ميمعة، معمعة، معمعان، ساحة وغى، معركة، كلها مسميات لمعنى واحد، هو الحرب بواحد من مفاهيمها. نعم الحرب. هذا ما أحسسنا به نحن أبناء العائلة الفلسطينية من أصل مهجر، طوال الوقت. وكما تعرفون فان الحرب تضع أوزارها، ما هذه الكلمة الفصيحة. تضع أوزارها. هه. غير أن أحدا منا لا يعرف من هو الغالب من المغلوب. كلنا غالبون وكلنا مغلوبون، وان كنا تهربنا من مثل هذا الاعتراف حتى لا يشمت احدنا بالآخر. ولماذا نسلم بالغلب؟ وكيف ستستمر الحياة إذا ما اعترفنا بأننا انهزمنا، فأدرك هذا من قبالتنا، ولتكن زوجتي، فاستدعى عازفي الطبول والزمور للاحتفال بمناسبة هزيمتنا السعيدة. تهربنا كلنا من هذا الاعتراف إلا حضرتي، فقد اعترفت بالغلب، ولم أتوان في رفع الراية البيضاء والخروج بها من بيتي، كي يستقبلني الفضاء الرحب مرحبا بي وبهزيمتي.
هكذا كانت البداية يا ولدي، أما ما تلاها فإنك لا تعرفه، هذه حكاية طويلة اعتقد أنها تحتاج إلى وقت لا يقل طولا عن طولها. إذا أردت سأبدا في روايتها. تهز راسك مستغربا يا ولدي ماذا تعني ؟ تريدني أن افهم انك لا تريد أن تسمع حكاية مطولة؟ طيب سأنزل عند رغبتك. أنا باختصار أتيت بعد سنوات الغياب الطوال لأكون بينكم، صحيح أنكم، أمك خاصة، قسوتم علي، إلا أنني أريد أن أعود إليكم، أريد أن اشعر بوجوي بينكم. أن أرى إلى أختيك، مؤكد أن الصغيرة شبيهة هيفاء وهبي، كبرت وتوجهت نحوها الأنظار على الطالع والنازل، أما تلك الأكبر منها قليلا، هندية الوجه، القد والمبسم، فاعتقد أن جمالها تسبب لك ببعض وجع الراس. صدقني يا ولدي إنني اشتقت إلى كل شيء، حتى أمك ومعاركها أضحت ذكراها هناك في قبري، مصدرا للحكايات، أروح بها عن نفوس جيراني، لقد أصبحت مشهورا بحكاياتي عنها فرويتها إلى جيران جيراني، وهؤلاء يريدون مني أن ارويها لجيرانهم. لقد أصبحت مشهورا بين الموتى. أصبحت معروفا في مجالسهم، فما أن يذكر اسمي بينهم حتى ترتسم الابتسامات على الوجوه، كأنما هي تريد أن تقول هذا الرجل يعرف كيف يروي حكاية تبهج من يستمع إليها رغم ما توحي به من معاني الألم. أمك يا ولدي.. ما الذي أراه على وجهك أإلى هذا الحد بات كلامي مملا، طيب طيب يا ولدي، جيراني الموتى سمحوا لي بالعودة إلى البيت مكافأة منهم لما أسمعتهم من حكايات.
هذا ما تريد أن تسمعه؟ تريد أن نصل إلى الكلمة الأخيرة لترتاح؟ ما أصعب هذا، ما أصعبه يا ولدي، أن يصبح الفتى العربي غريب الوجه واليد واللسان. طيب طيب، لا أريدك أن تتحدث عن المصاعب، فانا الفتها واعرفها وعلى استعداد للتعامل معها، الطريق التي قطعتها رافعا راية الاستسلام من بيتي إلى فضائي الأخير، وعيشي هناك سنوات، قوتني جعلت مني صنديدا ولا عنترة العبسي في أيامه المشهودة. هيا يا ولدي هيا أنا أريد أن أعود إلى البيت، اشتقت إلى أكلات مقصوفة العمر أمك، اشتقت لأكلة اللوف، ولأكلتي الفقع والعكوب كمان. أمك أتقنت هذه الأكلة عملا بوصية من جدتك، حينما قالت لها قبل موتها بسنوات، اطبخي له العكوب هو يحب العكوب. إذا أردتِ أن يحل عن ظهرك اطبخي له هذه الأكلة. فعلا اشتقت لهلملعونة، اشتقت لصيحاتها وصرخاتها وهي تجلجل في أجواء البيت والحارة، اشتقت لتكسيرها لمزهريات الورد، ورميها هديتي اليها في عيد ميلادها، من شباك بيتنا، وهي توجه إلي الشتيمة تلو الشتيمة، يخرب شرّها شو كانت خفيفة دم، مفهمتش هذا كله إلا لما غادرت البيت.
