حاله. حتى الذوق يتغير.

تلك هي الغريبة التي تسمى الحياة، تأخذنا في مسارات غير متوقعة، تجعلنا نضحك أحيانًا على اختياراتنا السابقة، بينما تقدم لنا فجأة ما كنا نرفضه أو نبتعد عنه. حتى مشاعرنا تتبدل مثلما تتبدل فصول السنة، وما كان حبًا يصبح هجرًا، وما كان كراهية يتحول إلى ولع.

وهكذا سنبقى، نعيش تناقضاتنا، وفي كل لحظة نكتشف ألا شيء يدوم، حتى الذوق. وكلما تعمقنا في تقلبات الحياة، أصبحنا أكثر تعجّبا من هذه الرحلة التي تجعلنا نحتار بين الماضي والحاضر، وبين ما كان وما أصبح.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى