عندما تسافر في قطار خلال مقاطعات الشمال من اسبانيا ترى بعض البيوتات المظلمة، في مفترق طريق ضخم موحش، الى جانب قرية معتمة.
وربما لاحظت أن أمام البيت تقف عربة ركاب تجرها خيول، وأن بابه مفتوح مضاء، وأن السقيفة عريضة، لها طابع حانوت أو خان.
وربما توهمت، على حق، ان هذا البيت هو خان القرية فانبثق في...
لم أرغب في ان أضيء مصباح »الأباجورة« كعادتي كل ليلة، شعرت بنفور منه، وكذلك سئمت الثريا فوقي مضاءة. كان قلبي يهفو هناك، صوب درجي. نهضت اليه، وفتحته. أخرجت احدى تلك الشموع المعطرة، لم تكن مميزة الهيئة ولا ملفتة كبقية الشموع عندي، لكنني وددتها هي في تلك اللحظة. لم أفعل ذلك من قبل، اشتريت شموعاً...
كان رجلاً كغيره من الرجال، له بيت وزوجة وطفل وعمل، ولكنه في احدى الليالي أصيب فجأة بالشعر ومن دون تمهيد أو مقدمات، فظن الأطباء أنه مجرد زكام أو حساسية من شيء مجهول، ولم تكن أدويتهم بمجدية، فتحول من مواطن الى شاعر، وابتدأ يكتب الشعر في الليل والنهار يكتب الشعر وهو يتشاجر مع زوجته حول ما تضعه على...
عندما كان في العاشرة من عمره، كثيراً ما كان يقول:
- آه لو كانت عندي حقيبة!.. ومثل بقية الأطفال لو كانت عندي كتب وألعاب!.. أو حتى روايات عندها ستعرفون كيف أجد وأجتهد، لكن، كيف للمرء أن يعمل في مثل هذه الظروف؟. وعندما بلغ الثالثة عشرة اصبحت لديه كباقي الأطفال ألعاب ودفاتر وحقائب، ومع ذلك لم يجد...
مشت بخطوات بطيئة اثقلتها هموم وأحزان.. قطعت ممرات المستشفي من دون ان تشعر بزحمة النساء المرتادات للعيادة في ذلك الوقت من الصباح وصلت الي باب الخروج ووقفت تنتظر وصول السيارة وقد عكست الابواب الزجاجية صورة وجهها الشاحب ونظرات عينيها التائهة.
علقت الكثير من الآمال والاحلام وكلها قبل دقائق تقطعت...
وصلت مني برفقة والديها الي المنطقة الساحلية الجميلة القريبة من المدينة فوجدتها قد لبست حلتها الخضراء الجميلة كعادتها في فصل الربيع، فراحت تركض فرحة وهي تلامس بساقيها الصغيرتين العشب الأخضر الرطب فتثير من حولها المئات من الحشرات الصغيرة الطائرة منها والنطاطة، والتي بدأت بالهروب تاركة الزهور...
إنه دوار الهجر.. كأنه في مركب صغير وسط العاصفة هكذا غاب الضوء عبر المجهول،. كأن فراغ الأفق يهبط من حوله، فأصبح ورقة يابسة في مهب الريح، كل شيء فاتر، ولا صخرة تميت الذكريات، هو الآن في زهد دائم فلا الأساطير توقظه ولا حكايات الرواة.
كأنه السم القاتل. تراه وتعرف أسراره وتدرك نتائجه.... ولكنك تقبل...
(قصفت طائرة اسرائيلية سيارة نقل عمال دون أن يكون لهم أي ذنب سوى أنهم فلسطينيون في طريقهم للعمل، وخلّف القصف الى جانب الشهداء أيتام صغار ونساء أرامل.. إحدى هذه النساء كانت تكتب رسالة)
منذ سنوات وهي تمارس نفس العادة، محاولة النسيان، وتبكي لنسيان كتابه المُتاح للآخرين المسافرين معه في حافلةٍ صغيرة...
أعرف أنكم لن تصدقوني. كل يصدق نفسه ولو بالوهم. أو حتى الكذب. لكني أصدق نفسي، لأن لها رائحة ذكية. أن تعيش داخلك حيث خارجك مجرد أحداث تقع، تجعل الصداع يقفز الى الرؤوس كدواء لمرض لم يدرك. العالم يشغى من حولي. لا أسمع إلا طنيناً خافتاً. أنا صديق الموتى، انهم لا يفزعون، هادئون، ولهم اصوات دافئة،...
ما كان أبي امرأ سوء
وما كانت أمي تجري لمستقر لها
لتخبئ رائحة البرتقال المتسللة من صدرها
في عيون اللصوص الواقفين على أبواب المعابر
كانت تبلل أنفاسها
بدم المسافات المباحة من وريد الليل
تبحث عن هوية صالحة
للمرور عبر ثقوب المدينة
وعن وتر تشد عليه عطش الصغار
في مواسم الجفاف
قلبها ملأته الشعارات...
خلف البوابة الرئيسية كان الطريق الإسفلتي طويلا وموشحا, تظلله أشجار يونسيانا وكافور, تحجب عنه ضوء الشمس وتصنع ظلالا متداخلة تزيده وحشة. المارة قليلون, والصمت مطبق لاصوت إلا خشخشة أوراق الشجر الذابلة.
الطرق متفرعة والمباني متشابهة, وصلت للمكان بعد لأي.
اجتزت البوابة الثانية, فواجهتني...
بالأمس، لا اعرف إن كان بعيداً أم قريباً، فهذا لا يهم، المهم أن سنوات العمر تقصفت تحت ثقل الظلم، وان نهر الحقد فرّق بين قلبين أخضرين.
قلبان يحملان الحب وشاحاً، ويرتديان اللوعة شالاً، كانا يلتقيان بين المروج، أو بجانب النهر المسافر إلي البعيد، وفي بعض الأحيان عندما تكون العيون الحاسدة التي تسرق...
أكثر أيام الربيع والصيف، وكلما يأتي الأصيل، يكون الحبيب علي موعد مع وردة البلاد عند الدروب السعيدة. كل مرة تأتي بهيئة أنيقة، وترشه بسيل من البسمات، فينظر بعينين ضاحكتين إلي وجهها المعبأ بالصحة، وجسدها المتناسق، وشعرها الأسود الطويل الذي يزيدها جاذبية، ويتمني أن يحملها بين الضلوع، تمد يدها...
1- الاعتقال
الاشجار الخضراء في الشارع كفت عن الغناء لحظة تحلق عدد من رجال الشرطة المتجهمي الوجوه حول رجل يمشي على الرصيف سيفا هرما، رمحا متعبا، آن له أن يخلد الى الراحة بعد انتصاره في آلاف المعارك، وابتدره واحد منهم قائلا له بلهجة فظة: »أعطنا هويتك«.
فتقبل الرجل لهجة الشرطي باستنكار، وأوشك أن...
دخل شرطي بدين إلى المقبرة، ومشي بضع خطا مترددة بين الأضرحة البيض، ثم وقف حائراً لحظة، صاح بعدها بصوت ممطوط: »عمر الخيام«.
لم يجب أحد، فأخرج من جيبه منديلاً أبيض وسخاً، وتمخط في طياته ثم كوره وأعاده إلى جيبه، وصاح بصوت حانق: »عمر الخيام.. عمر الخيام.. أنت مطلوب للمحاكمة«.
فلم يجب أحد، فغادر...