إلى أين أنت ذاهب يا ولدي. هنا في الحي الشرقي بيتنا، تأخذني إلى الحي الغربي؟ هل انتقلتم للإقامة هناك بعد خروجي من البيت؟ والله بطلعلكم يا عم، وشو هم، أمك استفادت كثير من الغرب، والله بطلعلها إنها تقيم في الحي الغربي. الغرب خلى حكومتنا تسن قانون حماية المرأة. من يوم ما شرحت هذا القانون، ومن يوم قلت لامك إنه هذا القانون بمكن المرأة من إنها تطرد زوجها من بيته/ها، انقلبت حياتنا إلى جحيم، أمك بطلت تطبخ العكوب وبطلت بدها رضاي، ولا رضا أمي في قبرها، صارت كل ما دق كوزها بجرتي، تدخل عليّ في غرفتي، تنفش شعرها مثل الغولة، وتركض دوز دغري للبوليس، البوليس كان مرات يصدقها، ومرات يكذبها، بس لما شاف إنها أكثرت من التردد عليه، ومفيش على جسمها ولا علامة تبـّين إني ضربتها زي ما ادعت، بطل يرد عليها. والله مصيبة. بعدين اكتشفت أمك طريق المحكمة، في المحكمة قلت قدام الحاكم انا ببعد نفسي عن البيت، ابتسمت أمك، وراحت تعلك لبان وتقول أنا بديش أعيش مع هذا الراجل، ساعتها رفعت الراية البيضا ولم يعد أمامي مفر من المضي بعيدا بعيدا.
هون بيتنا؟ بتقول هون بيتنا؟ في الحي الغربي، ادخل، احنا في الطابق الثالث، أمك تغربنت يا ولدي، والله تغربنت، يعني صارت غربية، بعـّدت عن شرقيتنا، باعت البيت اللي دفعت فيه دم قلبي وسهر ليالي، باعته عشان تشتري هذا البيت في الطابق الثالث؟ وين رحت يا ولدي؟ وين وقفتني في هاي المتاهة، ورحت. بتفكر إني بقدر أتسلق كل هذا الدرج الأحمر المتداخل. انت بتقدر تتسلق هذا الدرج، أنا بعرف هذا وأختك، هيفاء وهبي وهديك هندية الوجه، كمان بتقدر إنها تتسلق هذا الدرج، بتفكر إني أنا بقدر؟ أحاول؟ طيب بحاول وشو علي، يللا يا هو يا معين. ولك يا ولدي الدرج بهتز من تحت رجلي، معقول أنا صرت ختيار إلى هذا الحد؟ معقول إنها اجري هي اللي بتهتز؟ مش الدرج يعني؟ طمنتني، الله يطمن بالك، يعني أنا بقدر أواصل تسلق درج إمك. يللا يللا، عليه الاتكال، أخ زلت قدمي عن الدرج، القاني يا زلمة ولك انت مش ابني؟ والله إني لما كنت أشوفك تقع على الأرض كان قلبي يسقط بين اجري، ومكنش يعود لمحله إلا بعد ما اطمن على إنها الوقعة سليمة، أما أنت مش مستعد انك تبقى معي تني أصل إلى الطابق الثالث، طابق امك؟ يللا هه، أنا اتعلقت بأيد الدرج، تعلقت فيها، ونفذت بجلدي، إذا كان الموضوع إني أنفذ بجلدي انت بتعرفش بعدك إرادة أبوك وقوته. يللا هه، هياني استعدت توازني، وهاي انا بحط اجري على الدرجة من جديد، وهاي أنا بطلع بطلع بطلع. بس لوينته بدي اطلع؟ شو يعني هذا الدرج بنتهيش؟ والا أمك عرفت انه البعبع رجع، فاستنجدت بالغرب وقوانينه كي تعيده إلى حيث أتي؟ لا لا يا ولدي، عندي إحساس إنها أمك تغيرت، الحجر هو اللي بتغيرش، أما امك هي كومة من المشاعر أنا بعرفها، ومين مثلي بعرفها. امك مهجرة زي حالاتنا. ضحك عليها الغرب بقوانينه، اللي اتبعها اليهود، بس أنا واثق من إنها ريحة أراضي قريتنا سيرين رايحة تردها لأصالتها، للوفها، فقعها وعكوبها. أنا واثق يا ولدي. عشان هيك أنا مـُصـّر على العودة إليها والى البيت. أنا واثق من إنها الحياة اقوي من الموت، انت بتعرف إني أنا عرفت هدول الاثنين، واني غلبـّت في النهاية الحياة لأنها أقوى. أخ اجري زلت مرة أخرى عن الدرجة الحمرا. ولك يا زلمة خذ بيدي، وين رحت. اخخخخ، هاي أنا قدرت إني استعيد توازني، هاي أنا عدت شيخ الشباب. إطلـّع؟ أنا لازم أظل طالع لفوق تني أصل لامك ست الجمال والدلال؟ طيب يا أخي، اللي يحب الجمال يسمح بروحه وماله. زي ما قال عبد الوهاب، وشو بتفكر انه عبد الوهاب أشجع من أبوك؟ لا يا ولدي أبوك زلمة قوي، كانت دايما أحلامه كبيرة، أبوك لما بقرِّر انه يصل، بوصل مهما طال الطريق، بعدين تنساش انه أبوك سار في أصعب طريق في العالم، طريق حكاية القصص، وأبوك قدر انه يخلـّي الأموات قبل الأحياء يهزو روسهم إعجابا بقصصه. ابوك قدها وقدود، وبقدر يصل.
أطلع كمان درجة؟ كمان درجه وبصل؟ فعلا أنا وصلت، أنا وصلت لشباك المطبخ، الشباك مفتوح، أنا بقدر ادخل منه، ادخل، آه بدي ادخل، منا جاي لهذا الهدف، مين هاي؟ هاي أمك؟ معقول بعدها واقفة في المطبخ من يوم ما تركتها قبل سنوات يخرب شرها بعدها زي ما هي، رابطة منديلها على جبينها ” أبو عقيلة” يعني زي العقال، وماسكة السكين وبتقطع. يخرب شرك يا مرة شو قطعت بحياتك، اسأليني أنا، أنا أكثر واحد في العالم عانى من تقطيعك. أمك مش شايفيتني بعدها مشغولة بالتقطيع، أخ أخ. زلت اجري مرة تانية عن الدرجة أنا اسه معلق بالهوا، الوقعة من الطابق الثالث في بيت في الحي الغربي ممكن إنها ترجعني إلى فضائي السابق، امك تسمع صوتي، اشعر في عينيها كلاما، هي لا تريد أن تراني، لا الغربة ولا البعد ولا حتى الموت، مكـّنها من انها تغفر لي، ولك شو عملتلك يا بنت الحلال إحنا العرب بنستقبل عدونا وقاتل ابنا لما يفوت على بيتنا، انت مش عربية؟ بدكيش تشوفيني؟ طيب يا ست الحسن والدلال هذا من حقك زي ما قالت القاضية اليهودية، أنا بعرف انه محدا بقدر يجبر حدا انه يعيش معه. بعرف هذا كله. بس أنا كنت بفكر انه البعد عمل عمله وانك تغيرت. بعرف بعرف انه من الصعب على الإنسان انه يتغير. طيب يا عمي أنا تغيرت، انت بتفكري إني أنا بعدت عنك قبل المميعة، لأني كنت حابب إني ابعد؟ ولأنها كانت في امرأة أخرى في حياتي؟ ولك لا مكنش الأمر هيك، انت بتعرفي إني ابن مهجرين، حاولت كل الوقت إني اخلي هيفاء وهبي ترقص في بيتنا، وهديك الهندية تغنيلك أغاني هندية حبيتيها وانت تحضري الأفلام الحزينة المليانة بقصص الحب، تعبت وشقيت. يمكن أنا غلطت في إني وثقت بأنك انت قوية وبتختلفيش عني، يمكن أنا بالغت بإحساسي انك قوية وقلت لنفسي انك زيي، يمكن أنا غلطت. بس أنا دفعت الثمن لليهود وللغرب اللي اجو منه. شو بدك اعمل أكثر؟ أنا اسه راجع زيارة، زيارة قصيرة، بعدها رايح ارجع إلى فضائي اللامتناهي هناك، فضاء الموتى والحكايات. بدكيش أفوت على البيت؟ معقول هيك بتستقبليني، بعدك بتفكري إنها كانت في مرة تانية في حياتي؟ ولك مفيش لا مرة ولا بلوط، اللي فكرتيها مرة، كانت الحلم في إني اريحك وأريح أولادك، كانت الركض في صحاري الحكايات عشان امسك حكاية ترفعنا كلنا لفوق، المرة اللي فكرت في إني على علاقة معها كانت الكاتب في داخلي الكاتب إلي امتلأ راسه بالحكايات فاراد أن يبهر فيها الجميع. أنا كنت اركض وراء حكاية شارة مش ورا امرأة أخرى. يمكن كانت المرة الوحيدة المتربعة على سدة الحكاية الشاردة هي انت يا مجنونه. مش مصدقة؟ بتلوحي بالسكين في وجهي، بدكيش تستقبليني بعد كل هاي السنين؟ بدك تخليني أقع هاي المرة من شرفة المطبخ؟ بدك أعود إلى عالمي الآخر؟ إلى هذا الحد وصل حقدك علي؟ طيب طيب. اليهود علموك انه من حقك انك تحقدي على الرجل اللي كان زوجك وأبو أولادك، قالولك انه هذا من حقك. أي ي ي أنا بدي اسقط من الطابق الثالث، أنا بدي اسقط، انت قررت انك متوخذيش بأيدي عشان ارجع من حيث أتيت؟ هذا هو قرارك الأخير؟ أنا عارف إني رايح اسقط، عارف، عارف إني مش رايح اشوف لا بنتي شبيهة هيفاء وهبي ولا هديك أم الوجه الأسمر الهندي، مش رايح اشوف حدا. حتى ابني الشاب اللي أرشدني لطريق البيت الجديد في الحي الغربي وأدراجه الحمر، مش رايح اشوف حدا.. وين أنت يا ولدي؟
هكذا كانت البداية يا ولدي، أما ما تلاها فإنك لا تعرفه، هذه حكاية طويلة اعتقد أنها تحتاج إلى وقت لا يقل طولا عن طولها. إذا أردت سأبدا في روايتها. تهز راسك مستغربا يا ولدي ماذا تعني ؟ تريدني أن افهم انك لا تريد أن تسمع حكاية مطولة؟ طيب سأنزل عند رغبتك. أنا باختصار أتيت بعد سنوات الغياب الطوال لأكون بينكم، صحيح أنكم، أمك خاصة، قسوتم علي، إلا أنني أريد أن أعود إليكم، أريد أن اشعر بوجوي بينكم. أن أرى إلى أختيك، مؤكد أن الصغيرة شبيهة هيفاء وهبي، كبرت وتوجهت نحوها الأنظار على الطالع والنازل، أما تلك الأكبر منها قليلا، هندية الوجه، القد والمبسم، فاعتقد أن جمالها تسبب لك ببعض وجع الراس. صدقني يا ولدي إنني اشتقت إلى كل شيء، حتى أمك ومعاركها أضحت ذكراها هناك في قبري، مصدرا للحكايات، أروح بها عن نفوس جيراني، لقد أصبحت مشهورا بحكاياتي عنها فرويتها إلى جيران جيراني، وهؤلاء يريدون مني أن ارويها لجيرانهم. لقد أصبحت مشهورا بين الموتى. أصبحت معروفا في مجالسهم، فما أن يذكر اسمي بينهم حتى ترتسم الابتسامات على الوجوه، كأنما هي تريد أن تقول هذا الرجل يعرف كيف يروي حكاية تبهج من يستمع إليها رغم ما توحي به من معاني الألم. أمك يا ولدي.. ما الذي أراه على وجهك أإلى هذا الحد بات كلامي مملا، طيب طيب يا ولدي، جيراني الموتى سمحوا لي بالعودة إلى البيت مكافأة منهم لما أسمعتهم من حكايات.
