النص:
رآها وهو في طريقه إلى عمله، كانت تضم شجرةً في جانب الطريق، تضمها خائفةً وتتحدث إليها بلغاتٍ ثلاثٍ؛ عربيةً وإنجليزيةً وألمانيةً، تتحدث بها في مزجٍ عجيبٍ في كل جملةٍ، وكأنَّ لغةً واحدةً لا تكفيها، لذا توقف مثل الآخرين واقترب، كانت في ثوبٍ ممزقٍ لا يستر جسدها النحيف.. الكهل، وكان شعرها...
البحث عن وجه الجارة
أُعدُّ قهوة الصباح فأسمع صوت القرآن، يصطخب رأسي بمشاهد العذاب وأتساءل: هل مصدر الصوت شقة الجارة، التي لم أستطع منع نفسي من إمعان النظر في مفرق ثديَيْها البضين وإبطها النظيف، عندما كانت تنشر غسيلها زاهي الألوان في بلكونتها منذ أيامٍ؟
ينتقل صوت المقرئ إلى وصف النعيم، أبتسم...
الحزن، أو الخزي، من عدم قدرتي على حسم أمري فيما يخص حياتي المزرية، سجنني في صمت سميك.. حالك، بينما ظلت هي تنظرني من مجلسها بجواري، صامتةً كذلك، حتى حل أول المساء، الذي أخاف، منذ الصغر، ولا أعرف لمَ!
اقتربت، لمست خدي بأطراف أصابعها، وراحت تحكي لي عن هذا الرجل الذي كان يتحدث مع الهياكل العظمية...
... والقصائدُ يا صديقتي لا تأتيْني، بل أنا من يذهبُ إليها: أبحثُ عنها في الطُّرقاتِ المُظلمةِ، تلك المُوْحِشة والخَطِرَة، وما إنْ ألمحَها مِنْ حيثُ تُراقِبُني وهي تتخَفَّى في الأشياء، تُراوغُني، أحتالُ عليها، وفي النِّهايةِ تُقبل.
أمس، ودونَ أنْ أبرحَ مكاني، فاجأتْنِي القصيدةُ بنفسِها، كانت تحكي...
يوم وُلدِتْ أشباحُنا
كنا، بعد كلِّ اشتباكٍ أو غارةٍ نقوم بها، نعود إلى ثَكَناتنا وقد استخفَّ بنا المرحُ، والفخرُ بقدراتِنا كذلك، الذي كان يصلُ بنا إلى حدِّ التيه، فننفصلُ تمامًا عن ذكرياتنا- التي كانت في البداية ملاذنا- وعن ذواتنا وما بها من مخاوف وأحلام، وحتى عن جروحنا، التي كنا نعالجُها،...
ضربني، لا أذكر الآن السبب، حتى سال عرق جبينه العريض وتعالى صوت تنفُّسه، فأنزويتُ في أقصى المنزل مترقبًِاً لحظة اندماجه مع الجيران في حديثهم اليومي، حيث يفترشون الأرض، لأتسلَّلَ هاربًا إلى.. إلى.. إلى؟! لا مكان إلا ليل شوارع القرية المليء بالكائنات المرعبة، التي رأيتها تلتفُّ حولي، كلها، كما...
أيقظَتْهُ وهي تلومُه لأنَّه لم يسألْها حتى الآن عن اسمها، كان قد مرَّت شهورٌ منذ وجدها نائمة بجوار صندوق القمامة، اعتدل وبقايا النوم والدهشة يُلوِّنانِ وجهه الطفولي:
"إيه!".
مسحتْ ضحكتها التي رنَّتْ ما علقَ بوجهها من غضبٍ، ابتسم لعينيها السوداوين اللَّامعتين وقال:
"صحيح اسمك إيه؟".
ولمسَ خدَّها...
يراهُ الكلُّ - إن رأوه- مجذوبًا، رثَّ الثِّياب، يُخبِّئ شعره الطَّويل، المُتَّسخ وجهه، ويصل إلى صدره الضَّامر. وهو لا يراهم، إلَّا عندما يحتاج إلى أحدهم، في دورٍ يستحيل على أيِّ من أُناس حياته القديمة، القيام به، ليتمِّم به واحدة من حكاياته الَّتي يسردها، مُهمهمًا، على روح الكون.
يتأمَّلهم،...
ظل يجمع، ويدوّن، الحكايات الصاخبة، وقُبر بين دفاتره العديدة، التي فاضت حوله وتشابكت أحرفها، فحجبت عنه المداد.
كانت أول الحكايات، وأصغرها، عن نهار رأى في مرآته الناصعة وجهًا كان مرتسمًا في الفضاء حوله، ما لبث أن احتل وجوه أُناس الطريق الذي لا يذكر سبب تواجده فيه، والذي ازدحم، فجأة، بوجوهه هو...
كانت المنازل والأشجار، في الحلم، قصيرةٌ جدًا، وكنتُ أطلُّ عليها من علٍ وأنا أتجوَّلُ في طُرقاتها الضيِّقة، التي لم تكنْ تستوعب قدميَّ إلا بالكاد.
كنتُ ألعب سعيدًا، ولم يكن هناك هدفٌ غير ذلك.
ولكن، ما إن أخذتِ الأشياء من حولي تكبر، بينما أنا أتضاءل، خفتُ، ورحتُ أركض في الطرقات التي كانت...
يوم أمس، في فترة ما قبل الظهر، بعد الاستيقاظ والاستحمام، وأنا أشربُ القهوةَ، وجدتُني في خيالِ إحداهنَّ.. كنتُ زوجها على ما أظنُّ، أو ما يُشبه ذلك، وكانت تودُّ أنْ تكتب لي/ له رسالةً، تطلبُ منه فيها الانفصال، فانقبضَ قلبي، للحظاتٍ، وشعرتُ أني كنتُ أحبُّها.. أني أحبُّها، أنها كلَّ حياتي، ولكنَّها...
الحارس، ذاك الضخم، الذي كان يقوم في البداية على خدمتي دون أن أراه- فقد كان له حضورٌ شبحيّ- وأصبح بعد ما أحضر ثلاجة صغيرة ومقعدًا، يختفي أيامًا ويأتي بعدها بمُعلباتٍ وعصائر وسجائر، يضعهم في الثلاجة، السجائر فوقها، ويجلس على مقعده بجوار الباب من الداخل- أتخيله ينظر إليّ، رغم الجدار الذي يفصل...
لصباها عنفوان، وعبير، تستنشقه وهي عارية، وتدور حول نفسها، تتحسس مفاتنها أمام جزء صغير من مرآة كان مستنداً على جدار حالك اللون.
رأت فيها نفسها، في لمحةٍ خاطفة، عجوز، بحاجبين أبيضين، مثل شعر الرأس الخفيف، وبملامح كرمشها إنطباق الفكّين الخاليين من الأسنان، وثدييها، اللذين كانا بين كفيها في هذه...