(أحن إليكِ دائمًا)
تجلس أمام مرآتها، على مقربةٍ من نافذة الصباح المشمس، وبقايا النوم في عينيها واضحةً، لتبحث عن الشعرة البيضاء التي حلمتْ بها.
تبحث أولاً في الجانب الأيسر، الغزير، وهي تعلم أنها لن تجدها هنا، مع أنها كانت بهذا الجانب في الحلم، ثم ترفعه خلف أذنها، فيظهر عنقها الناصع، كجذع شجرةٍ،...
يستيقظ على صرخة من كان يقتله في الحلم، فيعتدل، في الظلام الشفيف، ويشرب الكثير من المياه من زجاجةٍ صغيرةٍ تجاور سريره دائمًا، ويفكر أن ينام مرةً أخرى، غير أنه يخشى أن يعود للحلم، كما يحدث غالبًا، فيتأكد أن من قتله هناك كان ابنه، لذا يقوم وهو يشعل سيجارةً، يمشي إلى النافذة، وقبل أن يفتحها يعود إلى...
وجدت العذوبة كلها منذ قليلٍ، في الحلم، حيث كان ينافس همسكِ -رغم حزن ما كنت تقولين- كل الضجيج الذي تركتْه في روحي الأيام، فانتعشتُ.. نعم ينعشني حضوركِ ويزرعني في قلب الحياة، التي إن كنتِ لا تعلمين أراها تلفظني وتدفعني للمغادرة، غير أني، في حضوركِ وما يصنعه بي، أجدها تفتح ذراعيها لي، وأنا لن ألقي...
وجدتُني دون الخامسة من العمر تقريبًا، هناك، في مدرسة قريتي البعيدة، وحولي أطفال في مثل عمري، حيث كنا ننتظر، وقد لفنا الطنين الودود، دخول مُدرِّس الحصة التي قد جهَّزنا كتابها على المناضد الصغيرة أمامنا، وما إن دخلت علينا خديجة بكامل ثيابها صمت الطنين، ووقفنا، لأكتشف مذهولاً أننا عرايا تمامًا،...
لا تسألني عن أحوالي ولا تبادرني:
"مساؤك سكر".
كما هي العادة، فقط تقول لي بصوتٍ خافتٍ جدًا:
"إنت فين؟".
أخبرها أني في البلكونة أشاهد رجلاً عجوزًا يقطع مسافة عشر أمتارِ ذهابًا وإيابًا في وهنٍ يكاد أن يكون له صوتٌ، وعلى مقربةٍ منه، تنتظره، أو تشجعه في تريضه اليومي هذا، امرأةٌ في الثلاثين...
أقفُ أمام بيت المرأة التي رفضتْ أن تتقاضى أجر ليلتها عندما عرفت أني لا أريد منها غير أن تحمِّمني.. فقط تحمِّمني، تحمِّمني بيدَيْها وهي تغنِّي لي، وتمشِّط شعري بعد أن تساعدني في ارتداء ثيابي، ثم تجلس بجواري في السرير وتتحدَّث، تتحدَّث في أيِّ شيء حتى أنام.
أقفُ أمام بيت المرأة التي سمعتْ ما قلتُ...
ياسر جمعة
(تلويحة)
يوقظني الشجار
اليومي
للجارة وطفلها
من حلمٍ
رأيتُ فيه المصابين بالفَيروس
وقد انتشروا في شوارع العالم
الخالية تمامًا
إلا منهم
حيث كانوا يتقافزون
سعداء
بنجاتهم من هذا الخوف المميت
الذي سجن باقي الناس
هؤلاء
الذين كانوا يراقبونهم من وراء نوافذهم
دون أن يعلموا
أنَّ سُعداء...
إلى الشاعرة: فاطمة قنديل
قادتني الصغيرة، التي وقر في نفسي أنها خديجة وقد عادت طفلةً دون الخامسة تقريبًا، إلى بيتٍ له حديقةٌ متوحِّشةٌ كغابةٍ كانت تحجب معالمه، اخترقنا الحشائش والأغصان المتشابكة وولجنا الباب الذي إنفتح سريعًا، وجدنا بابًا ثانيًا، أدركتُ مباشرةً أنه بيت الشاعرة الذي حدَّثتْني...