هذا ما تريد أن تسمعه؟ تريد أن نصل إلى الكلمة الأخيرة لترتاح؟ ما أصعب هذا، ما أصعبه يا ولدي، أن يصبح الفتى العربي غريب الوجه واليد واللسان. طيب طيب، لا أريدك أن تتحدث عن المصاعب، فانا الفتها واعرفها وعلى استعداد للتعامل معها، الطريق التي قطعتها رافعا راية الاستسلام من بيتي إلى فضائي الأخير، وعيشي هناك سنوات، قوتني جعلت مني صنديدا ولا عنترة العبسي في أيامه المشهودة. هيا يا ولدي هيا أنا أريد أن أعود إلى البيت، اشتقت إلى أكلات مقصوفة العمر أمك، اشتقت لأكلة اللوف، ولأكلتي الفقع والعكوب كمان. أمك أتقنت هذه الأكلة عملا بوصية من جدتك، حينما قالت لها قبل موتها بسنوات، اطبخي له العكوب هو يحب العكوب. إذا أردتِ أن يحل عن ظهرك اطبخي له هذه الأكلة. فعلا اشتقت لهلملعونة، اشتقت لصيحاتها وصرخاتها وهي تجلجل في أجواء البيت والحارة، اشتقت لتكسيرها لمزهريات الورد، ورميها هديتي اليها في عيد ميلادها، من شباك بيتنا، وهي توجه إلي الشتيمة تلو الشتيمة، يخرب شرّها شو كانت خفيفة دم، مفهمتش هذا كله إلا لما غادرت البيت.
إلى أين أنت ذاهب يا ولدي. هنا في الحي الشرقي بيتنا، تأخذني إلى الحي الغربي؟ هل انتقلتم للإقامة هناك بعد خروجي من البيت؟ والله بطلعلكم يا عم، وشو هم، أمك استفادت كثير من الغرب، والله بطلعلها إنها تقيم في الحي الغربي. الغرب خلى حكومتنا تسن قانون حماية المرأة. من يوم ما شرحت هذا القانون، ومن يوم قلت لامك إنه هذا القانون بمكن المرأة من إنها تطرد زوجها من بيته/ها، انقلبت حياتنا إلى جحيم، أمك بطلت تطبخ العكوب وبطلت بدها رضاي، ولا رضا أمي في قبرها، صارت كل ما دق كوزها بجرتي، تدخل عليّ في غرفتي، تنفش شعرها مثل الغولة، وتركض دوز دغري للبوليس، البوليس كان مرات يصدقها، ومرات يكذبها، بس لما شاف إنها أكثرت من التردد عليه، ومفيش على جسمها ولا علامة تبـّين إني ضربتها زي ما ادعت، بطل يرد عليها. والله مصيبة. بعدين اكتشفت أمك طريق المحكمة، في المحكمة قلت قدام الحاكم انا ببعد نفسي عن البيت، ابتسمت أمك، وراحت تعلك لبان وتقول أنا بديش أعيش مع هذا الراجل، ساعتها رفعت الراية البيضا ولم يعد أمامي مفر من المضي بعيدا بعيدا.
