كم من الأحجار رُمِيَتْ عليَّ!
كثيرة حتى إنِّي ما عدتُ أخافها،
كثيرة حتى إنَّ حفرتي أصبحت برجًا متينًا،
شاهقًا بين أبراج شاهقة.
أشكر الرماة البنَّائين
– عساهم يُجنَّبون الهمومَ والأحزان –
فمن هنا سوف أرى شروق الشمس قبل سواي،
ومن هنا سوف يزداد شعاع الشمس الأخير ألقًا.
ومن نوافذ غرفتي
كثيرًا ما سوف...
لا أدري لماذا تذكَّرتُه ليلة البارحة. كنت مارًّا في الطريق ذاته إلى المقهى. وبعد سهرة طويلة، مفعمة بالارتياح، عدت والظلمة والسكون يستجيبان لوقع خطواتي ولذاك الصدى المنعكس هنا وهناك.
ابتسمتُ وأنا أجتاز حاجز الأشجار الكثيفة. همستُ للذاكرة. لا بدَّ للسخرية أن تكون! كنت هنا... توقفت. استدرت نحو...
الفتاة هادئة، وجذابة. من دون شك هي كذلك. ثمة شبان كثر يتوددون إليها. أحد أصدقائي ينظر إليها الآن، يعترف لي، على رغم أنه تأخر في ذلك، بأنه يوماً ما سيضمّها إلى صدره مهما كلفه ذلك من تعب ونقود وصبر وأكاذيب. يا للعري المهذَّب المباح! يا للمقايضات العينية الرائجة! اسمها لوسي، وهو اسم أقرب إلى رمز...
غير بعيد حائط طيني أجلس، ربما لأنقذ كلامي الذي يدور داخل فمي لا غير، لكن البلادة سيّدة نهاري الجديد. بردٌ يموج حول جذع الرمّانة النحيلة. تربتها جافة. يضرب الضوء نصف جذعها العلوي، حائلاً، يسيل بحمرة خفيفة. ألمس وجهي. وجه بلا عمر ليس دليل براءة.
أحقاً أنا دمية مدفونة! حسناً، ما السيئ في عالم الدمى...
لم يُقبَل بي مهاجماً، ولا مدافعاً. أنا المفتون بميشال بلاتيني ومحمد التيموري، لم تُعرَض عليَّ حتى حراسة المرمى.خضعتُ لقلة حيلتي ورضيتُ بي متفرجاً منفعلاً شديد الحماسة. في مونديال المكسيك 1986 أوصلنا الليل بالنهار حتى لا نضيّع متابعة مارادونا. خالفني أبي حينها، إذ بقي مخلصاً للبرازيل، ونفّره من...
كنتُ ذا ميلٍ فطريٍّ لتعنيف ذاتي وإجبارها على كَتْم ما تحبُّ، لا رغبةً في جعلها تُماثِلُ غيرَها من حيوات قاسيات فحسب، بل لمعاقبتها يوميًّا على عجزها أن تحظى بانفرادٍ يحمي آلامَها الشبيهة بأرضٍ تجمَّدَ صلبُها، فما عادت تعكس سوى كتمانٍ لا يزيده العملُ إلا فوضًى وأذى! نعم، جرَتْ فيَّ الأذيَّة،...
صفق الأستاذ فاتح عبد الجبار باب شبه الغرفة خلفه خارجاً، آمِلاً أن المشي قليلاً في هذه الساعة المبكرة من الصباح، قبل الذهاب إلى المدرسة، سيطرد الصداع الدبُّوسي الذي ينخر صدغيه.
هذا هو يومه الثالث هنا، بعيداً عن مدينته بمئات الكيلومترات، في بلدة صغيرة تشرَّبت، من الريف والمدينة على حدٍّ سواء، كل...
"أرسِلي ذكرياتك بالبريد، إذا كنت تودين المرور بأقانيم مطارحاتنا الغرامية التي كنَّا نزاولها متشابكين فوق الحائط."
قرأ هذه الكلمات تحت صورة معلَّقة على الجدار، قبل أن يوقد شمعة عوضًا عن مصباح الغرفة. نظر إلى الزوايا التي بقيت متشحة بانعدام الوضوح. فكَّر باستبدال مصابيح الساحة التي يقطنها منذ...
يقول أدوار عازوري: " أن الفن لا زمن له، إلاَّ أن لكل زمن ذوقه ومقاييسه الجمالية*" فإذا كان الرسم يمثل حالة إشباع لرغبة ما تحقق عملاً فنياً يثير تنويعات تخاصرت ألوانها بمساق تدويرها، حتى تجعلنا نتواضع بإخلاص بين إلهام الرسام، وصلاحية أسلوب التعبير، الذي يجنح إلى تحقيق النجاح، وبين تصاعد الوعي في...
- مات ياكوف!
قال ذلك أحد الأصحاب المتحلِّقين حول سرير الميت. جَزَعٌ وحيرة بادية. وراح المتحلِّقون يتبادلون نظرات غاضبة بأعين جاحظة. أطْبَقَ صمتٌ مخيف على الجميع، وملأتْ المكانَ رهبةٌ وغربة. إلى أن قَطَعَها صاحبٌ ثانٍ قائلاً:
- ما كان له أن يموت قبل أن يخبرنا ماذا فعل بكلِّ ثروته...
تضع المدينة أنشوطتها الغليظة حول عنقي. كل ما في المدينة يسهم في منع النسمة من الانسراب إلى صدري. شوارعها المكتظة، أرصفتها الضيقة، الفضاء المشحون بزعيق السيارات، الموسيقى الصاخبة، أصوات البشر، أيديهم الخاوية الممدودة من أجل رغيف، حناجرهم المتورمة، وعيونهم الطافحة بدموع متحجرة.
أهرب من موقع...
باردٌ، كدمشق في يومها الأخير.
أرى: يبلعُ الرملُّ الماءَ ولا يشبع.
أرى: أركض نحو أختي، التي ماتت قبل أن تلدها أمِّي، كي أمنحها سرِّي.
أنا ابن آخر قطرات من شتاء، كالضجيج أتصاعد، حكاية بخار منفيٍّ من إبريق جدِّي.
وجدِّي، رأس لطربوش أحمر، وقمباز لسجادة صلاة تحت مئذنة.
كان شكل جدِّي مئذنة...
بصيص الضوء لا يدخل إلى حجرته سوى صباحات الجمعة، حيث تفتح زوجة ابنه نوافذ الحجرات كلها، بما في ذلك الحجرة الجوانية التي تشبه القبو. هي حجرة صغيرة للغاية، متواضعة الأثاث، تطل على حجرة واسعة ليس فيها أحد. لا حس ولا خبر. بالكاد، حين يصيخ الجد السمع، يستمع إلى تلفزيون الأحفاد وهو يوش على قنوات لا...
في الواقع، الإنسان الذي يريد أن يشاهد على نحو صحيح مجد الله على الأرض، لا بدَّ له أن يشاهد ذلك المجد في الوحدة. بالنَّسبة لي على الأقل، الحضرة - ليست حضور الحياة الإنسانية فقط، بل حضور الحياة في أيِّ شكل آخر غير تلك الأشياء الخضراء التي تنمو على الدَّنس وهي صامتة - هي وصمة عار على المنظر...