وجدتكِ
مساءً
في قصائد الأصدقاء
بعد أن أخذني حزن الفقد والليل الثقيل
كنتِ مثل فجرٍ
ينشر ضوءه الوليد
على الجميع
عند هذا الشاعر وجدتُ بعض طفولة روحك والشبق
وعند ذلك كان وجهك الصبوح
وعند ذاك نهدَيك
وقد خلقت الكلمات من المفرق بينهما بحرًا كبيرًا
وعند هذا خصرك وابتسامتك
وعند هذا ظلك وأنت ترقصين...
ياسر جمعة
(يشبهني هذا الليل)
أمشي بغرض التريض والتخفِّف من الحزن، أمشي وأنا أعرف أنه أكبر من كلِّ أسبابه، أعرف أنه أكبر من كلِّ الطرق التي أعبرها، الطرق التي تدوس على قلبي فيزداد الحزن، الحزن الذي تفرُّ منه الأعين ما إن يلمسها من نظراتي، أمشي وأنا أُلملم نظراتي كي لا تؤذي العابرين، فتتمرَّد...
القاص: ياسر جمعة
(اسمها)
أيقظَتْهُ وهي تلومُه لأنَّه لم يسألْها حتى الآن عن اسمها، كان قد مرَّت شهورٌ منذ وجدها نائمةً بجوار صندوق القمامة، اعتدل وبقايا النوم والدهشة يُلوِّنانِ وجهه الطفولي:
"إيه!".
مسحتْ ضحكتها التي رنَّتْ ما علقَ بوجهها من غضبٍ، ابتسم لعينيها السوداوين اللَّامعتين...
نص القاص ياسر جمعة:
(ليلة الرأس الخمسين)
لصباها عنفوان، وعبير، تستنشقه وهي عارية، وتدور حول نفسها، تتحسس مفاتنها أمام جزءٍ صغيرٍ من مرآةٍ كان مستنداً على جدارٍ حالك اللون.
رأت فيها نفسها، في لمحةٍ خاطفةٍ، عجوز، بحاجبين أبيضين، مثل شعر الرأس الخفيف، وبملامح كرمشها إنطباق الفكّين الخاليين...
(لعبة كل يوم)
ياسر جمعة
يوم أمس، في فترة ما قبل الظهر، بعد الاستيقاظ والاستحمام، وأنا أشربُ القهوةَ، وجدتُني في خيالِ إحداهنَّ.. كنتُ زوجها على ما أظنُّ، أو ما يُشبه ذلك، وكانت تودُّ أنْ تكتب لي/ له رسالةً، تطلبُ منه فيها الانفصال، فانقبضَ قلبي، للحظاتٍ، وشعرتُ أني كنتُ أحبُّها.. أني...
النص :
الصباح بعين واحدة
ياسر جمعة
أستيقظ مختنقًا، هل كنت في كابوسٍ؟ لا أذكر، ولا أريد أن أذكر، أقوم، أمشي مترنِّحًا حتى البلكونة، أفتحها مُغمَض العينين بسبب الضوء الساطع، وأستنشق عميقًا فأسمع:
"كتبت لك رسالة إمبارح".
"بجد؟".
"آه والله".
"فين هي؟".
"عندك،...
النص
(فيلم السهرة)
ياسر جمعة
يرسم طفل الفيلم، في كرَّاسته المهترئة، نافذةً، وأمام عينيه المندهشة تصير نافذةً، يبتسم، ويرى من خلالها حديقةً متنوِّعة الزهور والأشجار، فيها طيورٌ كثيرةٌ وحيواناتٌ، تتوهَّج ملامحه الصغيرة بالفرحة والنور، فيركض إلى غرفة أمه المريضة، التي كنت قد رأيتها في المشهد...