هون بيتنا؟ بتقول هون بيتنا؟ في الحي الغربي، ادخل، احنا في الطابق الثالث، أمك تغربنت يا ولدي، والله تغربنت، يعني صارت غربية، بعـّدت عن شرقيتنا، باعت البيت اللي دفعت فيه دم قلبي وسهر ليالي، باعته عشان تشتري هذا البيت في الطابق الثالث؟ وين رحت يا ولدي؟ وين وقفتني في هاي المتاهة، ورحت. بتفكر إني بقدر أتسلق كل هذا الدرج الأحمر المتداخل. انت بتقدر تتسلق هذا الدرج، أنا بعرف هذا وأختك، هيفاء وهبي وهديك هندية الوجه، كمان بتقدر إنها تتسلق هذا الدرج، بتفكر إني أنا بقدر؟ أحاول؟ طيب بحاول وشو علي، يللا يا هو يا معين. ولك يا ولدي الدرج بهتز من تحت رجلي، معقول أنا صرت ختيار إلى هذا الحد؟ معقول إنها اجري هي اللي بتهتز؟ مش الدرج يعني؟ طمنتني، الله يطمن بالك، يعني أنا بقدر أواصل تسلق درج إمك. يللا يللا، عليه الاتكال، أخ زلت قدمي عن الدرج، القاني يا زلمة ولك انت مش ابني؟ والله إني لما كنت أشوفك تقع على الأرض كان قلبي يسقط بين اجري، ومكنش يعود لمحله إلا بعد ما اطمن على إنها الوقعة سليمة، أما أنت مش مستعد انك تبقى معي تني أصل إلى الطابق الثالث، طابق امك؟ يللا هه، أنا اتعلقت بأيد الدرج، تعلقت فيها، ونفذت بجلدي، إذا كان الموضوع إني أنفذ بجلدي انت بتعرفش بعدك إرادة أبوك وقوته. يللا هه، هياني استعدت توازني، وهاي انا بحط اجري على الدرجة من جديد، وهاي أنا بطلع بطلع بطلع. بس لوينته بدي اطلع؟ شو يعني هذا الدرج بنتهيش؟ والا أمك عرفت انه البعبع رجع، فاستنجدت بالغرب وقوانينه كي تعيده إلى حيث أتي؟ لا لا يا ولدي، عندي إحساس إنها أمك تغيرت، الحجر هو اللي بتغيرش، أما امك هي كومة من المشاعر أنا بعرفها، ومين مثلي بعرفها. امك مهجرة زي حالاتنا. ضحك عليها الغرب بقوانينه، اللي اتبعها اليهود، بس أنا واثق من إنها ريحة أراضي قريتنا سيرين رايحة تردها لأصالتها، للوفها، فقعها وعكوبها. أنا واثق يا ولدي. عشان هيك أنا مـُصـّر على العودة إليها والى البيت. أنا واثق من إنها الحياة اقوي من الموت، انت بتعرف إني أنا عرفت هدول الاثنين، واني غلبـّت في النهاية الحياة لأنها أقوى. أخ اجري زلت مرة أخرى عن الدرجة الحمرا. ولك يا زلمة خذ بيدي، وين رحت. اخخخخ، هاي أنا قدرت إني استعيد توازني، هاي أنا عدت شيخ الشباب. إطلـّع؟ أنا لازم أظل طالع لفوق تني أصل لامك ست الجمال والدلال؟ طيب يا أخي، اللي يحب الجمال يسمح بروحه وماله. زي ما قال عبد الوهاب، وشو بتفكر انه عبد الوهاب أشجع من أبوك؟ لا يا ولدي أبوك زلمة قوي، كانت دايما أحلامه كبيرة، أبوك لما بقرِّر انه يصل، بوصل مهما طال الطريق، بعدين تنساش انه أبوك سار في أصعب طريق في العالم، طريق حكاية القصص، وأبوك قدر انه يخلـّي الأموات قبل الأحياء يهزو روسهم إعجابا بقصصه. ابوك قدها وقدود، وبقدر يصل.
أطلع كمان درجة؟ كمان درجه وبصل؟ فعلا أنا وصلت، أنا وصلت لشباك المطبخ، الشباك مفتوح، أنا بقدر ادخل منه، ادخل، آه بدي ادخل، منا جاي لهذا الهدف، مين هاي؟ هاي أمك؟ معقول بعدها واقفة في المطبخ من يوم ما تركتها قبل سنوات يخرب شرها بعدها زي ما هي، رابطة منديلها على جبينها ” أبو عقيلة” يعني زي العقال، وماسكة السكين وبتقطع. يخرب شرك يا مرة شو قطعت بحياتك، اسأليني أنا، أنا أكثر واحد في العالم عانى من تقطيعك. أمك مش شايفيتني بعدها مشغولة بالتقطيع، أخ أخ. زلت اجري مرة تانية عن الدرجة أنا اسه معلق بالهوا، الوقعة من الطابق الثالث في بيت في الحي الغربي ممكن إنها ترجعني إلى فضائي السابق، امك تسمع صوتي، اشعر في عينيها كلاما، هي لا تريد أن تراني، لا الغربة ولا البعد ولا حتى الموت، مكـّنها من انها تغفر لي، ولك شو عملتلك يا بنت الحلال إحنا العرب بنستقبل عدونا وقاتل ابنا لما يفوت على بيتنا، انت مش عربية؟ بدكيش تشوفيني؟ طيب يا ست الحسن والدلال هذا من حقك زي ما قالت القاضية اليهودية، أنا بعرف انه محدا بقدر يجبر حدا انه يعيش معه. بعرف هذا كله. بس أنا كنت بفكر انه البعد عمل عمله وانك تغيرت. بعرف بعرف انه من الصعب على الإنسان انه يتغير. طيب يا عمي أنا تغيرت، انت بتفكري إني أنا بعدت عنك قبل المميعة، لأني كنت حابب إني ابعد؟ ولأنها كانت في امرأة أخرى في حياتي؟ ولك لا مكنش الأمر هيك، انت بتعرفي إني ابن مهجرين، حاولت كل الوقت إني اخلي هيفاء وهبي ترقص في بيتنا، وهديك الهندية تغنيلك أغاني هندية حبيتيها وانت تحضري الأفلام الحزينة المليانة بقصص الحب، تعبت وشقيت. يمكن أنا غلطت في إني وثقت بأنك انت قوية وبتختلفيش عني، يمكن أنا بالغت بإحساسي انك قوية وقلت لنفسي انك زيي، يمكن أنا غلطت. بس أنا دفعت الثمن لليهود وللغرب اللي اجو منه. شو بدك اعمل أكثر؟ أنا اسه راجع زيارة، زيارة قصيرة، بعدها رايح ارجع إلى فضائي اللامتناهي هناك، فضاء الموتى والحكايات. بدكيش أفوت على البيت؟ معقول هيك بتستقبليني، بعدك بتفكري إنها كانت في مرة تانية في حياتي؟ ولك مفيش لا مرة ولا بلوط، اللي فكرتيها مرة، كانت الحلم في إني اريحك وأريح أولادك، كانت الركض في صحاري الحكايات عشان امسك حكاية ترفعنا كلنا لفوق، المرة اللي فكرت في إني على علاقة معها كانت الكاتب في داخلي الكاتب إلي امتلأ راسه بالحكايات فاراد أن يبهر فيها الجميع. أنا كنت اركض وراء حكاية شارة مش ورا امرأة أخرى. يمكن كانت المرة الوحيدة المتربعة على سدة الحكاية الشاردة هي انت يا مجنونه. مش مصدقة؟ بتلوحي بالسكين في وجهي، بدكيش تستقبليني بعد كل هاي السنين؟ بدك تخليني أقع هاي المرة من شرفة المطبخ؟ بدك أعود إلى عالمي الآخر؟ إلى هذا الحد وصل حقدك علي؟ طيب طيب. اليهود علموك انه من حقك انك تحقدي على الرجل اللي كان زوجك وأبو أولادك، قالولك انه هذا من حقك. أي ي ي أنا بدي اسقط من الطابق الثالث، أنا بدي اسقط، انت قررت انك متوخذيش بأيدي عشان ارجع من حيث أتيت؟ هذا هو قرارك الأخير؟ أنا عارف إني رايح اسقط، عارف، عارف إني مش رايح اشوف لا بنتي شبيهة هيفاء وهبي ولا هديك أم الوجه الأسمر الهندي، مش رايح اشوف حدا. حتى ابني الشاب اللي أرشدني لطريق البيت الجديد في الحي الغربي وأدراجه الحمر، مش رايح اشوف حدا.. وين أنت يا ولدي؟